218

يزيد غائبا، واستخلف معاوية الضحاك بن قيس بعده، حتى يقدم يزيد، فلما مات معاوية خرج الضحاك على الناس، فقال: لا يحملن اليوم نعش أمير المؤمنين إلا قرشي. قال: فحملته قريش ساعة. ثم قال أهل الشام: أصلح الله الأمير. اجعل لنا من أمير المؤمنين نصيبا في موته، كما كان لنا في حياته. قال:

فاحملوه، فحملوه، وازدحموا عليه، حتى شقوا البرد الذي كان عليه صدعين.

قال: فلما قدم يزيد دمشق بعد موت أبيه إلى عشرة أيام[ (1) ]، كتب إلى خالد بن الحكم[ (2) ]، وهو عامل المدينة[ (3) ]: أما بعد، فإن معاوية بن أبي سفيان، كان عبدا استخلفه الله على العباد، ومكن له في البلاد وكان من حادث قضاء الله جل ثناؤه، وتقدست أسماؤه فيه، ما سبق في الأولين والآخرين لم يدفع عنه ملك مقرب، ولا نبي مرسل، فعاش حميدا، ومات سعيدا، وقد قلدنا الله عز وجل ما كان إليه، فيا لها مصيبة ما أجلها، ونعمة ما أعظمها، نقل الخلافة، وفقد الخليفة، فنستوزعه الشكر، ونستلهمه الحمد، ونسأله الخيرة في الدارين معا، ومحمود العقبي في الآخرة والأولى، إنه ولي ذلك، وكل شيء بيده لا شريك له، وإن أهل المدينة قومنا ورجالنا، ومن لم نزل على حسن الرأي فيهم، والاستعداد بهم، واتباع أثر الخليفة فيهم، والاحتذاء على مثاله لديهم، من الإقبال عليهم، والتقبل من محسنهم، والتجاوز عن مسيئهم، فبايع لنا قومنا، ومن قبلك من رجالنا، بيعة منشرحة بها صدوركم، طيبة عليها أنفسكم، وليكن أول من يبايعك من قومنا وأهلنا[ (4) ]: الحسين، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن جعفر، ويحلفون على ذلك بجميع الأيمان اللازمة، ويحلفون بصدقة أموالهم غير عشرها، وجزية رقيقهم، وطلاق [ (1) ]في فتوح ابن الأعثم 5/2 «بعد ثلاثة أيام» ، ولعله يريد هنا أي بعد انقضاء عشرة أيام على قدومه إلى دمشق، وهو مناسب.

[ (2) ]تقدمت الإشارة إلى أنه الوليد بن عتبة بن أبي سفيان.

[ (3) ]قارن مع الطبري 5/338 فتوح ابن الأعثم 5/10.

[ (4) ]ذكر أن يزيد أرسل إلى الوليد بن عتبة كتابا آخر غير كتاب التعزية بمعاوية في صحيفة كأنها أذن فارة قال فيها: أما بعد فخذ حسينا وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير بالبيعة أخذا شديدا ليست فيه رخصة حتى يبايعوا، والسلام (نص الطبري 5/338 وانظر ابن الأثير 2/529 والأخبار الطوال ص 227 وفتوح ابن الأعثم 5/10) وفيه زيادة: فمن أبى عليك منهم فاضرب عنقه وابعث إلي برأسه. وزيد فيه أيضا اسم عبد الرحمن بن أبي بكر وهو خطأ فقد مات عبد الرحمن قبل وفاة معاوية.

Page 225