آثار شيخ الإسلام ابن تيمية وما لحقها من أعمال (١١)
اختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية
تأليف
الحافظ أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الهادي المقدسي (المتوفى ٧٤٤ هـ)
تحقيق
سامي بن محمد بن جاد الله
إشراف
بكر بن عبد الله أبو زيد
دار عطاءات العلم - دار ابن حزم
1 / 1
راجَع هذا الجُزْء
سُليمَان بن عَبْد الله العُمير
جديع بن محمَّد الجديع
1 / 3
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مقدمة التحقيق
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمَّد، وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فهذا جزء جمع فيه الحافظ ابن عبد الهادي جملة من اختيارات وأقوال شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية في فنون متنوعة (التفسير (^١)، الحديث (^٢)، الفقه -وهو الغالب (^٣) -، وغيرها) (^٤)، ومن كتب وفتاوى متفرقة.
ولم يرتبها الحافظ ابن عبد الهادي ترتيبًا واضحًا، وهذا يحتمل أحد أمرين:
الأول: أن يكون هذا الجزء لبنة لمشروع كان يعزم الحافظ ابن عبد الهادي القيام به، وهو جمع اختيارات شيخ الإسلام مرتبة على الأبواب، فيكون هذا الجزء مسودة لذلك.
والثاني: أن يكون دوَّن هذه المختارات لاستذكارها وتقريبها.
والله تعالى أعلم بحقيقة الحال.
_________
(^١) وعدد مسائله: (١٣)، وهي: (٩٦، ١٠٠، ١٢٣ - ١٣٣).
(^٢) وعدد مسائله: (٨)، وهي: (٩٣، ٩٤، ٩٥، ١١٦، ١٤٦، ١٤٧، ١٤٩، ١٥١).
(^٣) بقية المسائل التي لم يسبق ذكرها هي فقهية، وعددها (١٣١).
(^٤) انظر: (رقم: ١٢٢)، ويوجد في أثناء مسائل التفسير بحوث نحوية أيضًا.
1 / 5
اختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية الفقهية:
يعدُّ الإمام ابن تيمية من أبرز العلماء المحققين في الفقه، ومع ذلك لا يعرف أنه ألف كتابًا مستقلًا على الأبواب الفقهية، فما سبب ذلك؟
قال الحافظ عمر بن علي البزار (المتوفى سنة: ٧٤٩) في كتابه "الأعلام العلية في مناقب ابن تيمية": (ولقد أكثر ﵁ التصنيف في الأصول فضلا عن غيره من بقية العلوم، فسألته عن سبب ذلك، والتمست منه تأليف نصٍّ في الفقه يجمع اختياراته وترجيحاته، ليكون عمدة في الإفتاء، فقال لي ما معناه: الفروع أمرها قريب، ومن (^١) قلد المسلم فيها أحد العلماء المقلَّدين جاز له العمل بقوله ما لم يتيقن خطأه. . . إلخ) (^٢) ا. هـ.
ولكن وفق الله جل وعلا -وله الحمد- طلاب الإمام وأهل العلم لحفظ تركته الفقهية، وكان ذلك على وجوه:
١ - جمع فتاويه المتفرقة، ومن ذلك "الفتاوى المصرية" الشهيرة.
٢ - ذكر اختياراته في الكتب، كما نراه في كتب ابن القيم (ت: ٧٥١) وابن مفلح (ت: ٧٦٣) من تلامذة الشيخ، وفي كتب الحافظ ابن رجب (ت: ٧٩٥) وغيره من أهل العلم.
٣ - جمع اختياراته في مؤلف مستقل، والمعروف من ذلك أربعة أعمال:
_________
(^١) كذا بالأصل، ولعل صوابها: (متى).
(^٢) نبهني على هذا الموضع فضيلة الشيخ / بكر أبو زيد، جزاه الله خيرًا.
1 / 6
(١) جزء الحافظ ابن عبد الهادي (ت: ٧٤٤) هذا، ولعله أول عمل على هذا النحو، وعدد مسائله الفقهية: (١٣١) مسألة كما سبق.
(٢) جزء برهان الدين أبي إسحاق إبراهيم بن محمَّد بن أبي بكر الزرعي ثم الدمشقي، الشهير بـ "ابن ابن قيم الجوزية" (ت: ٧٦٧)، وقد طبع مرات، آخرها سنة (١٤١٣) بتحقيق وشرح / أحمد موافي، باسم: "المسائل الفقهية من اختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية" عن "دار الصفا" بالقاهرة.
وحوى (٩٨) مسألة، قسمها المؤلف إلى أربعة أقسام، هي:
١ - مسائل مستغربة لندرة القائل بها.
٢ - ما هو خارج عن مذاهب الأئمة الأربعة، ولكن الخلاف فيه محكي.
٣ - ما هو خارج عن مذهب أحمد، لكن قال به غيره من الأئمة.
٤ - ما اختاره مما هو مخالف للمشهور في مذهب أحمد.
وقال عنه الشيخ / بكر أبو زيد: "هي رسالة محررة" (^١).
(٣) كتاب أبي الحسن علي بن محمَّد بن علي البعلي، المعروف بـ "ابن اللحام" (ت: ٨٠٣)، وطبع مرات كثيرة، من آخرها سنة (١٤١٨)، بتحقيق / أحمد الخليل، باسم: "الأخبار العلمية من الاختيارات الفقهية" عن "دار العاصمة" بالرياض.
وقال ابن المبرد في "الجوهر المنضد": (ص: ١١٤) في ترجمة
_________
(^١) "ابن قيم الجوزية حياته وآثاره": (ص: ٢٣).
1 / 7
ابن مفلح: (كان معظما لشيخه شيخ الإسلام ابن تيمية ينقل اختياراته في كتبه كثيرًا، وغالب ما ذكره أبو الحسن اللحام في "اختياراته" فإنه من "الفروع") ا. هـ.
وهو أشهر وأوسع ما كتب في ذلك، لكنه لم يستوعب اختيارات الشيخ كما قاله المرداوي في مقدمة "الإنصاف": (١/ ٢٠).
(٤) "نظم ما انفرد به شيخ الإسلام ابن تيمية عن الأئمة الأربعة" للشيخ سليمان بن سحمان (ت: ١٣٤٩)، وهو في "ديوانه": (ص: ٥٢٠).
عناية ابن عبد الهادي بمؤلفات ابن تيمية واختياراته:
الناظر في كتب الحافظ ابن عبد الهادي يلحظ عنايته الكبيرة بكتب شيخه، وتمثلت تلك العناية في جانبين:
الأول: جمعها ومطالعتها وحصر أسمائها، ومن قرأ كلامه في ذكر مصنفات شيخ الإسلام- في كتابه المفرد في ترجمة الشيخ "العقود الدرية"- ظهر له عنايته الفائقة بكتب الشيخ، ومعرفته بنسخها ومضامينها وعلاقة بعضها ببعض، ووجد كلامه عنها كلام من خبر تلك الكتب، وإليك بعض كلامه في ذلك:
قال في "العقود الدرية": (ص: ٤١): (كتاب "درء تعارض العقل والنقل" في أربع مجلدات كبار، وبعض النسخ به في أكثر من أربع مجلدات، كتاب حافل عظيم المقدار، رد الشيخ فيه على الفلاسفة والمتكلمين، وله كتاب في نحو مجلد أجاب فيه عما أورده كمال الدين بن الشريشي (^١) على هذا الكتاب) ا. هـ
_________
(^١) كذا بالأصل، وصوابه: (الشَّرِيسي)، انظر: "البداية والنهاية" لابن كثير: (١٤/ ٩١).
1 / 8
وقال أيضًا: (ص: ٤٤): (كتاب "بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية" في ست مجلدات، وبعض النسخ منه في أكثر من ذلك، وهو كتاب جليل المقدار معدوم النظير، كشف الشيخ فيه أسرار الجهمية وهتك أستارهم، ولو رحل طالب العلم لأجل تحصيله إلى الصين ما ضاعت رحلته) ا. هـ
وقال أيضًا: (ص: ٤٥): (كتاب "جواب الاعتراضات المصرية على الحموية" في أربع مجلدات، وبعض النسخ منه في أقل، وهو كتاب عزيز الفوائد، سهل التناول.
ومنها كتاب الرد على النصارى، سماه "الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح" في مجلدين، وبعض النسخ منه في ثلاث مجلدات، وبعضها في أكثر، وكذلك كثير من كتبه الكبار تختلف النسخ بها، وهذا الكتاب من أجل الكتب وأكثرها فوائد، ويشتمل على تثبيت النبوات وتقريرها بالبراهين النيرة الواضحة، وعلى تفسير آي كتير من القرآن، وعلى غير ذلك من المهمات) ا. هـ
وقال أيضًا -بعد انتهائه من سرد جملة كبيرة من مؤلفات الشيخ-: (ص: ٨٠): (وسأجتهد -إن شاء الله تعالى- في ضبط ما يمكنني من ضبط مؤلفاته في موضع آخر غير هذا، وأبين ما صنفه منها بمصر، وما ألفه منها بدمشق، وما جمعه وهو في السجن، وأرتبه ترتيبًا حسنًا غير هذا الترتيب، بعون الله تعالى وقوته ومشيئته) ا. هـ
وكان ﵀ -وحق له- محتفيًا بكتب شيخه كما تراه في أماكن متفرقة من مصنفاته، فقال في "العقود الدرية": (ص: ٤٢): (ولا أعلم أحدًا من متقدمي الأمة ولا متأخريها جمع مثل ما جمع،
1 / 9
ولا صنف نحو ما صنف، ولا قريبًا من ذلك) ا. هـ وذكر نحو هذه العبارة في كتابه "طبقات علماء الحديث": (٤/ ٢٩٠) تحت ترجمة الشيخ، وقال فيه: (٤/ ١٢١) -تحت ترجمة ابن الجوزي-: (لا أعلم أحدًا صنف أكثر من ابن الجوزي إلا شيخنا الإمام الرباني أبا العباس أحمد بن عبد الحليم الحراني ﵁ ا. هـ
الثاني: الانتخاب منها والنقل عنها، وربما كان ذلك في أجزاء مفردة -كما في "رسالة لطيفة" وهذا الجزء- وأكثره في مصنفاته المختلفة، وهو شيء كثير يصعب حصره الآن، ولكن أذكر بعض الأمثلة له، قال ﵀ في "تنقيح التحقيق": لما ذكر مسألة الجد والإخوة: (واعلم أن لشيخنا العلامة أبو العباس في هذه المسألة مصنفًا جليلًا، فمن أحب الوقوف عليه فليسارع إليه، ثم إني بعد أن كتبت هذا الكلام بمدة جمعت الآثار الواردة في هذه المسألة، وذكرت ما جاء عن الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الاختلاف فيها في عدة كراريس، ثم حكيت كلام شيخنا بحروفه في آخر ذلك) ا. هـ
وانظر المسائل: (١، ٢٣، ٢٥) من "تنقيح التحقيق" أيضًا.
ومما تحسن الإشارة إليه أن الحافظ ابن عبد الهادي ربما نقل نصًّا طويلًا من كلام شيخ الإسلام في صفحات، فيأتي بعض الباحثين فينظر في وسط ذلك الكلام فيتوهم أنه لابن عبد الهادي، وربما نقلوه منسوبًا إليه، وإنما هو مما نقله عن شيخ الإسلام.
ومن ذلك نصوص كثيرة في "الصارم المنكي" نقلها من كتب شيخ الإسلام: (انظر: ص: ٤١ - ٥٤، ٦٤ - ٦٧، ١٠٣ - ١١٥، ١٥١ - ١٩٧، ١٩٩ - ٢٢٠، وغيرها).
1 / 10
بقي أن أشير إلى أن الحافظ ابن عبد الهادي قد ذكر في كتابه "العقود الدرية" عشرين مسألة من اختيارات الشيخ التي خالف فيها أئمة المذاهب الأربعة، أو خالف المشهور من أقوالهم (ص: ٣٣٨ - ٣٤٠) (^١).
توثيق نسبة الجزء:
جاء على طرة النسخة ما نصه: (جزء يشتمل على فروع، جمع الشيخ الإمام العلامة شمس الدين محمَّد بن عبد الهادي المقدسي الحنبلي- رحمة الله عليه-، اختيار شيخ الإسلام ﵁) ا. هـ
وجاء في بداية الفصل الثاني من هذا الجزء العبارة التالية: (قال شيخنا الحافظ ابن عبد الهادي -رحمة الله عليه-. . . إلخ) ا. هـ
ومما يؤكد صحة هذه النسبة: ما سبق ذكره من عناية الحافظ ابن عبد الهادي بمؤلفات واختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية، لكن لماذا لم يُذكر هذا الجزء في المصادر المترجمة لابن عبد الهادي التي وصلتنا؟
الجواب عن هذا من وجوه:
١ - أن هذه المصادر لم تستقص جميع مؤلفاته ﵀، فقد قال الحافظ ابن رجب في "ذيل طبقات الحنابلة" - بعد أن سرد جملة كبيرة من مؤلفات ابن عبد الهادي - (٤/ ٤٣٩): (وله رد على ابن طاهر وابن دحية وغيرهما، وتعاليق كثيرة في الفقه وأصوله، والحديث، ومنتخبات في أنواع العلم) ا. هـ
وقال ابن قاضي شهبة في ترجمة ابن عبد الهادي من "تاريخه" (٢/ ٣٩٦ - الجزء الأول من المخطوط) -بعد أن ذكر طائفة من كتبه-: (وله مصنفات آخر كثيرة سردناها في أصل هذا التاريخ في
_________
(^١) ذكر منها خمس مسائل في هذا الجزء، وأرقامها: (٣، ١٣، ١٠٤، ١١٥، ١٢٠).
1 / 11
نحو ورقتين) ا. هـ.
وعدم استقصاء مؤلفات المترجَم هذا هو الغالب على كتب التراجم، وإنما يحرص على الاستقصاء من أفرد عَلَمًا من الأعلام بمصنف مستقل، والحافظ ابن عبد الهادي من المكثرين من التأليف، حتى قال ابن المبرد في "الجوهر المنضد": (ص: ٥٥) تحت ترجمة عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الهادي المقدسي (أخي صاحب الجزء): (له كتاب في أسماء مصنفات أخيه شمس الدين) ا. هـ.
٢ - أن هناك أثرًا آخر من آثار ابن عبد الهادي وصلنا ولم تذكره مصادر ترجمته، وهو ما طبع باسم: "رسالة لطيفة في أحاديث متفرقة ضعيفة"، وقد جاء في صدرها ما يلي: (رأيت بخط الحافظ شمس الدين محمَّد بن عبد الهادي -رحمه الله تعالى- في أثناء كلام له، قال:
(فصل
قال شيخنا في أثناء كلامه في الرد على الرافضي. . . إلخ) ا. هـ.
فأفادنا هذا النص فائدتين: أولاهما: اتجاه عناية الحافظ ابن عبد الهادي إلى الانتخاب من كتب شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية. وثانيتهما: أن هذا الجزء الذي طبع باسم "رسالة لطيفة" قد كان في الأصل في أثناء كلام للحافظ ابن عبد الهادي، فلم لا يكون هذا المنتخب الذي بين أيدينا أصله جزء آخر من ذلك الكلام؟ الله أعلم.
٣ - ليس هناك في هذا الجزء ما يدفع نسبته لابن عبد الهادي، بل في تضاعيفه ما يؤكد أنه له، فكثيرًا ما يطلق المنتخِب لقب "شيخنا" على شيخ الإسلام ابن تيمية.
وبكل حال فليس في هذا الجزء ما ينسب لابن عبد الهادي سوى
1 / 12
الجمع والانتخاب ونسبة ذلك لشيخ الإسلام ابن تيمية، وقد ثبت بتتبع أكثر نصوصه أنها من كلام شيخ الإسلام واختياراته من خلال مصادر أخرى، وأما النصوص التي لم أقف عليها في مصادر أخرى فنَفَس شيخ الإسلام يفوح منها.
وصف النسخة الخطية:
اعتمدت في إخراج هذا الجزء على نسخة خطية وحيدة، محفوظة في "دار الكتب الظاهرية" بدمشق، وقد حصلت على نسخة مصورة منها من مصورتها المحفوظة في "قسم المخطوطات بجامعة الإمام" بالرياض، تحت الرقم: (١٨٦٣ / ف).
وعدد أوراق النسخة: (٥٤)، ولم يكتب عليها تاريخ نسخها ولا اسم ناسخها، كما لم أر فيها ما يدل على أصلها الذي نسخت منه، ولا ما يفيد مقابلتها عليه أو على غيره، بل حال النسخة يشهد بأنها لم تقابل ولم تصحح كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
وجاء على طرة النسخة التوقيفة التالية: (وقف أحمد بن يحيى النجدي، المحل: مدرسة أبي عمر في الصالحية) ا. هـ، وجاء على الورقة الأولى منها: (طالعه جميعه مالكه أحمد بن يحيى بن عطوة، ولله الحمد والمنة) ا. هـ
وهذا يفيد أنها نُسخت قبل القرن العاشر أو في أوائله، لأن الشيخ ابن عطوة توفي سنة (٩٤٨)، وهو من علماء نجد المشاهير، وترجم له غير واحد، وأوفى من ترجم له: الشيخ عبد الله البسام في كتابه الفريد "علماء نجد. . .": (١/ ٥٤٤ - ٥٥٢)، ومما ذكر في ترجمته قوله: (وحصَّل المترجَم كتبًا كثيرة جدا، وعند خروجه [من
1 / 13
الشام] إلى نجد وقف الكثير منها على "مدرسة أبي عمر". . . . وفي إحدى سفراتي إلى دمشق زرت المكتبة الظاهرية، ودخلت "خزانة المخطوطات"، فوجدت الكثير منها من كتب المترجَم التي وقفها، ومكتوب عليها هذه العبارة: "وقف أحمد بن يحيى النجدي، المحل: مدرسة أبي عمر بالصالحية") ا. هـ
والنسخة خطها مقروء، لكنها -مع الأسف الشديد- غير جيدة، فهي مليئة بالتصحيف والتحريف، والسقط والتكرار، وهذا يؤكد ما ذكرت آنفًا من أنها لم تقابل.
لذا كان مما لا بد منه تتبع ما نقل في الجزء من اختيارات وأقوال الشيخ في فتاويه ومصنفاته التي وصلتنا، وقد منَّ الله تعالى بالوقوف على أكثر ذلك إما نصا أو معنى، وقد عزوت ذلك في الحواشي، فإن كان نص الكلام موجودًا في مصدر آخر أكتفي بالإحالة عليه، وأما إن كان فيه بعض الاختلاف فأصدِّر الإحالة بكلمة: (انظر)، فإن أهملت العزو فذلك علامة على عدم وقوفي عليه.
وأما تصحيح الأخطاء التي في النسخة فله حالان:
الأول: ما كان في النصوص التي وقفت عليها في مصادر أخرى، فأصححها منها، وأنبه على ذلك في الحاشية.
والثاني: ما كان فيما لم أقف عليه في مصدر آخر، فإن كان تصحيفًا أثبت ما أرى أنه الصواب بين معقوفتين، وأنبه في الحاشية على الذي بالأصل، وأما إذا ظهر لي أن في الكلام سقطًا، فأجتهد في استدراك الساقط، وأضعه بين معقوفتين، ولكثرة ذلك تركت التنبيه عليه في الحاشية اكتفاءً بهذا التنويه، فكل ما كان بين معقوفتين ولم
1 / 14
أعلق عليه فهو مما اجتهدت في استدراكه، والله الموفق للصواب.
اسم الجزء:
ليس هناك اسم واضح لهذا الجزء، والذي يبدو أن الحافظ ابن عبد الهادي لم يسمه، وجميع الأسماء التي أطلقت عليه هي من تصرف الناسخ والملاك، وهي لا تعبر عن مضمونه، ومن تلك الأسماء التي أطلقت عليه:
١ - (فروع لعبد الهادي المقدسي الحنبلي) وبهذا الاسم ورد في "فهرس مخطوطات جامعة الإمام"، وهذا فضلًا عن كونه لا يعبر عن مضمون الجزء فيه خطأ في ذكر اسم المنتخِب.
٢ - ومنها: (فتاوى محمد بن عبد الهادي المقدسي) وهذا هو الاسم الذي ورد في "فهرس مخطوطات دار الكتب الظاهرية - المجاميع" لياسين السواس: (٢/ ١٠٢)، وهو مخالف تمامًا لمضمون الجزء.
٣ - ومنها: (جزء يشتمل على فروع، جمع الشيخ الإمام العلامة شمس الدين محمَّد بن عبد الهادي المقدسي الحنبلي رحمة الله عليه، اختيار شيخ الإسلام ﵁، وهو العنوان المثبت على طرة الجزء، وهذا وإن كان أقرب الأسماء إلى مضمون الجزء إلا أنه لا يفي بالغرض.
لذا اجتهدت في اختيار اسم أرجو أن يكون مناسبًا لمضمون الجزء، وهو: "المنتخب من أقوال واختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية"، واستفدت في ذلك من كلمة الحافظ ابن رجب السالفة: (وله. . . منتخبات في أنواع العلم) ا. هـ
ثم بعد ذلك أشار علي عدد من الإخوة بتعديل الاسم لطوله، كما أشار
1 / 15
فضيلة الشيخ / بكر أبو زيد، بتسميته "اختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية"، وهو مقارب لما جاء على النسخة الخطية، فكانت تسميته بذلك، والله الموفق.
وفي ختام هذه المقدمة أتوجه بالشكر للإخوة الأفاضل الذين تفضلوا بقراءة الجزء قبل طبعه، والذين أفدت من ملحوظاتهم، فجزاهم الله خيرًا.
وأسأل الله ﷿ أن ينفع بهذا العمل، وأن يغفر لي ولوالدي ولمشايخي وللمسلمين، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمَّد الأمين، وآله وصحبه والتابعين.
وكتب
سامي بن محمَّد بن جاد الله
٢٤/ ٦ / ١٤٢١ (^١)
الرياض
_________
(^١) ثم أعدت النظر فيه في شهر ذي القعدة، من سنة ١٤٢٢، وكان قد صدر في هذه الفترة مجموع بعنوان "المجموعة العلية من كتب ورسائل وفتاوى ابن تيمية"، جمع وتحقيق: الشيخ / هشام بن إسماعيل الصيني، ومجموع آخر بعنوان "جامع المسائل" جمع وتحقيق: الشيخ / محمد عزير شمس، وقد حوى هذان المجموعان كتبًا وفتاوى لشيخ الإسلام تنشر لأول مرة، فأعدت النظر في المواضع التي كنت لم أقف عليها، فوجدت عدة مواضع منها مذكورة في هاذين المجموعين، فأثبت العزو إليهما، والحمد لله على توفيقه.
1 / 16
نموذج من النسخ الخطية: صورة من الورقة التي كتب عليها العنوان
1 / 17
نموذج من النسخ الخطية: صورة من الورقة الأولى للجزء
1 / 18
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمَّد، وآله وصحبه وسلم.
فصل
١ - ذهب شيخنا ﵀ إلى أنَّ الحاجم والمحجوم يفطران، وكذلك المفصود، ولا يفطر عنده الفاصد ولا المشروط ولا الشارط (^١).
٢ - وذهب إلى أنَّ من احتقن، أو اكتحل، أو قطر في إحليله، أو داوى المأمومة أو الجائفة بما يصل إلى جوفه، أو ابتلع ما لا يغذّي -كالحصاة-، لا يفطر (^٢).
٣ - وذهب إلى أنَّ من أكل يظنُّه ليلًا فبان نهارًا، فلا قضاء عليه (^٣).
٤ - وذهب إلى أنَّ من رأى هلال رمضان وحده لا يصوم، وكذلك من رأى هلال شوال وحده لا يفطر، لا سرًّا ولا جهرًا (^٤).
_________
(^١) "الفتاوى": (٢٥/ ٢٥٦ - ٢٥٨)، وانظر: "الاختيارات" للبعلي: (١٦٠).
(^٢) "الفتاوى": (٢٥/ ٢٣٣ - ٢٣٤، ٢٠/ ٥٢٨)، وانظر: "الاختيارات" للبعلي: (١٦٠).
(^٣) "الفتاوى": (٢٠/ ٥٧١ - ٥٧٣)، "العقود الدرية": (ص: ٣٣٨)، "الاختيارات" للبعلي: (١٦١)، وانظر: "الفتاوى": (٢٥/ ٢١٦ - ٢١٧).
(^٤) "الفتاوى": (٢٥/ ١١٤ - ١١٥، ٢٠٤)، وانظر: "الاختيارات" للبعلي: (١٥٨).
1 / 21
٥ - وذهب إلى عدم وجوب صوم الثلاثين [من] شعبان إذا غمَّ الهلال، وضعَّف القول بالتحريم والقول بالوجوب تضعيفًا كثيرًا، ومال إلى أنَّ الصوم مندوبٌ أو جائزٌ (^١).
وذكر في بعض مؤلَّفاته أنَّ القول بوجوب الصوم بدعةٌ، وأنَّه لا يعرف عن أحد من السلف.
٦ - قال [. . .] (^٢): (ليس لولي الصبي (^٣) إلباسه الحرير في [أظهر] (^٤) قولي العلماء) (^٥)
٧ - وذهب إلى أنَّ ذوات الأسباب -كتحية المسجد، والركعتين عقيب الوضوء، وغير ذلك- تفعل في أوقات النهي (^٦).
٨ - وذهب إلى جواز دفع الزكاة إلى جميع الأقارب، كالجدَّة والابن وغيرهما (^٧).
٩ - وذهب إلى أنَّ الجمعة والجماعة لا يدركان إلَّا بركعةٍ (^٨).
_________
(^١) "الفتاوى": (٢٥/ ٩٨ - ١٠٠، ١٢٢ - ١٢٥)، "الاختيارات" للبرهان ابن ابن القيم (رقم: ٨٩)، "الاختيارات" للبعلي: (١٥٩).
(^٢) أقحمت هنا كلمة: (وذهب) فحذفتها.
(^٣) كذا بالأصل، وفي "الفتاوى": (اليتيم).
(^٤) سقطت من الأصل، فاستدركت من "الفتاوى".
(^٥) "الفتاوى": (٣٠/ ٥١)، وانظر: "الاختيارات": (١١٥).
(^٦) "الفتاوى": (٢٣/ ١٩١ - ١٩٩، ٢١٠، ٢١٩، ٢٢١)، "الاختيارات" للبعلي: (١٠١).
(^٧) "الفتاوى": (٢٣/ ٩١ - ٩٢)، وانظر: "الاختيارات" للبعلي: (١٥٤ - ١٥٥).
(^٨) "الفتاوى": (٢٣/ ٢٤٣، ٢٥٥ - ٢٥٦، ٣٣٠ - ٣٣١)، وانظر: "الاختيارات" للبعلي: (١٠٤).
1 / 22
١٠ - وذهب إلى أنَّ من جامع في رمضان ناسيًا أو مخطئًا لا قضاء عليه ولا كفارة (^١).
١١ - وذهب إلى أنَّ الحجَّ لا يبطل بفعل شيء من المحظورات -لا الجماع ولا غيره- إذا كان ناسيًا أو مخطئًا، [و] لا يضمن إلا الصيد (^٢).
١٢ - وقال [. . .] (^٣): (من أدرك مع الإمام بعض الصلاة وقام يقضي، فأتمَّ به آخرون جاز ذلك [في] (^٤) أظهر القولين) (^٥).
١٣ - وذهب إلى أنَّ الماء المغيَّر بالطاهرات، لا يسلب الطهورية، بل يجوز الوضوء به ما دام يسمَّى ماءً (^٦).
١٤ - وذهب إلى أنَّ الماء والمائعات لا تنجس إلا بالتغيُّر (^٧).
١٥ - وذهب إلى أنَّ بول ما يؤكل لحمه وروثه طاهرٌ، وذكر أنَّ القول بنجاسة ذلك قولٌ محدثٌ، لا سلف له من الصحابة (^٨).
١٦ - وذهب إلى أنَّ الأرض تطهر إذا أصابتها نجاسةٌ ثم ذهبت بالشمس
_________
(^١) "الفتاوى": (٢٥/ ٢٢٦، ٢٢٨).
(^٢) "الفتاوى": (٢٥/ ٢٢٦ - ٢٢٧).
(^٣) أقحمت هنا في الأصل كلمة: (وذهب).
(^٤) في الأصل: (من).
(^٥) انظر: "الفتاوى": (٢٢/ ٢٥٧).
(^٦) "الفتاوى": (٢١/ ٢٤ - ٢٥، ٣٣١)، "العقود الدرية": (ص: ٣٣٩)، "الاختيارات" للبرهان ابن ابن القيم: (رقم: ٧٤)، "الاختيارات" للبعلي: (٨).
(^٧) "الفتاوى": (٢١/ ٣٠ - ٣٢)، "العقود الدرية": (ص: ٣٣٩)، "الاختيارات" للبرهان ابن ابن القيم: (رقم: ٤٠)، "الاختيارات" للبعلي: (١٠ - ١١).
(^٨) "الفتاوى": (٢١/ ٦١٣)، "الاختيارات" للبعلي: (٤٢).
1 / 23
أو الريح ونحو ذلك، وأنَّه يصلَّى عليها، ويتيمَّم بها (^١).
١٧ - وذهب إلى أنَّ الخمرة إذا قصد تخليلها لا تطهر بحالٍ (^٢).
١٨ - وذهب إلى أنَّ النجاسات تطهر بالاستحالة (^٣).
١٩ - وذهب إلى أنَّ طين الشوارع [طاهرٌ] (^٤) إذا لم يظهر [به] (^٥) أثر النجاسة، فإن [تيقن] (^٦) أنَّ النجاسة فيه عفي عن يسيره (^٧).
٢٠ - وقال: (الصحيح الذي عليه جمهور العلماء أنَّ جلد الكلب -بل سائر السباع- لا يطهر بالدباغ) (^٨).
وقال في موضع آخر: (السنة تدلُّ على أنَّ الدباغ كالذكاة) (^٩).
٢١ - وذكر خلاف الفقهاء في من قال: عليَّ مالٌ عظيمٌ، أو: خطيرٌ، أو: كبيرٌ، أو: جليلٌ؛ ثم قال: (والأرجح في مثل هذا أن يرجع إلى عرف المتكلِّم، فما كان يسمِّيه مثله كثيرًا حمل على مطلق كلامه،
_________
(^١) "الفتاوى": (٢١/ ٤٨٣)، "الاختيارات" للبعلي: (٤١).
(^٢) انظر: "الفتاوى": (٢١/ ٥٠٣)، "الاختيارات" للبعلي: (٣٩).
(^٣) "الفتاوى": (٢١/ ٧٠، ٢٠٩، ٤٧٨ - ٤٨١)، "الاختيارات" للبرهان ابن ابن القيم: (رقم: ٥٩)، وانظر: "الاختيارات" للبعلي: (٣٩).
(^٤) في الأصل: (طاهرا).
(^٥) في الأصل: (منه)، والمثبت من المصدر.
(^٦) في الأصل: (تعين)، والمثبت من المصدر.
(^٧) "الفتاوى": (٢١/ ٤٨٢)، "الاختيارات" للبعلي: (٤٠ - ٤١، ٤٣).
(^٨) "منهاج السنة النبوية": (٣/ ٤٢٨).
(^٩) "الفتاوى": (٢١/ ٥١٨)، وانظر: "الاختيارات" للبرهان ابن ابن القيم: (رقم: ٧٩)، "الاختيارات" للبعلي: (٤٢).
1 / 24