وقيل: إن بعض المنافقين طعن فيه، وقال: إنما خلفه لأنه يبغضه. فبين له النبي صلى الله عليه وسلم: إني إنما استخلفتك لأمانتك عندي، وإن الاستخلاف ليس بنقص ولا غض، فإن موسى استخلف هارون على قومه، فكيف يكون نقصا وموسى يفعله بهارون؟ فطيب بذلك قلب علي، وبين أن جنس الاستخلاف يقتضي كرامة المستخلف وأمانته، لا يقتضي إهانته ولا تخوينه، وذلك لأن المستخلف يغيب عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد خرج معه جميع الصحابة.
والملوك - وغيرهم - إذا خرجوا في مغازيهم أخذوا معهم من يعظم انتفاعهم به، ومعاونته لهم، ويحتاجون إلى مشاورته والانتفاع برأيه ولسانه، ويده وسيفه.
والمتخلف إذا لم يكن له في المدينة سياسة كثيرة لا يحتاج إلى هذا كله، فظن من ظن أن هذا غضاضة من علي، ونقص منه، وخفض من منزلته، حيث لم يأخذه معه في المواضع المهمة، التي تحتاج إلى سعي واجتهاد، بل تركه في المواضع التي لا تحتاج إلى كثير سعي واجتهاد.
فكان قول النبي صلى الله عليه وسلم مبينا أن جنس الاستخلاف ليس نقصا ولا غضا، إذ لو كان نقصا أو غضا لما فعله موسى بهارون، ولم يكن هذا الاستخلاف كاستخلاف هارون، لأن العسكر كان مع هارون، وإنما ذهب موسى وحده.
وأما استخلاف النبي صلى الله عليه وسلم فجميع العسكر كان معه، ولم يخلف بالمدينة - غير النساء والصبيان - إلا معذور أو عاص.
وقول القائل: "هذا بمنزلة هذا، وهذا مثل هذا" هو كتشبيه الشيء بالشيء. وتشبيه الشيء بالشيء يكون بحسب ما دل عليه السياق، لا يقتضي المساواة في كل شيء.
Page 27