Warathat al-anbiyāʾ sharḥ ḥadīth Abī al-Dardāʾ
ورثة الأنبياء شرح حديث أبي الدرداء
Editor
أبي مصعب طلعت بن فؤاد الحلواني
Publisher
الفاروق الحديثة للطباعة والنشر
Edition Number
الثانية
Publication Year
١٤٢٤ هـ - ٢٠٠٣ م
Genres
وفي "سنن ابن ماجه" (١) عن ابن مسعود قال: "لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ صَانُوا الْعِلْمَ وَوَضَعُوهُ عِنْدَ أَهْلِهِ لَسَادُوا أَهْلَ زَمَانِهِمْ، وَلَكِنَّهُمْ بَذَلُوهُ لِأَهْلِ الدُّنْيَا لِيَنَالُوا بِهِ مِنْ دُنْيَاهُمْ فَهَانُوا عَلَيْهِمْ، سَمِعْتُ نَبِيَّكُمْ ﷺ يَقُولُ: «مَنْ جَعَلَ الْهُمُومَ هَمًّا وَاحِدًا: هَمَّ آخِرَتِهِ، كَفَاهُ اللَّهُ هَمَّ دُنْيَاهُ، وَمَنْ تَشَعَّبَتْ بِهِ الْهُمُومُ فِي أَحْوَالِ الدُّنْيَا لَمْ يُبَالِ اللَّهُ فِي أَيِّ وَادٍ مِنْ أَوْدِيَتِهَا هَلَكَ".
وقال أبو حازم الزاهد: لَقَدْ أَتَتْ عَلَيْنَا بُرْهَةٌ مِنْ دَهْرِنَا وَمَا عَالِمٌ يَطْلُبُ أَمِيرًا، وَكَانَ الرَّجُلُ إِذَا عَلِمَ اكْتَفَى بِالعِلْمِ عَمَّا سِوَاهُ، فَكَانَتْ الأُمَرَاءُ تعساهم في منازلهم وتقتبس منهم، فَكَانَ فِي ذَلِكَ صَلاَحٌ لِلْفَرِيقَيْنِ لِلْوَالِي والمُولى عَلَيْهِ، فَلَمَّا رَأَتْ الأُمَرَاءُ أَنَّ العُلَمَاءَ قَدْ غَشُّوهُمْ وَجَالَسُوهُمْ، وَسَأَلُوهُمْ مَا فِي أَيْدِيهِمْ هَانُوا عَلَيْهِمْ، وَتَرَكُوا الأَخْذَ عَنْهُمْ وَالاقْتِبَاسَ مِنْهُمْ، فَكَانَ فِي ذَلِكَ هَلاَكُ الفَرِيقَيْنِ الوَالِي والمُولى عَلَيهِ.
ودخل أعرابي البصرة فَقَالَ: مَنْ سَيّدُ هَذِهِ القَرْيَةِ؟ فقالوا: الحَسَنُ، قَالَ: فَبِمَ سَادهُمْ؟
قالوا: احْتَاجَ النَّاسُ إِلَى عِلْمِهِ، وَاسْتَغْنَى هُوَ عَنْ دُنْيَاهُمْ.
وكان الحسن يقول: إِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ شَيْنًا، وَشَيْنُ العِلْمِ الطَّمَعُ.
وقال: مَنْ ازْدَادَ عِلْمًا فَازْدَادَ عَلَى الدُّنْيَا حِرْصًا، لَمْ يَزْدَدْ مِنَ اللهِ إِلاَّ بُعْدًا، وَلَمْ يَزْدَدْ اللهُ لَهُ إِلاَّ بُغْضًا.
واجتاز الحسن يَوْمًا ببعض القراء عَلَى أبواب بعض السلاطين فَقَالَ:
أَقْرَحْتُمْ جِبَاهَكُمْ، وَفَرْطَحْتُمْ نِعَالَكُمْ، وَجِئْتُمْ بِالعِلْمِ تَحْمِلُونَهُ عَلَى رِقَابِكُمْ إِلَى
(١) برقم (٢٥٧، ٤١٠٦).
1 / 57