187

ʿIlm uṣūl al-fiqh

علم أصول الفقه

Publisher

مكتبة الدعوة - شباب الأزهر

Publisher Location

القاهرة

ومن أظهر أدلة التخصيص المستقلة المنفصلة: العقل، والعرف، والنص، وحكمة التشريع.
فمن التخصيص بالعقل، ما بيناه من قبل من تخصيص الناس في قوله تعالى: ﴿وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ﴾ [آل عمران:٩٧]، بمن عدا فاقدي الأهلية من الصبيان والمجانين، وتخصيص العام في كل خطاب تكليفي بمن هم أهل للتكليف، وتخصيص أهل المدينة ومن حولهم من الأعراب القادرين على الجهاد مع الرسول، لأن العقل يقضي بأن يوجه الخطاب إلى من هم أهل له، وأن يخص الذي يقتضيه العقل، وعلى هذا أصول القوانين الوضعية.
ومن التخصيص بالعرف، تخصيص الوالدات في قوله تعالى: ﴿وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ﴾ [البقرة:٢٣٣]، بمن عدا الوالدة الرفيعة القدر، التي ليس من عادة مثلها أن تلزم بإرضاع ولدها، كما ذهب إلى هذا الإمام مالك. وتخصيص الطعام في حديث نهي رسول الله عن بيع الطعام بجنسه متفاضلًا بالطعام الذي كان متعارفًا إطلاق لفظ الطعام عليه وقت التشريع. وتخصيص كل شئ في قوله تعالى: ﴿تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا﴾ [الأحقاف:٢٥]، بكل شئ قابل للتدمير. وبعض الأصوليين يعتبر دليل التخصيص في المثال الأخير الحس، وبعضهم يعتبره العقل والنتيجة واحدة، وعلى هذا أصول القوانين الوضعية، فكثيرًا ما يخصص العرف بعض الألفاظ العامة في مواد القانون، وكثيرًا ما يخصص العرف التجاري بعض النصوص العامة في صيغ العقود.
ومن التخصيص بالنص، ما أشرنا إليه من قبل في مواضع كثيرة، كقوله تعالى في المطلقات قبل الدخول: ﴿فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا﴾ [الأحزاب:٤٩]، الذي خصص عموم قوله سبحانه: ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ﴾ [البقرة:٢٢٨] .
ولا خلاف بين الأصوليين، في أنه يجوز تخصيص عام القرآن بالقرآن وبالسنة المتواترة، لأن نصوص القرآن والسنة المتواترة قطعية الثبوت، فيخصص

1 / 188