178

Athar ikhtilāf al-asānīd waʾl-mutūn fī ikhtilāf al-fuqahāʾ

أثر اختلاف الأسانيد والمتون في اختلاف الفقهاء

Publisher

دار الكتب العلمية

Publisher Location

بيروت - لبنان

Genres

وعن الثاني: فإن الخراج اسم للغلة، مِثْل: كسب العبد وأجرة الدابة ونحو ذَلِكَ. أما الولد واللبن فَلاَ يسمى خراجًا، والعامل المشترك بَيْنَهُمَا كونهما من الفوائد، وإلا فإن الكسب الحادث والغلة لَمْ يكونا موجودين حال البيع، بَلْ حدثا بَعْدَ القبض. وأما اللبن هنا فإنه كَانَ موجودًا حال العقد، فكان جزءًا من المعقود عَلَيْهِ، والصاع لَمْ يقدره الشارع عوضًا عن اللبن الحادث، وإنما هُوَ عوض عن اللبن الَّذِي كَانَ موجودًا وقت العقد في الضرع، فكان ضمانه من تمام العدل.
وعن الثالث: فإنه لا يمكن تضمينه بالمثل البتة، فإن اللبن في الضرع محفوظ وغير عرضة للفساد، فإذا حلب صار معرضًا للحموضة والفساد.
وعن الرابع: بأنا لَوْ وكلنا تقديره إليهما أو إِلَى أحدهما لكثر النزاع، فحسم الشارع النزاع وحده بقدر لا يتعد أنَّهُ قطعٌ للخصومة.
وعن الخامس فإن اللبن الحادث بَعْدَ العقد قَدْ اختلط بالموجود وقته، ولا يعرف مقداره حَتَّى نوجب نظيره، وَقَدْ يَكُوْن أكثر أو أقل، فيفضي إِلَى الربا (١).
المبحث السادس
مخالفة الْحَدِيْث لعمل أهل المدينة
من المعلوم أن المدينة النبوية كَانَتْ مهبط الوحي ومركز السلطة التشريعية والدنيوية في الحقبة الثانية من الدعوة النبوية، وَلَمْ يؤثر عن أحد من الصحابة سواء من المهاجرين أو الأنصار مِمَّنْ سكنها أنَّهُ نزح عَنْهَا في حياة رَسُوْل الله ﷺ.
وكانوا في حياتهم العامة عَلَى تماس مَعَ التشريعات والأحكام، يعيشون ظروفها، ويفقهون عللها، ويقومون بمهمة نشرها وتعليمها، وهكذا ظلت أجيال الناس فِيْهَا تتلقى الأحكام جيلًا عن جيل، وَهُوَ مؤدٍ في نهاية المطاف إلى اعتبار إجماع أهلها نقلًا بالتواتر للحكم المعمول بِهِ (٢).
لذا اشترط جمهور المالكية للعمل بخبر الآحاد أن لا يَكُوْن مخالفًا لعمل أهل المدينة (٣) وتعللوا بِمَا قدمنا ذكره.
والحق أن الْحَدِيْث إذا صَحَّ لَمْ يَكُنْ لقول أحدٍ كائنًا من كَانَ أن يعارض بِهِ، والحجة في نقل المعصوم فَقَطْ، ثمَّ إن أهل المدينة جزء من الأمة لا كلها، فَلاَ ينبني

(١) إعلام الموقعين ٢/ ١٩ - ٢٠ و٣١١، وفتح الباري ٤/ ٣٧٩.
(٢) ترتيب المدارك ١/ ٦٤ - ٦٥، وإعلام الموقعين ٢/ ٣٧٤.
(٣) إحكام الفصول ١/ ٤٨٦ (٥١١) فما بعدها.

1 / 183