فلهذا أو لغيره كان دأب أرباب الأخلاق الفاضلة التكتم في الصلة وشأن أهل البيت خاصة التستر في صلاتهم ، فلا تكاد تمر عليك سيرة إمام منهم إلا وتجد فيها ترقبه للغلس ليتخذه سترا في الهبات والصلات.
فلا أرى ذلك الإصرار على الأسرار إلا لأنهم لا يريدون أن يشاهدوا على الآخذ ذلة الحاجة والخضوع للمتفضل المحسن ، وإنهم أزكى نفسا وأعلى شأنا من أن يخافوا الفتنة في الإعلان.
ومن ثم تجد الصادق اذا جاء الغلس أخذ جرابا فيه الخبز واللحم والدراهم فيحمله على عاتق ، ثم يذهب الى أهل الحاجة من أهل المدينة فيقسمه فيهم وهم لا يعرفونه ، وما علموا ذلك حتى مضى لربه فافتقدوا تلك الصلات ، فعلموا أنها كانت من أبي عبد الله عليه السلام (1).
وهذه السيرة درج عليها آباؤه من قبل ، ونهج عليها بنوه من بعد.
وما كانت سيرته تلك مع أهل المدينة خاصة بل يعمل ذلك حتى مع الهاشميين ، فإنه كان يتعاهدهم بالصلة ويتخفى في نسبتها إليه ، وكان يرسل إليهم بصرر الدنانير ويقول للرسول : قل لهم إنها بعث بها من العراق ، ثم يسأل الرسول بعد عودته عما قالوه فيقول : إنهم يقولون : أما أنت فجزاك الله خيرا بصلتك قرابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأما جعفر فحكم الله بيننا وبينه فيخر أبو عبد الله عليه السلام ساجدا ويقول اللهم أذل رقبتي لولد أبي (2).
وأعطى يوما صرة لأبي جعفر الخثعمي (3) وأمره بأن يدفعها الى رجل من بني هاشم وأمره بكتمان الأمر ، فلما أوصله بالصرة قال : جزاه الله خيرا ما يزال
Page 228