217

يثقلها طل الربيع فتنثني

ومن مزايا شعره أنه كان يطلق عنان التصور في التشبيه، فلا يوقف القول إلا حيث وقف الخيال، فقد يتناول تشبيهه أبياتا، وتندرج طيه تشبيهات أخرى، وقد يشبه في شطر أو بعض شطر، وهذا أيضا من مزايا الشعر الجاهلي التي أسلفنا أنها ضعفت في المولدين، وإن أجادوا الرسم كابن المعتز ما خلا أفرادا قليلين تناولوا المعاني، فألموا بجميع أطرافها كابن الرومي.

وكان مبغضا للإغراب باللفظ والمعنى لا يقول إلا ما ترضاه الخاصة وتفهمه العامة، ينتحي مجاراة الفطرة وإنطاق الطبيعة يسعى إلى الحقيقة، ولا يتوخى المجاز، فلا يتطلبه في شعره، ولا يتجنبه إذا عبر عن فكره؛ ولهذا كان كالجاهليين من العرب كثير التشبيه قليل الكنايات والاستعارات لا يأتي المجاز إلا مرسلا، فجاء جميع ما ورد منه في شعره آية في بابه على قلته كقوله: وأغمض عينيه ستر المنون، وقوله: أو تفغر الحرب المهدمة الفما. وأمثال ذلك من الاستعارات البسيطة السهلة.

البديهيات

أما بديهياته فحدث عنها ولا حرج، فلقد تراه يخوض بحر المعاني، فينثر ما التقط منها من أبكار الأفكار، ثم يلفت يمينا وشمالا فيدرك بعين بصيرته ما طرق فكر سامعيه، فمد بصره إلى مخيلة ذوي الألباب منهم، ويستخرج ما ارتسم في أذهانهم بسياق الحديث فيعبر عنه ببداهة ترتاح إليها النفس ويطمئن الخاطر، فإذا أتى مثلا على وصف وقعة التحم فيها القتال، وتلاحمت الرجال وتعالى الصياح، وتألق السلاح علم أنه يخيل للسامع شيء من البديهيات المطروقة فقال له:

والأرض تحت الرجل والعجل

مادت لثقلة هاته الملل

أو قال:

وكأن السهول طارت شرارا

بمسير الإغريق فوق السهول

Unknown page