190

مخلوق له عاد الكلام الأول أنه من أي شيء كان مخلوقا ، هذا غير أن القديم لا يكون حادثا ، والميت لا يكون منه الحي ، والحي لا يكون منه الميت ، والحياة والممات لا يتركبان ، ولو تركبا عاد الكلام السابق ، فإن الموت لا يصلح أن يكون في الأشياء الحية ، ولا بقاء ولا دوام ليكون باقيا إلى أن خلق الله منه الأشياء الحية ، فلا بد إذن من أن يكون تعالى قد خلق الأشياء من لا شيء.

ثم قال : من أين قالوا إن الأشياء أزلية؟ قال عليه السلام : هذه مقالة قوم جحدوا مدبرا الأشياء فكذبوا الرسل ومقالتهم ، والأنبياء وما أنبئوا عنه ، وسموا كتبهم أساطير ، ووضعوا لأنفسهم دينا بآرائهم واستحسانهم ، وإن الأشياء تدل على حدوثها من دوران الفلك بما فيه وهي سبعة أفلاك ، وتحرك الأرض ومن عليها ، وانقلاب الأزمنة ، واختلاف الحوادث التي تحدث في العالم من زيادة ونقصان ، وموت وبلى ، واضطرار الأنفس الى الإقرار بأن لها صانعا ومدبرا ، ألا ترى الحلو يصير حامضا ، والعذاب مرا ، والجديد باليا ، وكل الى تغير وفناء (1).

أقول : إن الاستدلال بانقلاب الأزمنة ودوران الفلك من أدق الأدلة العلمية على حدوث العالم ، الذي قصرت عنه أفهام كثير من الفلاسفة العظام كما أنه جعل الفلك الدائر فلكا واحدا ثم تفسيره بالأفلاك السبعة لا ينطبق إلا على نظرية الهيئة الحديثة إذ يراد به النظام الشمسي ، ومثله تصريحه بحركة الأرض التي لم يكن يحلم بها أحد من السابقين ، وهي من مكتشفات العلم الحديث.

وللصادق عليه السلام مناظرات جمة مع ابن أبي العوجاء ، وكان بعضها في التوحيد ، وكان ابن أبي العوجاء واسمه عبد الكريم من الملاحدة المشهورين

Page 193