Imbaraturiyya Islamiyya
الإمبراطورية الإسلامية والأماكن المقدسة
Genres
ولم يكن ذلك عجبا والحياة الإنسانية فكرة ورسالة، وليست أداة يوجهها من شاء إلى ما شاء. والحياة الإنسانية القائمة على الفكرة مثمرة دائما، موجهة أبناءها جميعا إلى ألوان من النشاط تزيدها قوة، وتدفع إليها كل يوم حيوية جديدة.
فإذا انطفأ نور الفكرة لم يبق للرسالة وجود، وآن لهذه الحياة الإنسانية أن يتوارى كل ما فيها من ضياء، فلا يبقى منها إلا المظهر المادي، أو المظهر الحيواني للوجود.
ولا قيام لإمبراطورية على أساس من المادة ولا من المظهر الحيواني؛ ولذلك انحلت الإمبراطورية الإسلامية، لأن الرسالة التي آمن بها المسلمون الأولون توارت وراء الحجب.
أفقدر لها أن تبعث من جديد؟ ذلك ما أعتقده، وعلمه عند ربي.
الفصل الثاني
نظام الحكم في الإسلام
(1) نظام الحكم
الكلام في نظام الحكم في أمة من الأمم لا يقف عند الفكرة العامة من الحكم، فردي هو أم نيابي، ملكي أم جمهوري، ديمقراطي أم ديكتاتوري، بل هو يتناول أمورا كثيرة تتصل بالفكرة العامة للحكم من قريب أو بعيد، يتناول النظام الاقتصادي، والنظام الخلقي، والنظام الاجتماعي، وألوانا أخرى من النظم خاصة بالسلم والحرب، بالدين والعلم، وبغير ذلك من تفاصيل لا يتم تصور نظام الحكم إلا بتصورها كاملة في حال حركتها، وفي حال استقرارها.
فإنجلترا ديمقراطية، وأمريكا ديمقراطية، لكن صورة الحكم في إنجلترا تختلف عنها في أمريكا؛ إنجلترا ملكية وأمريكا جمهورية، إنجلترا برلمانية النظم وأمريكا نيابية النظم، العلاقات بين الحكومة المركزية والحكومات المحلية في إنجلترا غير العلاقات بين الحكومة المركزية في أمريكا وحكومات الولايات، القيم الخلقية ليست واحدة في الدولتين، وهذا التباين طبيعي مرجعه إلى تاريخ الأمة، وإلى الأطوار التي مرت بها، والأحداث التي تعاقبت عليها.
وتستطيع أن تقول مثل ذلك عن الدولة الواحدة في أطوار حياتها المختلفة، فالفكرة العامة في النظام الإنجليزي اليوم هي بعينها الفكرة العامة في هذا النظام منذ قرون، لكن ما أكبر الفرق بين آثار النظام الإنجليزي اليوم وآثاره في العهد الفكتوري! وما أكبر الفرق بين آثاره في العهدين وآثاره في القرن الثامن عشر! ولا شبهة أن هذا النظام سيتطور بعد حين تطورا عظيما مع بقاء فكرته العامة قائمة، وسيكون التطور أكثر وضوحا في نواحيه الاقتصادية والاجتماعية.
Unknown page