من حيث ادِّعاء حُكمٍ ونَسْخه، من غير دليلٍ على ذلك، وإلا فمعروفٌ في اللغة أن يُقال للغنيمة: فيءٌ.
وقال قوم: بل الفيءُ والغنيمةُ شيئان مختلفان، ولكلِّ واحدٍ حكمٌ يختصُّ به، والآية على ذلك مُحكمةٌ. والغنيمة: ما أُخذ على وجه الحرب والمغالبة، وهو الذي أنزل الله -تعالى- في حكمه: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ﴾ [الأنفال: ٤١]، فهو يكون خمسه في الأصناف التي سمَّى الله -تعالى-، وأربعة أخماسه للجيش الذين قاتلوا عليه.
وأما الفيء: فهو ما صُولح عليه أهل الحرب، ولم يؤخذ عنوة (١)، فهذا يكون مَصْرفُ جميعه في الأصناف التي سمَّى الله -تعالى- في هذه الآية من سورة الحشر، ولا يُخمَّس، وهو قول سفيان
الثوري (٢)، وكذلك قال جمهور الفقهاء: إن الفيء غير الغنيمة، إلا أنهم لم يقصروا الفيء على هؤلاء الأصناف، بل رأوه عامًا في جميع مصالح المسلمين، وهو قول مالكٍ، والشافعي، وأبي حنيفة، وأحمد، وإسحاق، وأهل الظاهر، وغيرهم (٣)؛ إلا أن الشافعي رأى أن يُخمس الفيء كما
(١) وهو: المأخوذ من مال الكافر مما سوى الغنيمة، وسوى المختص بأخذه المحدودين.
انظر: «شرح حدود ابن عرفة» (ص ١٤٨) .
(٢) رواه عنه عبد الرزاق في «المصنف» (٥/٣١٠ رقم ٩٧١٥)؛ قال: «الفيء والغنمية مختلفان، أما الغنيمة فما أخذ المسلمون فصار في أيديهم من الكفار ...» .
وانظر: «أحكام القرآن» للجصاص (٣/٧٤)، «مختصر اختلاف العلماء» له -أيضًا- (٣/٥١١)، «الخراج» ليحيى بن آدم (ص ١٩-ط. دار المعرفة)، «موسوعة فقه سفيان الثوري» (ص ٦٨٠) .
(٣) انظر: «المدونة» (١/٣٨٦)، «الذخيرة» (٣/٤٣٢)، «المعونة» (ص ٦١٨)، «عيون المجالس» (٢/٧٤٤)، «مختصر الطحاوي» (ص ١٦٥)، «الخراج» لأبي يوسف (ص ٢٧)، «فتح القدير» (٥/ ٥٠٣)، «مختصر اختلاف العلماء» للجصَّاص (٣/٥١١)، «أحكام القرآن» له -أيضًا- (٣/ ٦٢)، «الأم» (٤/١٣٩-١٤٠)، «مختصر المزني» (ص ٢٧٠)، «روضة الطالبين» (١٠/٢٨٢)، «المهذب» (٢/٢٤٧)، «المقنع» (١/٥١٤-٥١٥)، «الإنصاف» (٤/١٩٩)، «كتاب التمام» (٢/٢٢٤-٢٢٥)، «الإقناع» (ص ١٧٩)، «المغني» (١٣/٥٣-ط. هجر) .