شقت طريقها وسط الأجساد لتصل إلى الدكتور فوزي. إن كلمة شقت هنا غير صحيحة، إذ الحقيقة أنها لم تكن تلمس الجسد منهم حتى يترنح، أو يستند إلى الجدار، أو يتهاوى على الجسد الآخر، والعيون الصفراء تلتفت نحوها بصعوبة، وتتطلع إليها كأنما من وراء سحابة، أو من عالم آخر، وبذهول كذهول الغيبوبة يدركون أنهم واقفون في الطابور.
رأت الدكتور فوزي جالسا عند رأس الطابور، السماعة المعدنية حول رقبته كحبل المشنقة، والقلم في يده يجري فوق الورق بأسماء الأمزجة «رواند وصودا أو حديد وزرنيخ»، والعرق الغزير يتصبب من جبهته، وصوته يرن بين الأنفاس اللاهثة والحشرجات والسعال، خذ نفس! اكتم نفسك! قول آه! قول واحد اثنين ثلاثة أربعة! مد إيدك! مد رجلك! شد حيلك!
رآها الدكتور فوزي وهي واقفة، فترك مقعده واتجه نحوها باسما: أهلا بهية، كنت أريد أن أتصل بك لأطمئن عليك، لكني لم أعرف عنوانك. هل أنت بخير؟
قالت بصوت هادئ: لا.
التقت عيناهما في لحظة صمت طويلة.
ثم سألته: ما أخبار سليم؟
قال: نقلوه من سجن مصر إلى سجن طرة.
سألت: والزيارة؟
قال: ممنوعة حتى بالنسبة لأمه.
قالت: سمعت أنهم أفرجوا عن بعض الطلبة.
Unknown page