318

قدوم الفتوحات على الوليد بن عبد الملك

قال: وذكروا أن خادما للوليد بن عبد الملك بن مروان أخبرهم قال: إني لقريب من الوليد بن عبد الملك، وبين يديه طشت من ذهب، وهو يتوضأ منه، إذ أتى رسول من قبل قتيبة بن مسلم من خراسان بفتح من فتوحاتها، فأعلمته قال: خذ الكتاب منه، فأخذه فقرأه، فما أتى على آخره، حتى أتى رسول آخر من قبل موسى بن نصير[ (1) ]، بفتح السوس من قبل مروان بن موسى، فأعلمته.

قال: هاته، فقرأه، فحمد الله، وخر ساجدا لله حامدا، ثم التفت إلي قال:

أمسك الباب لا يدخل أحد. قال: وكان عنده ابن له يحبو بين يديه. فلما خر الوليد ساجدا لله شاكرا، جاء الصبي إلى الطشت فاضطرب فيه وصاح، فما التفت إليه. قال: وصرت لا أستطيع أن أغيثه لما أمرني به من إمساك الباب، [ (1) ]كان الوليد، بعد وفاة عبد الملك قد كتب بولاية موسى بن نصير إفريقيا والمغرب، وقطعها عن عمه عبد الله بن مروان (على قول من قال بولاية عبد الله بن مروان على مصر: البيان المغرب 1/41 وقد ذكرنا أنه بعد وفاة عبد العزيز بن مروان ولى عبد الملك ابنه عبد الله بن عبد الملك) .

وكان موسى بن نصير وبعد وفاة عبد العزيز بن مروان، قد بدأ بمراسلة عبد الملك مباشرة دون الرجوع إلى والي مصر-عبد الله ابنه مما أسخطه عليه فكتب له:

أما بعد: فإنك كنت من عبد العزيز وبشر بين مهادين، تعلو عن الحضيض مهودهما، ويدفئك دثارهما حتى عفا مخبرك وسمت بك نفسي فلا تحسبني كمن كنت تخلبه وأعداء بيته، ونقول: أكفياني أكفكما، ولا كأصبغ كنت تمنيه بكهانتك، وأيم الله لأضعن منك ما رفعا، ولأقلن منك ما كثرا. فضح رويدا، فكأن قد أصبحت سادما، تعض أناملك نادما. والسلام.

فكتب إليه موسى بن نصير:

أما بعد. لقد قرأت كتابك، وفهمت ما وصفت فيه من إركاني إلى أبويك وعمك ولعمري إن كنت لذلك أهلا، ولو خبرت مني ما خبرا، لما صغرت مني ما عظما، ولا جهلت من أمرنا ما علما، فكيف أتاه الله لك؟وأما انتقاصك لهما، فهما لك وأنت منهما، ولهما منك ناصر لو قال وجد عليك مقالا، وكفاك جزاء العاق. فأما ما نلت من عرضي، فذلك موهوب لحق أمير المؤمنين لا لك. وأما تهددك إياي بأنك واضع مني ما رفعا، فليس ذلك بيدي ولا إليك، فارعد وابرق لغيري وأما ما ذكرت مما كنت آتي به عمك عبد العزيز، فلعمري إني مما نسبتني إليه من الكهانة لبعيد، وإني من غيرها من العلم لقريب. فعلى رسلك، فكأنك قد أظلك البدر الطالع، والسيف القاطع والشهاب الساطع، فقد تم لها، وتمت له، ثم بعث إليك الأعرابي الجلف الجافي، فلم تشعر به حتى يحل بعقوتك فيسلبك سلطانك، فلا يعود إليك ولا تعود إليه، فيومئذ تعلم أكاهن أم عالم وتوقن أينا النادم، والسلام.

قرأ عبد الله الكتاب ثم أرسله إلى عبد الملك، فوصل وعبد الملك قد قبض (ولاة مصر للكندي ص 81-82) .

Page 83