الاسم، من غير أن تكون قد شاهدته، أو ذكر لك بصفته ... وإذا عرفت هذه الجملة، فاعلم أن معاني الكلام كلها معانٍ لا نتصور إلا فيما بين شيئين الأصل والأول هو الخبر، إذا أحكمت العلم بهذا المعنى فيه عرفته في الجميع، ومن الثابت في العقول، والقائم في النفوس أنه لا يكون خبر حتى يكون مخبريه ومخبر عنه، ومن ذلك استمتع أن يكون لك قصد إلى فعل من غير أن تريد إسناده إلى شيء، وكنت إذا قلت أضرب لم تستطيع أن تريد منه معنى في نفسك من غير أن تريد الخير به عن شيء مظهر أو مقدر، وكأن لفظك به إذا أتت لم ترد ذلك، وصوت تصوته سواء ١".
والإمام هنا يقرر أن ألفاظ اللغة لا أهمية لها مفردة، لنتعرف على معانيها في ذاتها، ولكنها وضعت لأن يضم بعضها إلى بعض، ويتعلق بعضها ببعض حتى تعرف معانيها، وتبلغ الغرض منها، فلو أردنا أن نعرف ما يدل عليه كلمة "فرس" محددًا محصورًا، لما استطعنا ذلك، لأنه اسم جنس عام لا وجود له، إلا في أفراده فإذا وقع بين ألفاظ أخرى في عبارة كما تقول: "فرس في الحديقة" فقد دلَّت الكلمة في التركيب على منظور، ورمزت إلى شيء معين، ولم يكن المسمى في الحديقة هو كل المعنى للكملة السابقة.
ولذلك استطاع عبد القاهر عن طريق الكشف لرمزيه اللغة، أن يعتبر اللفظ الذي يرمز إلى معنى لا وزن له مفردًا، ولا ينهض وحده بتصوير معناه، إلا إذا اشترك مع غيره، وارتبط بألفاظ أخرى، في نظم محكم، عند ذلك يكون لكل لفظ قيمة يقدر اشتراكه في تحديد الصورة العامة للمعنى المراد، ويكون حينئذ للنظم
١ دلائل الإعجاز: عبد القاهر الجرجاني ص ٤٧٣، ٤٧٤ تحقيق الدكتور محمد عبد المنعم خفاجي.
1 / 201