Al-istinbāṭ ʿinda al-Khaṭīb al-Shirbīnī fī tafsīrihi al-Sirāj al-Munīr
الاستنباط عند الخطيب الشربيني في تفسيره السراج المنير
Genres
المتقي للشرك والمعاصي فله الدرجة العليا من القبول والختم بالرحمة، عُلِم ذلك بأخبار الله تعالى، لا أن ذلك يجب على الله تعالى عقلا). (^١)
وقال ابن جزي: (قوله تعالى ﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾ استدلَّ بها المعتزلة وغيرهم على أن صاحب المعاصي لا يُتقبل عمله، وتأوَّلها الأشعرية بأن التقوى هنا يراد بها تقوى الشرك). (^٢)
ولا يخفى بطلان قول الفرقتين ومخالفتهما لمنهج أهل السنة والجماعة.
قال ابن تيمية: (المعتزلة لهم أصل فاسد وافقوا فيه الخوارج في الحُكم، وإن خالفوهم في الاسم، فقالوا: إن أصحاب الكبائر يخلدون في النار ولا يخرجون منها بشفاعة ولا غيرها، وعندهم يمتنع أن يكون الرجل الواحد ممن يعاقبه الله ثم يثيبه، وأما الصحابة وأهل السنة والجماعة فعلى أن أهل الكبائر يخرجون من النار ويشفع فيهم، وأن الكبيرة الواحدة لا تحبط جميع الحسنات - إلى أن قال -: وعلى هذا تنازع الناس في قوله: ﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾ فعلى قول الخوارج والمعتزلة لا تقبل حسنة إلا ممن اتّقاه مطلقًا فلم يأت كبيرة، وعند المرجئة إنما يُتقبل ممن اتقى الشرك، فجعلوا أهل الكبائر داخلين في اسم «المتقين»، وعند أهل السنة والجماعة يتقبل العمل ممن اتقى الله فيه فعمله خالصًا لله موافقًا لأمر الله، فمن اتّقاه في عمل تقبّله منه وإن كان عاصيًا في غيره، ومن لم يتَّقه فيه لم يتقبله منه وإن كان مطيعًا في غيره). (^٣)
(^١) المحرر الوجيز (٢/ ١٧٩).
(^٢) التسهيل لعلوم التنزيل (١/ ٢٢٨)
(^٣) مجموع الفتاوى (١٠/ ٣٢١) بتصرف يسير، وقال ﵀ – في موضع آخر: وقد احتجت الخوارج والمعتزلة بقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾ قالوا: فصاحب الكبيرة ليس من المتقين، فلا يتقبل الله منه عملًا فلا يكون له حسنة، وأعظم الحسنات الإيمان فلا يكون معه إيمان فيستحق الخلود في النار. وقد أجابتهم المرجئة: بأن المراد بالمتقين من يتقي الكفر، فقالوا لهم: اسم المتقين في القرآن يتناول المستحقين للثواب كقوله تعالى: ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (٥٤) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ﴾ [القمر: ٥٤ - ٥٥]، وأيضًا فابنا آدم حين قرّبا قربانًا لم يكن المقرِب المردود قربانه حينئذ كافرًا وإنما كفر بعد ذلك؛ إذ لو كان كافرًا لم يتقرب، وأيضًا فما زال السلف يخافون من هذه الآية، ولو أريد بها من يتقي الكفر لم يخافوا، وأيضًا فإطلاق لفظ المتقين والمراد به من ليس بكافر لا أصل له في خطاب الشارع فلا يجوز حمله عليه، والجواب الصحيح: أن المراد من اتقى الله في ذلك العمل بأن يكون عملا صالحًا خالصًا لوجه الله تعالى وأن يكون موافقًا للسنة). مجموع الفتاوى (٧/ ٤٩٤) و(١١/ ٦٦٢)، وينظر: عدة الصابرين لابن القيم ص ٨٨.
1 / 329