أتعظ به ويكون لي زاجر صدق عن الموبقات ، فقال الصادق عليه السلام : عليك بالحلم فإنه ركن العلم ، واملك نفسك عند أسباب القدرة فإنك إن تفعل ما تقدر عليه كنت كمن شفى غيظا ، أو تداوى حقدا أو يحب أن يذكر بالصولة ، واعلم بأنك إن عاقبت مستحقا لم تكن غاية ما توصف به إلا العدل ، والحال التي توجب الشكر أفضل من الحال التي توجب الصبر ، فقال المنصور : وعظت فأحسنت ، وقلت فأوجزت (1).
أقول : إن أمثال هذه المواقف تعطيك دروسا وافيه عما كان عليه أهل ذلك العصر من سياسة وعلم واعتقاد وغيرها ، وهنا نستطيع أن نتعرف عدة امور.
1 إن المنصور يريد ألا يظهر الصادق بمظهر الامامة فحاول أن يخدعه أمام الناس بتلك الكلمات اللينة ، وهنا تعرف دهاء المنصور ، لأن العباسيين إنما تربعوا على الدست باسم الامامة والخلافة ، فلو كان هناك إمام آخر يرى شطر من الامة أنه صاحب المنبر والتاج لا يتم لهم أمر ، وهو يريد ألا يعارضه أحد في سلطانهم ، فكان المنصور يدفع عن عرشه بالشدة مرة وباللين اخرى فكان من سياسته أن جابه الصادق أمام ملأ من الناس بهذا القول وحسب أن الصادق سوف يبطل ما يقوله الناس فيه ، وبه يحصل ما يريد ، وهو يعلم أن الصادق لا يجبهه بالرد ، حذرا من سطوته.
2 إن الصادق إمام بجعل إلهي كما يرى ذلك ويراه الشيعة فيه ، والامامة في أهل البيت وفي الصادق ليست وليدة عصر المنصور ، وإنما هي من عهد صاحب الرسالة ، فالامام الصادق عليه السلام وقع بين لحيي لهذم فإنه إن
Page 118