كان يكفي الإنسان أن يكون «بنتا» ليشعر بالفجيعة، فكيف إذا لحقت به الهزيمة أيضا؟
أخفت وجهها تحت الغطاء، تمنت أن تعود مرة أخرى إلى رحم أمها، من دون جدوى، لم يكن لأحلامها أن تتحقق بالتمني «وما نيل المطالب بالتمني ولكن تؤخذ الدنيا غلابا.»
كانت أمها تردد هذا البيت أيام الهزائم، تشرح معناه لطفلتها.
يعني الدنيا مش سهلة، العمل مهم يا داليا.
تخرج أمها كل صباح إلى عملها في الجورنال، أحيانا تأخذ داليا معها، بلغت الثامنة من عمرها، كانت تسجل في مفكرتها السرية ما يدور في رأسها.
كان الواقع يذوب في خيالي والحلم يمتد بعد أن أصحو من النوم.
مكتب أمي كان واسعا يطل على النيل، الشمس ساطعة تملأ الدنيا بالدفء، أشعر بالسعادة حين أخرج معها، كانت تتركني في البيت قبل أن أدخل المدرسة مع أم رءوف، وجهها أسمر يقترب من السواد، أصابعها قوية وأظفارها طويلة تصبغها بالمونيكير، ترتدي فستان أمي الحريري في غيابها، تلون شفتيها بإصبع الروج، تأخذه من درج أمي، تضربني في الحمام، تضع سكين المطبخ فوق عنقي وتقول: أدبحك لو قلتي لأمك.
تجلس أمي وراء مكتبها مرتدية جاكيت من الجلد، لونه بني غامق، البؤبؤ الأسود في عينيها كبير الحجم بريقه لامع، ينطفئ البريق حين يدخل مكتبها رئيس التحرير، ولا يظهر في عينيها حين تكون في البيت، تمشي أمي فوق كعبين رفيعين، يدقان الأرض بصوت قوي مسموع، أحيانا تنتعل حذاء ذا كعب مربع يشبه حذاء أبي، فلا يكون لوقع قدميها أي صوت.
قلت لأمي ونحن في مكتبها: أنا أكره أم رءوف يا ماما. - ليه يا داليا؟ - ماعرفش.
كلمة «ماعرفش» كانت تلازمني في طفولتي. - دي ست غلبانة يا داليا. - مش باحب الغلابة يا ماما.
Unknown page