165

Istinbāṭāt al-Shaykh ʿAbd al-Raḥmān al-Saʿdī min al-Qurʾān al-Karīm ʿarḍ wa-dirāsa

استنباطات الشيخ عبد الرحمن السعدي من القرآن الكريم عرض ودراسة

Publisher

دار قناديل العلم للنشر والتوزيع

Edition Number

الأولى

Publication Year

١٤٣٧ هـ - ٢٠١٦ م

Publisher Location

دار ابن حزم

Genres

النتيجة:
أن الآية لا تدل صراحة على حجية الإجماع لأنها تتحدث عن عدالة جميع الأمة لاعن طبقة العلماء المختصين بالإجماع، ولكن يمكن أن يستأنس بها من ناحية أن المعنيين بالإجماع هم ممن وصفهم الله بالعدالة فإذا توافقوا كان توافقهم حجة، قال ابن عاشور: (. . . والحق عندي أن الآية صريحة في أن الوصف المذكور فيها مدحٌ للأمة كلها لا لخصوص علمائها فلا معنى للاحتجاج بها من هاته الجهة على حجية الإجماع الذي هو من أحوال بعض الأمة، لا من أحوال جميعها، فالوجه أن الآية دالة على حجية إجماع جميع الأمة فيما طريقه النقل للشريعة وهو المعبر عنه بالتواتر وبما علم من الدين بالضرورة وهو اتفاق المسلمين على نسبة قول أو فعل أو صفة للنبي ﷺ مما هو تشريع مؤصل أو بيان مجمل مثل أعداد الصلوات والركعات وصفة الصلاة والحج ومثل نقل القرآن، وهذا من أحوال إثبات الشريعة، به فسرت المجملات وأسست الشريعة، وهذا هو الذي قالوا بكفر جاحد المجمع عليه منه، وهو الذي اعتبر فيه أبو بكر الباقلاني وفاق العوام واعتبر فيه غيره عدد التواتر، وهو الذي يصفه كثير من قدماء الأصوليين بأنه مقدم على الأدلة كلها.
وأما كون الآية دليلًا على حجية إجماع المجتهدين عن نظر واجتهاد فلا يؤخذ من الآية إلاَّ بأن يقال إن الآية يستأنس بها لذلك فإنها لما أخبرت أن الله تعالى جعل هذه الأمة وسطًا وعلمنا أن الوسط هو الخيار العدل الخارج من بين طرفي إفراط وتفريط علمنا أن الله تعالى أكمَلَ عقولَ هذه الأمة بما تنشأ عليه عقولهم من الاعتياد بالعقائد الصحيحة ومجانبة الأوهام السخيفة التي ساخت فيها عقول الأمم، ومن الاعتياد بتلقي الشريعة من طرق العدول وإِثبات أحكامها بالاستدلال استنباطًا بالنسبة للعلماء وفَهْمًا بالنسبة للعامة، فإذا كان كذلك لزم من معنى الآية أن عقول أفراد هاته الأمة عقول قَيِّمة وهو معنى كونها وسطًا، ثم هذه الاستقامة تختلف بما يناسب كل طبقة من الأمة وكلَّ فرد، ولما كان الوصف الذي ذكر أثبتَ لمجموع الأمة قلنا إن هذا المجموع لا يقع في

1 / 171