183

ذلك ما يعاب عليه المولدون ما خلا رهطا منهم سما أدبا، وتهذب عقلا ونفسا.

أما إلياذة هوميروس فهي على ما وصلت إلينا نقية من تلك المغامز لا يؤاخذ صاحبها على شيء من هذا الخلال الأربع، أما الخلة الأولى فلأن الشاعر جاهلي وحيثما تصفحت شعره رأيته أبدع في الوصف ورسم الحقائق، وأما الثانية والثالثة، فلأنهما مخالفان لطبعه، وذلك باد في كل منظومه ، وأما الرابعة فقد تحاشاها الشاعر لسمو في أدبه مع ما كان فاشيا في عصره من الاستسلام للشهوات كما أثبتنا في ترجمته؛ ولهذا جاءت إلياذته نقية لا يتخللها شيء مما تحظر قراءته حتى على الغادة العذراء.

مناهج المولدين في أبواب الشعر وفنونه وأساليبه

لم يقتصر المولدون من الشعر على نظمه بل نظروا فيه ومحصوه، وانتقدوه، وعارضوه بعضا ببعض، وبحثوا فيه بحثا علميا، ووضعوا أصوله وبوبوا فصوله، وجمعوا مختاره، وعينوا فنونه ووازنوا بين الشعراء، وكتبوا في كل ذلك الأسفار الطويل بين نثر وشعر مما لا يتسع له بحثنا.

وقد جعلوا الشعر بالنظر إلى معناه أبوابا حصرها أبو تمام في عشرة، وأبلغها ابن أبي الإصبع العدواني إلى ثمانية عشر، وهي: الغزل، والوصف، والفخر، والمدح، والهجاء، والعتاب، والاعتذار، والأدب، والزهد، والخمريات، والرثاء، والبشارة، والتهاني، والوعيد، والتحذير، والملح والسؤال، والجواب، وزادوا عليها الزهريات، والحكم، والمجون، والحماسة، وهي أشرفها عندهم وأجادوا في كل ذلك.

وتفننوا في الشعر تفننا لم يعرفه الأوائل إلا قليلا، فأفاضوا في

التشطير، والتخميس، والمعمى، والأحجية، واللغز، والدوبيت الفارسي

الذي خالفوا فيه أوزان الشعر العربية.

وأكثر من كلف منهم بذلك متأخروهم كالحريري، وابن الفارض، وصفي الدين الحلي، وأن تخميس الصفي لحماسية السموأل من أجود ما قيل بهذا ومطلعها:

قبيح بمن ضاقت عن الرزق أرضه

Unknown page