وقد روي عن مالكٍ في الأجير هذه الأقوال الثلاثة (١) . ولم يُختلف عنه أنه إن لم يقاتل ولم يشهد، فلا شيء له، وقول مالك في إحدى الروايات عنه: لا يُسهم للأجير والتاجر إلا أن يُقاتِلا (٢)، هو قول أبي حنيفة وأصحابه (٣) .
ومن قول مالك: إنه يُسهم لكلِّ من قاتل إذا كان حُرًّا (٤)، وهو قول أحمد بن حنبل (٥)،
(١) انظر تفصيل ذلك في: «النوادر والزيادات» (٣/١٨٧-١٨٩) .
(٢) انظر: «المدونة» (١/٣٩٣)، «التفريع» (١/٣٦٠)، «الكافي» لابن عبد البر (٢١٤) .
فإن كان التاجر خرج للجهاد والتجارة معًا، فينبغي أن يُسهم له إذ حضر الوقعة، سواء قاتل، أم لا. وانظر: «عيون المجالس» (٢/٧٢٠)، «حاشية الدسوقي على الشرح الكبير» (٢/١٩٢)، «أحكام القرآن» لابن العربي (١/١٩٢) .
(٣) انظر: «الرد على سير الأوزاعي» لأبي يوسف (ص ٤٤)، «بدائع الصنائع» (٧/١٢٦)، «الاستذكار» (١٤/١١٠) .
وهو قول الشافعي في التاجر؛ قال: «ويُسهم للتاجر إذا قاتل» .
انظر: «مختصر المزني» (ص ٢٧٠) .
(٤) قال مالك في «الموطأ» (ص ٢٨٧-ط. دار إحياء التراث العربي) في كتاب الجهاد (باب جامع النفل في الغزو)، قال في الأجير في الغزو: «إنه إن كان شهد القتال، وكان مع الناس عند القتال، وكان حُرًّا: فله سهمه، وإن لم يفعل ذلك: فلا سهم له، وأرى أن لا يُقسم إلا لمن شهد القتال من الأحرار» ا. هـ. كلامه ﵀.
وهذا مذهب الليث بن سعد. انظر: «النوادر والزيادات» (٣/١٨٨، ١٨٩)، «مختصر اختلاف العلماء» للجصاص (٣/٤٤٢)، «الاستذكار» (١٤/١٠٩-١١٠)، «تفسير القرطبي» (٨/١٦، ١٧)، «نيل الأوطار» (٧/٣٠٣)، «الفيء والغنيمة» (ص ١٣٦) .
(٥) هذه إحدى الروايتين عنه. انظر: «الإنصاف» (٤/١٦٣-١٦٤)، «المحرر» (٢/١٧٦) .
وفي رواية عنه: لا يُسهم له على كل وجه. انظر: «المغني» (٨/٤٦٧-٤٦٩) .
وبه -أي: الرواية الأخرى عن أحمد- قال أشهب، وقال ابن القصار في الأجير: لا يُسهم له وإن قاتل. أفاده القرطبي في «التفسير»، ثم قال: «وهذا يرُدّه ...»، وذكر حديثًا، أخرجه مسلم في «صحيحه» في كتاب الجهاد والسير (باب غزوة ذي قرد وغيرها) (رقم ١٨٠٧) عن سلمة بن الأكوع، ضمن حديثٍ طويل، قال فيه سلمة: «كنت تبيعًا لطلحة بن عبيد الله، أسقي فرسه، وأحسُّه، وأخدمه، وآكل من طعامه، وتركت أهلي ومالي، مهاجرًا إلى الله ورسوله ﷺ»، وذكر حديثًا طويلًا جدًّا، في آخره: «ثم أعطاني رسول الله ﷺ سهمين، سهم الفارس، وسهم الرَّاجل، فجمعهما لي جميعًا» . =