309

Al-Imām Abūʾl-Ḥasan al-Dāraquṭnī wa-āthāruhu al-ʿilmiyya

الإمام أبو الحسن الدارقطني وآثاره العلمية

Publisher

دار الاندلس الخضراء

Genres

وليس هذا من باب التناقض في حكم المجهول عنده -لأنه سبق أن بيّن حكمه فيما تقدم نقله عنه قريبًا- إنما الجهالة عنده سبب يَردّ به رواية الراوي، لكنها تتفاوت قوة وضعفًا.
فأحيانا تكون جهالة الراوي عنده شديدة توجب ترك حديثه، فيقول فيه: مجهول متروك، لا سيما إذا انضم إلى الجهالة سبب آخر يقوّي الضعف.
وأحيانا تَخِف الجهالة في راو آخر فيخف اعتباره لها بالنظر إليها لو تعددت الطرق، فيقول فيه: "مجهول، يكتب حديثه"، "مجهول يعتبر به" ونحو ذلك، وإلى هذا يشير بقوله السابق: " ... فأما من لم يرو عنه إلا رجل واحد، انفرد بخبر، وجب التوقف عن خبره ذلك حتى يوافقه غيره".
جـ- ما معنى قوله: "مجهول ثقة"؟:
تمّ التوفيق بين عبارات الدَّارَقُطْنِيّ، التي ظاهرها التعارض في شأن حكم "المجهول"، استنتاجا من كلامه ﵀.
وبقي الإشكال في قوله: "مجهول ثقة"، فما معناه عنده؟ يبدو لي أن هذه اللفظة قد وقع فيها الخطأ من بعض النسّاخ.
د- بماذا ترتفع جهالة الراوي وتثبت عدالته عند الدَّارَقُطْنِيّ:
من المعلوم أن جمهور المحدّثين ترتفع جهالة العين عندهم برواية اثنين فصاعدًا عن الراوي، ولا تثبت عدالته -بعد ذلك- عندهم إلا بالتعديل.
والتعديل عموما يحصل للراوي عندهم بعدّة أمور، أهمها أمران"١":

"١" يثبت التعديل بالطرق الآتية، أو بأحدها:
١- فاضة عدالته واشتهاره بالتوثيق، والاحتجاج به بين أهل العلم.
٢- تعديلُ معتبرٍ له في هذا الشأن، ولا يشترط اثنان على الصحيح.
٣- الحكم بشهادته. وهو أقوى من تزكيته بالقول.
٤- الرواية عنه: وهذا مختلف في كونه تعديلًا، قال ابن الأثير: "والصحيح: أن من عُرِف من عادته، أو من صريح قوله أنه لا يستجيز الرواية إلا عن عدل كانت الرواية تعديلًا، وإلا فلا ... "، ينظر: "جامع الأصول في أحاديث الرسول؟"، لابن الأثير: ١/١٢٩.
٥- قلت: ومن طرق إثبات عدالة الراوي إخراج روايته في كتاب الصحيح كالصحيحن، إذا كان متفردًا بهأن أو أخرج له في الأصول وليس في المتابعات والشواهد. وهذا متفق عليه أو عليه جمهور المحدثين بالنسبة للصحيحين. أما غيرهما من كتب الصحيح فقياسًا ما لم تكن هناك قاعدة للمؤلف في التصحيح معلومة الفساد في منهج المحدِّثين، -فيما أراه- والله أعلم. وانظر بالنسبة للصحيحين: "فتح المغيث": ١/٢٧٨-٢٧٩، وينظر في الموضوع كله: المصدر نفسه: ١/٢٧٢-٢٧٩.

1 / 326