ولما أقبل الصباح الثاني عشر، سار الآلهة الخالدون، جميعهم في زمرة واحدة، إلى أوليمبوس، يتقدمهم زوس. ولم تنس «ثيتيس» رجاء ابنها، فخرجت من موجة البحر، في الصباح الباكر، وصعدت إلى السماء العظيمة وإلى أوليمبوس. وهناك وجدت ابن كرونوس، ذا الصوت الجهوري، جالسا في عزلة عن الباقين فوق أعلى قمة «الأوليمبوس» الكثير المرتفعات. فجلست أمامه، وأمسكت بيدها اليسرى ركبتيه، بينما أمسكته بيمناها من أسفل ذقنه، وخاطبت في توسل رب الأرباب زوس، ابن كرونوس، قائلة: «أبي زوس، إذا كنت قد ساعدتك وسط الخالدين، بالقول أو بالفعل، فلتحقق لي هذا الرجاء: اخلع المجد على ابني المحكوم عليه بالموت السريع من دون سائر الرجال الآخرين، والذي ألحق به أجاممنون، ملك البشر، العار، فأخذ غنيمته واحتفظ بها لنفسه بقوة وغطرسة، ولكن هل لك أن تريه المجد، يا زوس الأوليمبي، يا سيد المشورة، فتهب القوة للطرواديين، لأطول مدة ممكنة، حتى يبجل الآخيون ابني، ويكافئوه بقدر ما يستحق؟»
هكذا قالت، لكن زوس، جامع السحب، لم يفه لها بكلمة واحدة، بل جلس صامتا مدة طويلة ، ولكن ثيتيس تعلقت به، وهي ما زالت تمسك بركبتيه، واقتربت منه، سألته من جديد مرة أخرى، قائلة: «عدني الآن بهذا الأمر، وأحن رأسك علامة الموافقة، وإلا فابخل به علي - لأنه لا شيء يخيفك - وعندئذ أعرف أي احتقار قدر لي بين الآلهة!»
عندئذ تحدث إليها زوس، حاشد الغمام، وهو مهموم أعظم هم، فقال: «سيكون هذا عملا مؤسفا حقا، فإنك سوف تدفعينني إلى الاشتباك في صراع مع «هيرا»، وعندئذ ستغضبني بألفاظ جارحة، فإنها حتى الآن تتحرق شوقا باستمرار إلى إثارتي أمام الآلهة الخالدين، بإعلانها أنني أقدم المعونة للطرواديين في القتال، ولكن هل لك أن ترحلي ثانية، من أجل هذا، حتى لا تلحظ هيرا شيئا، ولسوف أفكر أنا في هذا الأمر وأخرجه إلى حيز التنفيذ. نعم، تعالي، وسأحني لك رأسي، حتى تكوني على يقين؛ لأن هذا مني يعتبر أكثر الأدلة توكيدا لنفوذي بين الخالدين، فما من كلمة من كلماتي يمكن أن تكون باطلة، أو كاذبة، أو غير نافذة!»
تكلم ابن كرونوس، وأحنى جبينه القائم موافقا، وتموجت خصلات الشعر الإلهية على رأس الملك الخالد، فتزلزل جبل أوليمبوس العظيم.
وبعد أن تشاور الاثنان معا في هذا الأمر، افترقا، فقفزت هي إلى البحر العميق من أوليمبوس المتألق، وذهب زوس إلى قصره. ثم نهض جميع الآلهة دفعة واحدة من مقاعدهم أمام طلعة أبيهم، ولم يجرؤ أحد أن ينتظر اقترابه، بل وقفوا جميعا مقدما. فلما وصل استوى هناك فوق عرشه. ولم تكن زوجته غبية، فلم يفتها أن تلاحظ كيف تشاورت معه «ثيتيس» الفضية القدمين، ابنة عجوز البحر؛ ومن ثم تحدثت إلى زوس، ابن كرونوس، بكلمات تهكمية قائلة: «من من الآلهة، أيها الماكر، قد تبادل معك الرأي الآن ثانية؟ إن سرورك الأعظم هو أن تنأى عني دائما وأنت تفكر وتدبر في سرية وتكتم. ولم يحدث قط أن جئتني بقلب خالص لتطلعني على مشروعاتك!»
عندئذ أجابها أبو البشر والآلهة بقوله: «أي هيرا، لا يتطرق إلى ذهنك أنك سوف تقفين على كل نواياي، فلسوف ترين أنها ثقيلة عليك، بالرغم من كونك زوجتي. نعم، إن ما يحق لك أن تسمعيه لن يعرفه قبلك أي فرد آخر، سواء من الآلهة أو من البشر، أما ما أعتزم عمله بعيدا عن الآلهة، فليس لك، بأية حال من الأحوال، أن تسألي أو تتحري عنه.»
عند ذلك ردت عليه هيرا الجليلة، ذات عيون المها، قائلة: «يا ابن كرونوس المرهوب، أي كلام هذا الذي تحدثت به؟ نعم، حقيقة، فيما مضى، لم تكن لي رغبة في سؤالك أو الاستفهام منك عن شيء، بل كنت تدبر كل الأمور التي تريدها في سهولة. أما الآن، فإن قلبي ليشعر بخوف عجيب خشية أن تكون «ثيتيس» الفضية القدمين، ابنة عجوز البحر، قد خدعتك؛ لأنها في الفجر الباكر قد جلست إلى جوارك وأمسكت ركبتيك. ولها، كما أعتقد أحنيت رأسك كدليل أكيد على أنك سوف تبجل أخيل، وتجلب الموت على كثيرين بجانب سفن الآخيين.»
عندئذ رد عليها زوس جامع السحب فقال: «أيتها الملكة المسكينة إنك دائما تتوهمين، ولست بجاهل ما يدور بخلدك ومع ذلك فلن تستطيعي عمل شيء، بأية حال، ولكنك ستصبحين أبعد عن قلبي، كما أن هذا سيكون وبالا عليك. ولو كان الأمر كما تقولين، فإنه لا بد أن يكون سلوتي المفضلة. والآن، اجلسي في صمت، وأصغي إلى كلمتي فلن ينقذك جميع آلهة أوليمبوس من ضرباتي، عندما أقترب لأضع عليك يدي اللتين لا تقاومان!»
وإذ قال ذلك، استولى الخوف على هيرا الجليلة ذات عيني المها، فجلست ساكنة، تكبح جماح قلبها. وعندئذ اضطربت جميع أرجاء قصر زوس، وكان «هيفايستوس»
41 - الصانع المشهور - أول من تكلم منهم، فقال محاولا التسرية عن أمه العزيزة؛ هيرا البيضاء الذراعين: «حقا أنه يكون أمرا يؤسف له، ولا يمكن احتماله، إذا تشاجرتما هكذا من أجل أمور البشر، وأشعتما الفوضى بين الآلهة، ولن يكون للوليمة العظيمة أية متعة، طالما تجري هناك أمور أسوأ. وإنني لأقدم النصح لأمي، رغم ما هي عليه من حكمة، لتدخل السرور على نفس أبينا العزيز زوس، حتى لا يفسد وليمتنا بالمشاجرات. ولنحذر من أن يكون الأوليمبي، سيد البرق، قد عقد النية على إزاحتنا من مقاعدنا! لأنه يفوقنا في القوة. إذن، فليكن حديثك معه رقيقا، كي يصبح الأوليمبي في الحال رحيما بنا.»
Unknown page