أي بني!
خير ما تواجه به هذا الزمان، سعة دراستك، ووقوفك على حقائق الشرق والغرب، وانتفاعك بما في كل من مزايا. وعيب الشرقيين شعورهم بمركب النقص أمام المدنية الحديثة، فهم يقدرونها فوق قيمتها، ويقدرون أنفسهم أقل من قيمتهم، ولو أنصفوا لزادوا من قيمة أنفسهم وقللوا من قيمة المدنية الغربية.
فالمدنية الحقة إنما تقاس بإسعاد الناس لا بكثرة الاختراع ولا بكثرة التجارب. نعم إن المدنية الغربية أكثر اختراعا وأكثر تجارب، ولكنها ليست أكثر إسعادا للناس، فكثرة حروبها وكثرة تكاليف الحياة عندها وكثرة مطالبها، جعلتها أشق على الحياة وأفقدتها قيمتها في السعادة.
أي بني!
لست أريد أن أبثك رأيي وألزمك به، فأنت حر في اختيار آرائك ووزنها بميزانك، ولكن هذا لا يمنعني من أن أبث إليك بعض آرائي لا عن طريق إلزامك بها، ولكن رغبتي في نفعك جعلتني أعرض عليك كل ما أرى لترى فيه ما ترى.
والسلام عليك ورحمة الله.
9
أي بني!
لقد كتب إلي أخوك مرة من لندن - بعد أن أتم دراسته في كلية الهندسة بجامعة فؤاد، وذهب إلى إنجلترا يعد نفسه لنيل الدكتوراه - يقول: إنه ضمه مجلس مع جماعة من شبان الإنكليز المتخصصين في الهندسة أيضا، وما زال الحديث يتنقل بينهم إلى أن وصلوا إلى عمر الخيام، فأخذ كل يبدي رأيه في شعره وفلسفته في الحياة، وجمال رباعياته، والروح التي تبثها في النفوس، وهل هي روح قوية أو ضعيفة تناسب هذا العصر أو لا تناسبه؟ ونحو ذلك ... وإن أخاك أثناء هذا الحديث كله، لم يستطع أن ينبس بكلمة ولا أن يشارك في هذا الحديث بأي رأي؛ لأنه لم يسمع قبل هذا المجلس عن عمر الخيام، ولم يعرف عنه شيئا، وأنه خجل من نفسه وخجل من ثقافته.
وأنت الآن تدرس الهندسة كأخيك، وأخشى أن تكون أيضا لم تسمع بعمر الخيام وأمثاله ... وربما لم يسمع عنه أيضا كل إخوانك في كلية الهندسة، وكل زملائك في كلية الطب والزراعة والتجارة، وبعبارة أخرى كل المتخصصين في الدراسات العلمية والفنية.
Unknown page