بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة على محمد وآله الطاهرين.
وبعد؛ فهذه مقدمة لفن الرجال يتضح بها مقاصده وقواعده، ترتبط بكل كتاب في هذا الفن من المتقدمين والمتأخرين، مطولاتها ومختصراتها مما يبحث فيه عن أحوال الرجال، نعم ارتباطها بكتاب منهج المقال في تحقيق أحوال الرجال أشد، فهي من المعدات لفن الرجال، استقصيت فيها جميع ما يحتاج إليه الطالب في معرفة هذا الفن، ومن أراد كمال البصيرة في هذا الفن لابد له أن يصرف برهة من زمانه فيه، وفيما ذكرته تسهيل للأمر جدا.
وكان كتاب المنهج هذا - وهو تأليف المولى الأولى الفاضل " محمد بن علي الأسترآبادي " الثقة العدل (قدس سره) - مما لم ير مثله في هذا الفن، وكان في زماننا مرجعا للأعلام، وأضافوا إليه فوائد بحسب ما يوافق آراءهم، منهم:
الشيخ الجليل العلامة " الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي " قدس سره وعلامته " م د ح ".
والشيخ الفاضل " محمد بن الحسن بن الشهيد الثاني " وعلامته " م د ".
والفاضل المحقق " محمد المعروف بسراب " وعلامته " م ح د ".
فأعجبني أن أجمع هذه الفوائد حفظا لها، فشرعت في جمعها، وأضفت عليها زيادات مني وعلامته " جع "، وفائدة شريفة عليه مما اتفقت لبعض الأصحاب علامته " كذا أفيد "، وما ألحق من الرجال فيما بين العنوانات علامته قبل الاسم لفظة " ملحق "، مثلا إذا كان الملحق آدم بن علي ففي محله هكذا:
ملحق آدم بن علي.
وسميتها ب: إكليل المنهج في تحقيق المطلب.
Page 39
باب فاتحة الكتاب
قوله: (ولأبوابه).
الضمير فيه لكتاب رجال الشيخ؛ فإنه يقول فيه: باب في ذكر أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وباب في ذكر أصحاب علي (عليه السلام)، باب في ذكر أصحاب الحسن (عليه السلام)، هكذا إلى آخر الأئمة (عليهم السلام)، وهذا هو السبب في توسيط علامات أصحاب كل إمام بين علامات كتب وغيرها؛ لأن ذلك من تتمة كتاب رجال الشيخ فلا توسيط بغيرها " كذا أفيد ".
ويأتي في القاسم الجوهري في الإكليل وضع الكتاب على هذا الترتيب. والأبواب على ذلك الترتيب تشمل على سبع طبقات.
والطبقة عبارة عن جماعة من الرواة اشتركوا في السن ولقاء المشايخ، وقد يذكر في بعض الرجال:
أنه من أصحاب أبي جعفر (عليه السلام) ومات في عهد أبي عبد الله (عليه السلام)، وفي بعض الأخبار: أن الصادق (عليه السلام) قال:
إنه من أصحاب أبي مع كونه في زمانه (عليه السلام)، وفي بعضهم: أنه يروي عن أصحاب فلان، أو متأخر الموت، أو قديم الموت، وفي بعضهم: أنه قد عمر وعلا به الإسناد، أو عمر ولقي فلانا، وفي بعضهم: أنه من أحداث أصحاب أبي عبد الله (عليه السلام)، وغير ذلك مما في معرفة الطبقات دخل فيه.
ويأتي في المنهج في علي بن جعفر بن محمد ما يدل على أنه قد ينسب الراوي إلى من كان روايته عنه أشهر.
الطبقة الأولى: أصحاب علي بن الحسين - واعتبار الطبقة منه (عليه السلام) لما يظهر من حديث دعائم الإسلام في ترجمة عيسى بن السري (1) - وأصحاب الباقر والصادق (عليهما السلام)، ومنهم أبان بن تغلب لقي علي بن الحسين وأبا جعفر وأبا عبد الله (عليهم السلام) وروى عنهم، ومات سنة إحدى وأربعين ومائة في حياة أبي عبد الله (عليه السلام).
الطبقة الثانية: أصحاب الباقر والصادق (عليهما السلام)، ومنهم المتأخر للموت، فيشارك من في عصر الكاظم (عليه السلام) في الراوي.
Page 40
الطبقة الثالثة: من أدرك عصر الباقر والصادق والكاظم (عليهم السلام)، ومنهم من لم يشتهر روايته عن الصادق ولا عن الكاظم (عليهما السلام) ولكن عاصرهما، فاشتركوا مع الأوائل والأواخر في الراوي، ومنهم من لم يشتهر عن الرجال مثله، ومنهم من كثر روايته عن الرجال من مثله.
الطبقة الرابعة: منهم من كان من أصحاب الصادق والكاظم [(عليهما السلام)] أيضا روى عنهما وأكثر الرواية عن الطبقة الأولى والثانية ومشاركيهم ورووا جميع أصولهم، ومنهم من كان من أصحابهما أيضا إلا أنهم عمروا بعدهما فاشتركوا مع الأولين والآخرين في الرواية والراوي.
الطبقة الخامسة: أصحاب الكاظم والرضا (عليهما السلام)، ومنهم من عاصر الكاظم (عليه السلام) ولم يرو عنه، وروى جميع الأصول والمصنفات لأصحاب الطبقة الثالثة ومن تأخر عنهم إلى عصرهم، ومنهم من عمر فاشترك مع من تأخر عنه وعلا إسناده.
الطبقة السادسة: أصحاب الرضا (عليه السلام)، ومنهم من عاصر الجواد والهادي والعسكري (عليهم السلام) وروى عنهم، ومنهم من لم يرو وروى المؤلفات والمرويات للطبقة الخامسة، ومنهم من عمر، فعلا إسناده وشارك الأواخر في الرواية، ومنهم أحداث أصحاب الرضا (عليه السلام) واشتركوا مع الأوائل في رواية المؤلفات والمرويات لأصحاب الطبقة الخامسة المعمرين منهم.
الطبقة السابعة: من يعلم في أكثرهم ب " لم " (1) كمحمد بن علي بن محبوب ومحمد بن الحسن الصفار إلى محمد بن مسعود العياشي، ومنهم من كان [من] أصحاب العسكري (عليه السلام)، وكثير منهم عاصروه ولم يرووا عنه، وأهل هذه الطبقة يروون جميع المؤلفات والمسموعات لدى الطبقة السادسة، ولعل بعضهم يروي عن مثله لعدم تيسر اللقاء.
ويلحق بهذه الطبقة الشيخ الكليني، وعلي بن الحسين بن بابويه، ومحمد بن الحسن بن الوليد...، وكل مشايخ الصدوق ومشايخ جعفر بن محمد بن قولويه، ثم مشايخ المفيد وابن عبدون والحسين بن الغضائري، ثم مشايخ محمد بن الحسن الطوسي رحمهم الله جميعا " جع ".
قوله: (فلأصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) " ل ").
والعلامة لأبوابه في المنهج كما ترى، وفي نقد الرجال وغيره يثبت " جخ " بعد العلامات، والعلامات من غير إثبات " جخ " إشارة إلى الأئمة (عليهم السلام)، في المنهج: أبان " ق "، وفي غيره: أبان " ق،
Page 41
جخ "، في المنهج: يروي عن الكاظم (عليه السلام) في " ق "، وفي غيره: يروي عن " ظم " في " ق، جخ "، وفي نقد الرجال: للكاظم " م، جخ "، وللجواد " د، جخ "، وللعسكري " كر، جخ "، وقد يقال في جميع الأبواب: قال الشيخ في الرجال والعلامة " جخ "، ويقال: لم يذكر الشيخ الرجل في " جخ " وذكره في " ست "، فكتاب الرجال اسم للأبواب وعلامته " جخ ".
ثم لا يخفى أن وضع الأبواب وإيراد الأصحاب كلا في بابه، وكذا ضبط مراتب الرجال في رواية بعضهم عن بعض من القرائن الرجالية على التعيين عند الاشتراك، إلا أنه في الكافي:
عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): الحديث أسمعه منك أرويه عن أبيك، أو أسمعه عن أبيك أرويه عنك؟ قال: " سواء إلا أنك ترويه عن أبي أحب إلي ". وقال أبو عبد الله (عليه السلام) لجميل: " ما سمعت مني فاروه عن أبي " (1).
وفي موضع آخر:
عن حماد بن عثمان وغيره قالوا: سمعنا أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: " حديثي حديث أبي، وحديث أبي حديث جدي، وحديث جدي حديث الحسين، وحديث الحسين حديث الحسن، وحديث الحسن حديث أمير المؤمنين، وحديث أمير المؤمنين حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وحديث رسول الله قول الله عز وجل " (2).
ويأتي في ترجمة أبان بن تغلب: " فما روى لك فاروه عني " (3)، وأيضا: " فما روى [لك] عني فارو عني " (4).
وفي الكافي:
عن محمد بن علي رفعه قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): " إياكم والكذب المفترع " قيل له: وما الكذب المفترع؟ قال: " أن يحدثك الرجل بالحديث فتتركه وترويه عن الذي حدثك عنه " (5).
ومنه يظهر أن رواية بعض عن غير من يروي عنه كان أمرا شائعا بينهم.
وبالجملة الدلائل الرجالية والقرائن المعتبرة فيها ليست مما يطمئن القلب بها، وكان أمرهم مبنيا على التسامح وتقليد كتب المتقدمين من غير تحقيق وتأمل شاف، وناهيك في ذلك ما ترى في عثمان العمري ومحمد بن عثمان وحفص العمري ومحمد بن حفص وجعفر العمري، على ما بين في ذيل كتاب الإكليل بعلامة " منه " بالفارسية، فتلك أمارات رعايتها من المستحسنات كما يأتي في الإكليل في
Page 42
عنوان حجر بن زائدة " جع ".
قوله: (ولأصحاب الصادق (عليه السلام) " ق ").
اعلم: أن الموجود في هذا الكتاب من الرجال في الأسماء والكنى والألقاب سبعة آلاف إلا خمسين، ولكن فيها تكرار في الأسماء قليل، وفي الكنى والألقاب كثير، والموجود فيه من النساء سبع وستون، والموجود فيه من أصحاب الصادق (عليه السلام) ألفان وثمانمائة وزيادة يسيرة، والباعث على هذا الضبط أن المفيد قال في الإرشاد:
كان الصادق (عليه السلام) أنبه إخوته ذكرا وأعظمهم قدرا...، إلى أن قال: وإن أصحاب الحديث نقلوا (1) أسماء الرواة عنه من الثقات على اختلافهم في الآراء والمقالات وكانوا أربعة آلاف رجل (2)، انتهى.
وقد ذكر مثل ذلك ابن شهرآشوب في مناقبه ووثقهم (3)، ونحو ذلك الطبرسي في إعلام الورى (4)، إلا أنه مدح الأربعة آلاف مدحا جليلا، واللازم من هاتين العبارتين توثيق جميع المذكورين من أصحابه (عليه السلام) إلا من نص على ضعفه، بل ربما يقال بالتعارض فيمن نص على ضعفه بين التوثيق والتضعيف، ولم أجد من تفطن لذلك، لكن يحصل الشك من حيث إن الأربعة آلاف غير منصوص على أعيانهم في عبارة المفيد، فلعلهم غير المذكورين في كتاب الرجال أو بعضهم من المذكورين وبعضهم من غيرهم، ولا يخفى بعد احتمال المغايرة على من تتبع كتب الرجال، وقد اختلف الأصوليون في جواز توثيق غير المعين، فتأمل.
وقد تقدم (5) في ترجمة أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة: أنه صنف كتاب الرجال الذين رووا عن الصادق (عليه السلام)، وأنه جمع فيه أربعة آلاف رجل ونقل عن كل واحد منهم حديثا واحدا (6)، والله أعلم.
وصرح ابن شهرآشوب في المناقب: أن الجماعة الموثقين هم الذين ذكرهم ابن عقدة (7). وجميع الكتب المذكورة في هذا الكتاب ستة آلاف وستمائة وزيادة يسيرة، والله أعلم " م د ح ".
ويأتي في الإكليل في عنوان محمد بن سنان عند قولنا: قوله: (فالشيخ المفيد...) ما يناسب المقام، والذي أذهب إليه في التوثيق ما يأتي في الإكليل في عنوان آدم أبو الحسين عند قوله: (فهو على الوجوه ثقة) " جع ".
Page 43