228

Iliyadha

الإلياذة

Genres

الأنشودة السابعة عشرة

فوقف هكتور بعيدا عن المعركة، وخلع حلته الحربية فأسلمها إلى الطرواديين، وارتدى حلة أخيل بن بيليوس، فلما أبصره زوس، هز رأسه، وقال في نفسه: «واها لك أيها المسكين!»

كيف دارت رحى الحرب حول جثة باتروكلوس؟

مغامرات مينيلاوس!

لم يفت مينيلاوس بن أتريوس - حبيب أريس - مصرع باتروكلوس في المعركة بأيدي الطرواديين، فاندفع وسط محاربي المقدمة - متدثرا بالبرونز الوهاج - وفتح ساقية حول الميت، كما تقف أم العجلة البكرية فوق وليدتها تجأر بحزنها وهي التي لا دراية سابقة لها بالأمومة، هكذا وقف «مينيلاوس» - ذو الشعر الجميل - فاتحا ساقيه، وقد أمسك أمامه رمحه وترسه المتزن جيدا من كل جانب، تواقا إلى قتل من تحدثه نفسه بأن يقدم على أخذ الجثة. كذلك لم يكن ابن بانثوس - ذو الرمح الدرداري المتين - غافلا عن سقوط باتروكلوس العديم النظير، فوقف بالقرب منه، وتحدث إلى مينيلاوس - حبيب أريس - قائلا: «أي مينيلاوس بن أتريوس، يا سليل زوس، ويا قائد الجيوش، تراجع، واترك الجثة، وخل عنك الغنائم الدموية، فلم يسبق لأحد قبلي من الطرواديين أو حلفائهم المشهورين، أن ضرب باتروكلوس برمحه في الصراع العنيف؛ لهذا دعني أحصل على الصيت الحسن بين الطرواديين، وإلا رميت وأصبتك، فسلبتك حياتك الحلوة حلاوة العسل.»

عندئذ قال مينيلاوس، ذو الشعر الجميل، وقد ثارت العاطفة في قلبه: «أبتاه زوس، إن الإفراط في التفاخر بصلف ليس بلائق. فما شجاعة النمر أو الأسد أو الخنزير البري، ولا العقل الثائر الجياش في الصدور، بأعظم من شجاعة وروح أبناء بانثوس، ذوي الرماح الدردارية القوية. وحتى هوبرينور العتيد نفسه، لم يفد حقا من شبابه، عندما استخف بي، وانتظر قدومي إليه، ظانا أنني أتفه محارب بين الدانيين، فلم يرجع - في اعتقادي - ماشيا على قدميه إلى وطنه ليدخل السرور على قلب زوجته العزيزة وأبويه العظيمين، هكذا أيضا، يبدو لي، أنني سوف أحرمك قوتك،

1

إذا ما وقفت لتواجهني، ولكني آمرك بالتراجع إلى الحشد، وبألا تقف في مواجهتي، حتى لا يصيبك شر ما، إنه لمنتهى الحمق أن تكون عاقلا بعد فوات الأوان!»

هكذا تكلم، فلم يعر كلامه غريمه، بل أجابه هذا قائلا: «حقا يا مينيلاوس، يا سليل زوس، ستدفع الآن ثمن أخي الذي قتلته، والذي تتكلم فوقه بخيلاء، وقد جعلت زوجته أرملة في غرفة زواجهما الحديثة البناء، وجلبت على والديه غما لا يوصف وحزنا بالغا. لسوف أعمل - من أجل هؤلاء المنكوبين - على أن أخفف آلامهم، إذا قدر لي أن أحمل رأسك وحلتك الحربية فأضعهما بين سيدي بانثوس وفرونتيس الجليلة. ومع كل فلن يبقى العراك طويلا دون أن أحاوله أو أخوضه، سواء إلى نصر أو إلى فرار!»

ما إن قال هذا حتى ضرب ترس مينيلاوس المتزن جيدا من كل جانب، بيد أن البرونز لم يخترقه، بل التوى طرفه فوق الترس القوي. وعندئذ هجم مينيلاوس بن أتريوس عليه برمحه، وتوسل إلى أبيه زوس. وما إن تراجع حتى طعنه في قاعدة حلقه، وضغط بثقله في الطعنة، معتمدا على يده الثقيلة، فمرق سن الرمح خلال عنقه الرقيق في الحال، وسقط بشدة، فصلصلت حلته الحربية فوقه، وبالدم تبلل شعره الذي كان أشبه بشعر ربات الحسن، وكذا جدائله المزدانة بالذهب والفضة. وكما يزرع المرء شجيرة زيتون قوية في مكان منعزل تتدفق المياه غزيرة فيه، شجيرة طيبة جميلة النمو، تهزها هبوب جميع الرياح، ومع ذلك فإنها تزخر بالأزهار البيضاء. بيد أن الرياح تأتي فجأة بعاصفة هوجاء، فتقتلعها من أخدودها وتلقي بها على الأرض. هكذا كانت الحال أيضا مع مينيلاوس بن أتريوس، إذ قتل ابن بانثوس، «يوفوربوس» ذا الرمح الدرداري المكين، وجرده من حلته الحربية. وكما يحدث عندما يقبض الليث الجبلي - المعتمد على قوته - على خير عجلة بين قطيع يرعى: فيمسك عنقها أولا بين فكيه القويتين ويكسره، ثم يزدرد الدم وجميع الأجزاء الداخلية وهو هائج، فيصيح من حوله الرعاة والكلاب بأصوات عالية من بعيد، ولكنهم لا يجرءون على الهجوم، إذ يتملكهم الذعر الشاحب، هكذا أيضا لم يجرؤ قلب أي طروادي في صدره، على أن يذهب لمواجهة مينيلاوس المجيد، وهكذا صار في مقدور ابن أتريوس - بمنتهى السهولة - أن يحمل بعيدا حلة ابن بانثوس الحربية المجيدة، فحسده «أبولو» على ذلك. وفي صورة مينتيس، قائد الكيكونيس،

Unknown page