وأما من أحب الأنصار أو عليا أو غيرهم لأمر طبيعي، مثل قرابة بينهما، فهو كمحبة أبي طالب للنبي صلى الله عليه وسلم، وذلك لا ينفعه عند الله. ومن غلا في الأنصار، أو في علي، أو في المسيح، أو في نبي، فأحبه واعتقد فيه فوق مرتبته، فإنه لم يحبه في الحقيقة، إنما أحب ما لا وجود له، كحب النصارى للمسيح، فإن المسيح أفضل من علي.
وهذه المحبة لا تنفعهم، فإنه إنما ينفع الحب لله، لا الحب مع الله.
قال تعالى: { ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله } [البقرة: 165].
ومن قدر أنه سمع عن بعض الأنصار أمرا يوجب بغضه فأبغضه لذلك، كان ضالا مخطئا، ولم يكن منافقا بذلك. وكذلك من اعتقد في بعض الصحابة اعتقادا غير مطابق، وظن فيه أنه كان كافرا أو فاسقا فأبغضه لذلك، كان جاهلا ظالما، ولم يكن منافقا.
وهذا مما يبين به كذب ما يروى عن بعض الصحابة كجابر، أنه قال: "ما كنا نعرف المنافقين على عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلا ببغضهم علي بن أبي طالب"(¬1) فإن هذا النفي من أظهر الأمور كذبا، لا يخفى بطلان هذا النفي على آحاد الناس، فضلا عن أن يخفى مثل ذلك على جابر أو نحوه.
فإن الله قد ذكر في سورة التوبة وغيرها من علامات المنافقين وصفاتهم أمورا متعددة، ليس في شيء منها بغض علي.
كقوله: { ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني ألا في الفتنة سقطوا } [التوبة: 49].
وقوله: { ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون } [التوبة: 58].
Page 135