Al-īmān
الإيمان
Editor
محمد ناصر الدين الألباني
Publisher
المكتب الإسلامي،عمان
Edition Number
الخامسة
Publication Year
١٤١٦هـ/١٩٩٦م
Publisher Location
الأردن
وهذا كخطاب أمثالهم من أهل الذنوب والكبائر، بخلاف من هو كافر في الباطن، فإنه لا يستحق الثواب بمجرد طاعة الأمر حتى يؤمن أولًا، ووعيده ليس على مجرد توليه عن الطاعة في الجهاد، فإن كفره أعظم من هذا.
فهذا كله يدل على أن هؤلاء من فساق الملة، فإن الفسق يكون تارة بترك الفرائض، وتارة بفعل المحرمات، وهؤلاء لما تركوا ما فرض الله عليهم من الجهاد وحصل عندهم نوع من الريب الذي أضعف إيمانهم، لم يكونوا من الصادقين الذين وصفهم، وإن كانوا صادقين في أنهم في الباطن متدينون بدين الإسلام.
وقول المفسرين: لم يكونوا مؤمنين، نفى لما نفاه الله عنهم من الإيمان كما نفاه عن الزاني، والسارق، والشارب، وعمن لا يأمن جاره بَوَائِقَه، وعمن لا يحب لأخيه من الخير ما يحب لنفسه، وعمن لا يجيب إلى حكم الله ورسوله، وأمثال هؤلاء. وقد يحتج على ذلك بقوله: ﴿بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ﴾ [الحجرات: ١١] كما قال: " سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر "، فذم من استبدل اسم الفسوق بعد الإيمان؛ فدل على أن الفاسق لا يسمى مؤمنًا، فدل ذلك على أن هؤلاء الأعراب من جنس أهل الكبائر لا من جنس المنافقين.
وأما ما نقل من أنهم أسلموا خوف القتل والسبي، فهكذا كان إسلام غير المهاجرين والأنصار، أسلموا رغبة ورهبة، كإسلام الطلقاء من قريش بعد أن قهرهم النبي ﷺ، وإسلام المؤلفة قلوبهم من هؤلاء ومن أهل نَجْد وليس كل من أسلم لرغبة أو رهبة كان من المنافقين الذين هم في الدرك الأسفلمن النار، بل يدخلون في الإسلام والطاعة وليس في قلوبهم تكذيب ومعاداة للرسول، ولا استنارت قلوبهم بنور الإيمان ولا استبصروا فيه، وهؤلاء قد يحسن إسلام أحدهم فيصير من المؤمنين كأكثر الطُّلَقَاء، وقد يبقى من فساق الملة، ومنهم من يصير منافقًا مرتابًا إذا قال له منكر ونكير: " ما تقول في هذا الرجل الذي بعث فيكم، فيقول: هاه هاه لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئًا فقلتهَ "
1 / 197