ʿIlm al-qawāʿid al-sharʿiyya dirāsa jāmiʿa wa-ʿaṣriyya liʾl-qawāʿid al-fiqhiyya waʾl-uṣūliyya waʾl-maqāṣidiyya

علم القواعد الشرعية دراسة جامعة وعصرية للقواعد الفقهية والأصولية والمقاصدية

Publisher

مكتبة الرشد

Edition Number

الأولى

Publication Year

1426 AH

Publisher Location

الرياض

علم القواعد

الشرعية

دراسة جامعة وعصرية للقواعد الفقهية

والأصولية والمقاصدية، والضوابط، والكليات،

والأشباه والنظائر، والفروق، والتقاسيم، والمدارك

والمآخذ والأصول، والنظريات الفقهية

تأليف

الأستاذ الدكتور

نور الدين مختار الخادمي

أستاذ الفقه والأصول والقواعد والمقاصد،

ورئيس قسم الشريعة بجامعة الزيتونة

والخبير والباحث بعدة هيئات علمية وفقهية

تونس ١٤٢٥ هـ / ٢٠٠٥م

مكتَبَةُ الرُّشِدُ

نَاشِرُون

Unknown page

منتدى اقرأ الثقافي

www.iqra.ahlamontada.com

2

حقوق الطبع محفوظة

الطبعة الأولى

١٤٢٦هـ - ٢٠٠٥م

مكتبة الرشد ناشرون

المملكة العربية السعودية - الرياض

شارع الأمير عبد الله بن عبد الرحمن (طريق الحجاز)
ص.ب .: ١٧٥٢٢ الرياض ١١٤٩٤ - هاتف: ٤٥٩٣٤٥١ - فاكس: ٤٥٧٣٣٨١
E-mail: alrushd@alrushdryh.com
Website: www.rushd.com

فرع طريق الملك فهد : الرياض - ت: ٢٠٥١٥٠٠ - ف: ٢٠٥٢٢٠١

فرع مكة المكرمة: ت: ٥٥٨٥٤٠١ - ف: ٥٥٨٢٥٠٦

فرع المدينة المنورة: شارع أبي ذر الغفاري - ت: ٨٣٤٠٦٠٠ - ف: ٨٢٨٣٤٢٧

فرع جدة: ميدان الطائرة - ت: ٦٧٧٦٢٣٦ - ف: ٦٧٧٦٣٥٤

فرع القصيم: بريدة - طريق المدينة - ت: ٣٢٤٢٢١٤ - ف: ٢٢٤١٣٥٨

فرع أبها: شارع الملك فيصل-تلفاكس: ٢٣٦٧٣٠٧

فرع الدمام: شارع الخزان - ت: ٨١٥٠٥٦٦ - ف: ٨٤١٨٤٧٣

وكلاؤنا في الخارج

القاهرة: مكتبة الرشد - ت: ٢٧٤٤٦٠٥

بيروت: دار ابن حزم - ت: ٢٠١٩٧٤

المغرب: الدار البيضاء- وراقة التوفيق - ت: ٣٠٣١٦٢ - ف: ٣٠٣٦٦٧

اليمن: صنعـاء - دار الآثار - ت: ٦٠٢٧٥٦

الأردن: عمان - الدار الأثرية - ت: ٦٥٨٤٠٩٢ - جوال: ٧٩٦٨٤١٢٢١

البحرين: مكتبة الغرباء - ت: ٩٥٧٨٣٣ - ٩٤٥٧٣٣

الإمارات: مكتبة دبي للتوزيع - ت: ٤٣٣٣٩٩٨ - ف: ٤٣٢٣٧٨٠

سوريـــا: دار البشائــر - ت: ٢٣١٦٦٦٨

قطر: مكتبة ابن القيم - ت: ٤٨٦٣٥٣٣

1

علم القواعد الشرعية

دراسة جامعة وعصرية للقواعد الفقهية

والأصولية والمقاصدية، والضوابط، والكليات،

والأشباه والنظائر، والفروق، والتقاسيم، والمدارك

والمآخذ والأصول، والنظريات الفقهية

تأليف

الأستاذ الدكتور

نور الدين مختار الخادمي

أستاذ الفقه والأصول والقواعد والمقاصد،

ورئيس قسم الشريعة بجامعة الزيتونة

والخبير والباحث بعدة هيئات علمية وفقهية

تونس ١٤٢٥ هـ / ٢٠٠٥م

مكتَبَةُ الرُّشِدُ

نَاشِرُون

Unknown page

بسم الله الرحمن الرحيم

Unknown page

الإهداء

إلى الأخوة الباحثين والعاملين بمعلمة القواعد بمجمع الفقه الإسلامي بجدة

وبالموسوعة الأصولية بدولة الكويت

وإلى الأصدقاء الذين أسهموا بتألق في دراسة القواعد

المؤلف أبو إسلام

Unknown page

-

Unknown page

قال القرافي

(أما بعد، فإن الشريعة المعظمة المحمدية زاد الله تعالى منارها شرفا وعلوا، اشتملت على أصول وفروع. وأصولها قسمان:

أحدهما: المسمى بأصول الفقه والقسم الثاني: قواعد كلية فقهية جليلة كثيرة العدد عظيمة المدد مشتملة على أسرار الشرع وحِكمه، لكل قاعدة من الفروع في الشريعة ما لا يحصى، ولم يذكر منها شيء في أصول الفقه وإن اتفقت الإشارة إليه هنالك على سبيل الإجمال فبقي تفصيله لم يتحصل.

هذه القواعد مهمة في الفقه عظيمة النفع، وبقدر الإحاطة بها يعظم قدر الفقيه ويشرف، ويظهر رونق الفقه ويعرف، وتتضح مناهج الفتاوى وتكشف، فيها تنافس العلماء، وتفاضل الفضلاء، وبرز القارح على الجذع، وحاز قصب السبق من فيها برع. ومن جعل يخرج الفروع بالمناسبات الجزئية دون القواعد الكلية تناقضت عليه الفروع واختلفت، وتزلزلت خواطره فيها واضطربت، وضاقت نفسه لذلك وقنطت، واحتاج إلى حفظ الجزئيات التي لا تتناهى، وانتهى العمر ولم تقص نفسه من طلب مناها.

ومن ضبط الفقه بقواعده استغنى عن حفظ أكثر الجزئيات، لاندراجها في الكليات، واتحد عنده ما تناقض عند غيره وتناسب، وأجاب الشاسع البعيد وتقارب، وحصل طلبته في أقرب الأزمان، وانشرح صدره لما أشرق فيه من البيان، فبين المقامين شأو بعيد، وبين المنزلتين تفاوت شديد(١).

وقال ابن رجب الحنبلي (ت٧٩٥هـ)، وهو يصف القواعد:

(١) الفروق: القرافي: ١/ ٣،٢

7

تضبط للفقيه أصول المذهب، وتطلعه على مآخذ الفقه على ما كان عنه قد تغيب، وتنظم له منثور المسائل في سلك واحد، وتقيد له الشوارد، وتقرب عليه كل متباعد(١).

وقال جلال الدين السيوطي (٩١١هـ):

إن هذا الفن لا يدرك بالتمني، ولا يُنال بسوف ولعل ولو أني، ولا يبلغه إلا من كشف عن ساعد الجد وشمَّر، واعتزل أهله وشد المئزر، وخاض البحار وخالط العجاج(٢) ولازم الترداد إلى الأبواب في الليل الداج(٣)، يدأب في التكرار والمطالعة بكرة وأصيلا، وينصب نفسه للتأليف والتحرير بياتا ومقيلا. ليس له همة إلا معضلة يحلها، أو مستصعبة عزت على القاصرين فيرتقي إليها ويحلها، يرد عليه ويرد، وإذا عذله جاهل لا يصد، قد ضرب مع الأقدمين بسهم، والغمر يضرب في حديد بارد، وحلق على الفضائل واقتنص الشوارد.

وليس على الله بمستنكر أن يجمع العالم في واحد(٤).

(١) قواعد ابن رجب الحنبلي: ص ٢، نقلا عن قواعد الروكي: ص ١٢٣، وقواعد الباحسين: ص ١١٤.

(٢) الغبار.

(٣) شديد السواد. نقلا عن قواعد الروكي: ص ١٢٣.

(٤) الأشباه والنظائر: السيوطي: ص ٤.

8

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وأزكى صلوات الله تعالى وتسليماته على المبعوث رحمة للعالمين نبينا وسيدنا وحبيبنا محمد ﷺ وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

فإن قواعد الشرع الإسلامي هي أسس الدين ومبادئ الشريعة وأصول الفهم والتطبيق والتبليغ لأحكام الإسلام في مختلف مجالات الحياة.

وهي تشمل المجالات الشرعية المتنوعة، كمجال الفقه والأصول والمقاصد، مجال العقيدة والأخلاق، ومجال الدعوة والخطابة، ومجال التربية والتعليم، ومجال السياسة والإعلام والمال والاقتصاد والإدارة، وغير ذلك. فكل هذه المجالات تحكمها قواعد شرعية إسلامية ثابتة بالنص والإجماع أو بالاجتهاد والاستقراء.

ولذلك وضعت عنوان القواعد الشرعية لأدل به على عموم القواعد المتبعة في المجالات المختلفة، ومن غير أن أحصرها في القواعد الفقهية فحسب. ولكن هذا لا يعني أن أورد القواعد بحسب عناوين المجالات، كقواعد العقيدة، وقواعد الدعوة، وقواعد الإعلام، فذلك متروك لبحوث تنفرد وتستقل بهذا، وإنما يعني إيراد القواعد بحسب العناوين الفقهية والأصولية والمقاصدية وغير ذلك مما هو مبين في موضعه من هذا الكتاب، وذلك لأن هذه العناوين تستغرق كل المجالات الشرعية من حيث المحتوى والحقيقة، وإن كانت لا تحمل عناوين هذه المجالات، لا سيما المجالات المستحدثة في عصرنا، كمجال التربية والتعليم، ومجال الإعلام والدعاية، وغير ذلك من المجالات

9

التي استجدت بموجب تطور البحوث والدراسات العلمية المنهجية.

والقواعد الشرعية المقصودة في الكتاب هي القواعد الفقهية، والقواعد الأصولية، والقواعد المقاصدية، والضوابط الفقهية، والكليات الفقهية، والأشباه والنظائر، والفروق الفقهية، والتقاسيم الفقهية، والمدارك والمآخذ والأصول، والنظريات الفقهية.

ويحتاج إلى هذه القواعد أهل العلم في مختلف الفنون والمعارف، فيحتاج إليها الفقيه والمفتي والقاضي، ويحتاج إليها المجتهد والمستدل والمستنبط، ويحتاج إليها المفكر والمنظر والمقنن، ويحتاج إليها الداعية والخطيب والمصلح، ويحتاج إليها رجل السياسة والإعلام والإدارة والاقتصاد، ويحتاج إليها كذلك عموم المكلفين وجمهور الناس من جهة فهم ما يمكن فهمه وتطبيق ما يمكن تطبيقه بحسب مستوياتهم الذهنية والعلمية والشرعية.

أسباب تأليف الكتاب:

  • المساهمة في الجهود الفردية والجماعية المبذولة في دراسة القواعد الفقهية وغيرها. ومن أبرز هذه الجهود على المستوى الجماعي، مشروع معلمة القواعد الفقهية التي ينهض بها مجمع الفقه الإسلامي الدولي بجدة، ومشروع القواعد والأشباه والنظائر والفروق الذي تنوي وزارة الأوقاف بدولة الكويت القيام به في المستقبل بإذن الله تعالى.

  • تسهيل العلوم الشرعية وجعلها في المتناول العام، ونفي أو تقليل حالة الجفاء الملحوظة بين تلك العلوم وبعض المتعلمين والدارسين، بسبب صعوبة الألفاظ والجمل وركاكة الأسلوب وتداخل المعلومات في بعض المدونات التي عنيت بتلك العلوم. وقد ازدادت هذه الحالة تعاظما بسبب ضعف التكوين العلمي الشرعي لبعض الطلبة والدارسين، الأمر الذي أدى إلى العزوف عن قراءة الكتب القديمة، وإلى الحرمان من فوائدها المرجوة منها.

  • مساعدة طلاب العلم وجمهور الباحثين المختصين في غير الدراسات الشرعية الإسلامية، كالدراسة القانونية والأدبية والاجتماعية، وتمكينهم من معرفة القواعد الشرعية بيسر وسهولة وتشجيعهم على الاستفادة منها والإفادة بها في مجالات تخصصهم.

10

تبرئة ذمة الباحث من واجب التعليم والبيان، إذ الباحث مسؤول عن علمه وتبليغه أمام الله تعالى وأمام مجتمعه وطلابه وأهل العلم كافة. ويُضاف إلى هذا الطمع في الأجر والمثوبة ومرضاة الله عز وجل.

الجدة والإضافة في الكتاب:

الشيء الجديد في الكتاب هو:

  • ذكر بعض الأمثلة المعاصرة التي تعين على فهم المطلوب.

  • استعمال العبارة السهلة والأسلوب الميسر في غالب الكتاب.

  • إبراز جهود المعاصرين (الفردية والجماعية) في خدمة القواعد وفي الاعتماد عليها على صعيد الدراسة والتدريس والبحوث والتأليف والإفتاء والاجتهاد والقضاء والتقنين والدعوة والإرشاد والإصلاح.

  • وضع أسئلة للمراجعة والاختبار.

  • وضع الأشكال والرسوم الموضحة.

  • وضع بعض الخلاصات أحيانا لتسهيل المراجعة والاستيعاب.

  • الدعوة إلى زيادة العناية بالقواعد المتصلة بالمجال العقدي والأخلاقي والتربوي، وغير ذلك.

  • تخصيص مبحث للقواعد المقاصدية.

  • الإشارة إلى أن الضوابط غير مقتصرة على الفقه.

المآلات البحثية للكتاب:

نأمل أن يؤول هذا الكتاب إلى استنهاض همم بعض الباحثين المحققين كي يكملوا نواقصه ويقيدوا مطلقه ويفصلوا مجمله، كما ندعوهم لزيادة البحث والتحقيق لبعض المطالب المهمة، كمطلب الفروق ومطلب النظريات، وكمطلب القواعد في بعض العصور ولدى بعض المذاهب، كالقواعد في عصر الصحابة والتابعين، والقواعد عند الإباضية والظاهرية، والقواعد العقدية والتربوية والإعلامية والطبية، والقواعد المقاصدية، والاجتهاد القواعدي.

وفي الختام نسأل الله تعالى أن يبارك في هذا الكتاب وأن ينفع به، وأن

11

يجعله خالصا لوجهه الكريم، وأن يعظم أجر مصنفه وأجر والديه وأهله وأبنائه وأقاربه وأحبابه وطلابه وسائر من قرأه وأعان على نشره. إنه ذو الفضل العظيم.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. وكتبه نورالدين مختار الخادمي لطف الله به وأعتق رقبته من النار، في يوم السبت ٢٣ رمضان ١٤٢٥ للهجرة الشريفة، الموافق ل ٦ نوفمبر ٢٠٠٤ للميلاد.

12

الباب الأول

القواعد الفقهية

Unknown page

-

Unknown page

الفصل ١

تعريف القواعد الفقهية

مصطلح (القواعد الفقهية) يتركب من لفظين اثنين: لفظ (القواعد)، ولفظ (الفقهية).

ولتعريف المصطلح المركب ينبغي تعريف اللفظين اللذين ركب منها: (القواعد)، و(الفقهية).

تعريف لفظ (القواعد)

القواعد جمع قاعدة. والقاعدة مُعَرَّفَة عند العلماء تعريفا لغويا، وتعريفا اصطلاحيا.

تعريف القاعدة في اللغة(١):

القاعدة في اللغة لها عدة معان.

- فهي بمعنى الأساس والأصل: تقول قواعد المنزل، أي أسسه وأصوله التي يرفع عليها بنيانه وجدرانه وسقفه.

ومن هذا قوله تعالى: ﴿وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ﴾(٢).

(١) القواعد الفقهية: يعقوب الباحسين: ص ١٤، ١٥، والقواعد والضوابط المستخلصة من التحرير لجمال الدين الحصيري، علي أحمد الندوي: ص ١٠٧، وشرح القواعد الفقهية: أحمد الزرقا: ص ٣٣، وقواعد الفقه الإسلامي: محمد الروكي: ص ١٠٦، ١٠٧.
(٢) سورة البقرة، الآية: ١٢٧.

15

وقوله تعالى: (( فأتى الله بنينهم من القواعد))(١).

والأساس والأصل يكون في الأمور الحسية، كقولنا: قواعد البيت وقواعد الخيمة. ويكون في الأمور المعنوية، كقولنا: قواعد الدين، أي أسسه ومبادئه التي يرتكز عليها في مجال العقيدة والشريعة والأخلاق.

- والقاعدة في اللغة لها أيضا معنى الاستقرار والثبات، فنقول: المرأة قعيدة الرجل، أي المرأة الثابتة في بيت زوجها والمستقرة فيه. ونقول: القواعد من النساء، أي النساء القاعدات والمستقرات في بيوت آبائهن أو أوليائهن، اللائي لا يرجون نكاحا ولا ينتظرن أزواجا.

ونقول: القعدد، وهو الرجل اللئيم، يسمى بذلك لقعوده عن المكارم.

- والقاعدة في اللغة لها كذلك معنى الجلوس. قال ابن فارس (ت ٣٩٥ هـ): القاف والعين والدال أصل منقاس لا يخلف. وهو يضاهي الجلوس(٢). ومن هذا تسمية شهر ذي القَعدة بهذا الاسم، وذلك لأن العرب كانت تقعد فيه عن الأسفار. ومن هذا أيضا: قولنا: المرأة القاعد، أي المرأة المسنة، لكونها ذات قعود وجلوس.

وربما من هذا كذلك، قولنا في البلاد التونسية: رجل متقاعد(٣)، وهو الرجل الذي بلغ سن الانتهاء من الوظيفة، فهو قاعد في بيته. وقعودُه هذا له معنى عدم توجهه إلى وظيفته، لأنه أكمل الفترة اللازمة لذلك، وله كذلك معنى الإخلاد إلى الراحة بعد تعب العمل ومشقته، وله كذلك معنى كون الفترة التي يقضيها في بيته أثناء تقاعده أكثر من الفترة التي كان يقضيها في بيته أثناء عمله.

هذه إذن هي أهم المعاني اللغوية للقاعدة، ولعل المعنى الأقرب هو الأساس والأصل، وذلك لأن الأحكام الفقهية تُبنى وتقوم عليها، كما تُبنى وتقوم الجدران والسقف على أساس البناء وأصله (٤).

(١) سورة النحل، الآية: ٢٦.

(٢) معجم مقاييس اللغة: ١٠٨/٥

(٣) وفي المشرق يقال: رجل أحيل على المعاش.

(٤) القواعد: الباحسين: ص ١٥

16

تعريف القاعدة في الاصطلاح:

عرف القدامى والمعاصرون القاعدة بعدة تعريفات تتفق في جملتها وتتكامل. ومن هذه التعريفات:

تعريف الشريف الجرجاني:

القاعدة هي: ((قضية كلية منطبقة على جميع جزئياتها))(١).

تعريف الفيومي:

القاعدة هي: ((الأمر الكلي المنطبق على جميع جزئياته))(٢).

تعريف الحموي:

القاعدة هي ((هي حكم أغلبي ينطبق على معظم جزئياته))(٣).

مثال أَوَّلي لقاعدة حياتية عامة

(إهمال النفس يؤدي إلى الإضرار بها)

قاعدة (إهمال النفس يؤدي إلى الإضرار بها) هي عبارة عن مأثور شعبي أو حكمة إنسانية ينطق بها الناس ويتلفظون. وهي من الأمور التي تؤيدها الوقائع، وتثبتها التجارب. ولهذه القاعدة جزئيات كثيرة. ومن هذه الجزئيات:

- إهمال النفس غذائيا، بعدم تناول الغذاء السليم والمتوازن والمتكامل، يؤدي إلى الإضرار بالنفس.

- إهمال النفس صحيا، بترك الوقاية والاحتياط، وبترك العلاج والتداوي، أو بالتقصير فيهما، يؤدي إلى الإضرار بالنفس.

- إهمال النفس دينيا وروحيا، بترك العبادة والطاعة أو التهاون فيهما، وبالإفراط في مزاولة المتعة واللذة والمادة، يؤدي إلى الإضرار بالنفس.

(١) التعريفات ١٧١: نقلا عن قواعد الروكي: ١٠٧.
(٢) المصباح المنير: ٧٤/٢، نقلا عن قواعد الروكي ١٠٧.
(٣) قواعد الزرقا: ص ٣٣.

17

- إهمال النفس اجتماعيا وإنسانيا، بالانفصال عن المجتمع وقطع الرحم وهجران الأقارب والأحباب والأصدقاء، وترك التواصل والتعاون مع الآخر، يؤدي إلى الإضرار بالنفس.

- إهمال النفس رياضيا، بترك الرياضة الدائمة والمنتظمة، وبملازمة القعود وقلة الحركة والمشي، يؤدي إلى الإضرار بالنفس.

فكل هذه الجزئيات والمسائل تنطبق عليها هذه القاعدة الحياتية العامة والكلية (إهمال النفس يؤدي إلى الإضرار بها)، ولذلك أطلقنا اسم القاعدة عليها، وذلك لأنها تحتوي على عدة فروع وجزئيات. كما أننا أطلقنا عليها صفة العموم والكلية، وذلك لأنها تنطبق على (جميع وكل وكافة) الجزئيات أو على أغلبها ومعظمها.

ويمكن - مثلا - أن لا تنطبق هذه القاعدة على فرع من فروعها، كالفرع المتعلق بالرياضة المنتظمة والدائمة، فإن ترك هذا النوع من الرياضة لا يؤدي بالضرورة إلى الإضرار بالنفس، وذلك لأنه من الممكن تعويض هذه الرياضة المنتظمة والدائمة بما يقوم به الإنسان يوميا من المشي والتنقل والحركة في عمله ودراسته وشؤون بيته وعباداته ومعاملاته.

تراوح القاعدة بين الكلية والأغلبية والبعضية:

قرر العلماء نقطة مهمة تتعلق بشمول القاعدة لجزئياتها: هل هو شمول لجميع الجزئيات أو شمول لأغلبها وأكثرها، وهل يمكن للقاعدة أن تشمل عددا من الفروع دون الكل والأغلب؟

وهذا الخلاف معروف منذ نشوء القواعد. ومن العلماء من قال بأن القاعدة ينبغي أن تكون منطبقة على جميع جزئياتها وفروعها، ومنهم من ذكر أن الانطباق يشمل أغلب هذه الجزئيات والفروع فقط، ولذلك عرفوها بأنها حكم أغلبي أو أمر أغلبي، إذ إن كثيرا من القواعد تشذ عنها بعض الفروع وتستثنى منها بعض الجزئيات، وهذا لا يقدح في صحة القاعدة وقيامها (١)، ولا في كونها كلية أو

(١) قواعد المقري: ص ١٠٥.

18

عامة. ومعلوم أن التعبير بالكلية والعموم هنا إنما هو من باب التغليب(١). والحق الذي ينبغي أن يُصار إليه أن القواعد منها ما هو كلي ينطبق على جميع الجزئيات، ومنها ما هو أغلبي ينطبق على أغلب الجزئيات، ومنها ما هو دون ذلك ينطبق على جزئيات كثيرة، دون أن يصل إلى الكلية أو الأغلبية.

وهذا يعود في الحقيقة إلى طبيعة القاعدة ونوعيتها (عقلية(٢)، رياضية، شرعية، نحوية ... )، وإلى عدد الجزئيات المستقرأة المتوصل إليها في صياغة القاعدة، وإلى أمور أخرى تتحدد بموجبها القاعدة وتنطبق على جزئياتها. كما أن الاستثناء من القاعدة أحيانا يكون أليق بتطبيق القاعدة وأنسب وأصلح.

والمهم من كل ما أذكر أن القاعدة هي أمر يضبط الجزئيات ويحصرها ويجعلها في سلك واحد وفي نظم واحد، سواء كانت تلك الجزئيات كلية أو أكثرية أو كثيرة.

مثال توضيحي آخر

القاعدة النحوية (كل فاعل مرفوع) تنطبق على جميع جزئياتها، ومن ذلك: سافر الرجلُ، وتحلل الحاجُ، وصامت المرأةُ، فكل فاعل في الجمل الثلاث مرفوع بالضمة في آخره.

وقد يكون فاعلٌ ما غيرَ مرفوع في حالة معينة، كما في الضرورة الشعرية، أي حال مراعاة تناسق الأوزان والقوافي والحركات في الأبيات الشعرية، أو في حال الاستعمال اللغوي العامي (اللهجات العامية) التي درج عليها الناس في تخاطبهم وتحادثهم، فإن كون الفاعل في مثل هذه الحالات غير مرفوع لا يقدح في كلية القاعدة (كل فاعل مرفوع) ولا يبطل مدلولها، ولا يجعلها تخرج عن حقيقة القاعدة أو الأمر الكلي أو القضية الكلية.

(١) قواعد الفقه الإسلامي: الروكي: ١٠٨.

(٢) القاعدة العقلية لا تنخرم في أي حال من الأحوال: قواعد وضوابط الحصيري: الندوي: ص ١٠٨.

19