بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْجَوْهَرِيِّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَهُوَ يَسْمَعُ وَأَنَا أَسْمَعُ فَأَقَرَّ بِهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ زَكَرِيَّا بْنِ حَيْوَيةُ قِرَاءَةً عَلَيْهِ، وَأَنَا أَسْمَعُ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَيْفٍ السِّجِسْتَانِيُّ حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إدْرِيسَ الْمُطَّلِبِيُّ الشَّافِعِيُّ ﵁.
الْحَمْدُ لِلَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ وَكَمَا يَنْبَغِي لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
(أَمَّا بَعْدُ) فَإِنَّ اللَّهَ - جَلَّ ثَنَاؤُهُ - وَضَعَ رَسُولَهُ مَوْضِعَ الْإِبَانَةِ لِمَا افْتَرَضَ عَلَى خَلْقِهِ فِي كِتَابِهِ ثُمَّ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ ﷺ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَا افْتَرَضَ عَلَى لِسَانِهِ نَصًّا فِي كِتَابِ اللَّهِ فَأَبَانَ فِي كِتَابِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَهْدِي إلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ صِرَاطِ اللَّهِ فَفَرَضَ عَلَى الْعِبَادِ طَاعَتَهُ وَأَمَرَهُمْ بِأَخْذِ مَا آتَاهُمْ وَالِانْتِهَاءِ عَمَّا نَهَاهُمْ عَنْهُ وَكَانَ فَرْضُهُ عَلَى كُلِّ مَنْ عَايَنَ رَسُولَهُ، وَمَنْ بَعْدَهُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَاحِدًا فِي أَنَّ عَلَى كُلٍّ طَاعَتَهُ وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ غَابَ عَنْ رُؤْيَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَعْلَمُ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ إلَّا بِالْخَبَرِ عَنْهُ وَأَوْجَبَ اللَّهُ - جَلَّ ثَنَاؤُهُ - عَلَى عِبَادِهِ حُدُودًا وَبَيْنَهُمْ حُقُوقًا فَدَلَّ عَلَى أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ بِشَهَادَاتٍ وَالشَّهَادَاتُ أَخْبَارٌ وَدَلَّ فِي كِتَابِهِ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ أَنَّ الشُّهُودَ فِي الزِّنَا أَرْبَعَةٌ وَأَمَرَ فِي الدَّيْنِ بِشَاهِدَيْنِ أَوْ شَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ.
وَفِي الْوَصَايَا بِشَاهِدَيْنِ وَكَانَتْ حُقُوقٌ سِوَاهَا بَيْنَ النَّاسِ لَمْ يَذْكُرْ فِي الْقُرْآنِ عَدَدَ الشُّهُودِ فِيهَا مِنْهَا: الْقَتْلُ وَغَيْرُهُ أُخِذَ عَدَدُ الشُّهُودِ فِيهَا مِنْ سُنَّةٍ أَوْ إجْمَاعٍ وَأُخِذَ أَنْ يُقْتَلَ فِي غَيْرِ الزِّنَا وَيُقْطَعُ وَتُؤْخَذُ الْحُقُوقُ مِنْ جَمِيعِ الْجِهَاتِ بِشَاهِدَيْنِ بِقَوْلِ الْأَكْثَرِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَلَمْ يَجْعَلُوهُ قِيَاسًا عَلَى الزِّنَا، وَأَخَذَ أَنْ تُؤْخَذَ الْأَمْوَالُ بِشَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ لِذِكْرِ اللَّهِ إيَّاهُمَا فِي الدَّيْنِ وَهُوَ مَالٌ وَاخْتَرْنَا أَنْ يُؤْخَذَ الْمَالُ بِيَمِينٍ وَشَاهِدٍ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَاخْتَرْنَا أَنْ يَجِبَ الْحَقُّ فِي الْقَسَامَةِ بِدَلَائِلَ قَدْ وَصَفْنَاهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَ الدَّلَائِلِ شَاهِدٌ بِالْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ فَكَانَ مَا فَرَضَ اللَّهُ مِنْ الْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ مُؤَدِّي خَبَرًا كَمَا تُؤَدِّي الشَّهَادَاتُ خَبَرًا، وَشَرَطَ فِي الشُّهُودِ ذَوِي عَدْلٍ وَمَنْ نَرْضَى وَكَانَ الْوَاجِبُ أَنْ لَا يُقْبَلَ خَبَرُ أَحَدٍ عَلَى شَيْءٍ يَكُونُ لَهُ حُكْمٌ حَتَّى يَكُونَ عَدْلًا فِي نَفْسِهِ وَرِضًا فِي خَبَرِهِ، وَكَانَ بَيِّنًا إذْ افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْنَا قَبُولَ أَهْلِ الْعَدْلِ أَنَّهُ إنَّمَا كَلَّفَنَا الْعَدْلَ عِنْدَنَا مَا يَظْهَرُ لَنَا لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ مَغِيبِ غَيْرِنَا فَلَمَّا تَعَبَّدَنَا اللَّهُ بِقَبُولِ الشُّهُودِ عَلَى الْعَدَالَةِ عِنْدَنَا وَدَلَّتْ السُّنَّةُ عَلَى إنْفَاذِ الْحُكْمِ بِشَهَادَاتِهِمْ، وَشَهَادَاتُهُمْ أَخْبَارٌ دَلَّ عَلَى أَنَّ قَبُولَ قَوْلِهِمْ وَعَدَدِهِمْ تَعَبُّدٌ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ مِنْهُمْ عَدَدٌ إلَّا، وَفِي النَّاسِ أَكْثَرُ مِنْهُ وَكَانَ فِي قَبُولِهِمْ عَلَى اخْتِلَافِهِمْ مَقْبُولًا مِنْ وُجُوهٍ مِمَّا وَصَفْت مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ قَوْلِ عَوَامِّ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ مَا ثَبَتَ وَشُهِدَ بِهِ عِنْدَنَا مَنْ قَطَعْنَا الْحُكْمَ بِشَهَادَتِهِ
8 / 587
إحَاطَةً عِنْدَنَا عَلَى الْمَغِيبِ وَلَكِنَّهُ صِدْقٌ عَلَى الظَّاهِرِ بِصِدْقِ الْمُخْبِرِ عِنْدَنَا، وَإِنْ أَمْكَنَ فِيهِ الْغَلَطُ فَفِيهِ مَا دَلَّ عَلَى الْفَرْضِ عَلَيْنَا مِنْ قَبُولِ الْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا يُؤْخَذُ عَدَدُ مَنْ يُقْبَلُ خَبَرُهُ عَنْهُ ﷺ إلَّا بِأَحَدِ الدَّلَائِلِ الَّتِي قَبِلْنَا بِهَا عَدَدًا مِنْ الشُّهُودِ فَرَأَيْنَا الدَّلَالَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِقَبُولِ خَبَرِ الْوَاحِدِ عَنْهُ فَلَزِمَنَا - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنْ نَقْبَلَ خَبَرَهُ إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّدْقِ كَمَا لَزِمَنَا قَبُولُ عَدَدِ مَنْ وَصَفْت عَدَدَهُ فِي الشَّهَادَةِ بَلْ قَبُولُ خَبَرِ الْوَاحِدِ عَنْهُ أَقْوَى سَبَبًا بِالدَّلَالَةِ عَنْهُ ثُمَّ مَا لَمْ أَعْلَمْ فِيهِ خِلَافًا مِنْ أَحَدٍ مِنْ مَاضِي أَهْلِ الْعِلْمِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ وَتَابِعِيهِمْ إلَى الْيَوْمِ خَبَرًا نَصًّا مِنْهُمْ وَدَلَالَةً مَعْقُولَةً عَنْهُمْ مِنْ قَبُولِ عَدَدِ الشُّهُودِ فِي بَعْضِ مَا قَبِلْنَا فِيهِ.
وَقَدْ كَتَبْتُ فِي كِتَابِ " جِمَاعِ الْعِلْمِ " الدَّلِيلَ عَلَى مَا وَصَفْت مِمَّا اكْتَفَيْت فِي رَدِّ كَثِيرٍ مِنْهُ فِي كِتَابِي هَذَا وَقَدْ رَدَدْت مِنْهُ جُمَلًا تَدُلُّ مَنْ لَمْ يَحْفَظْ كِتَابَ جِمَاعِ الْعِلْمِ عَلَى مَا وَرَاءَهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: أَفَيَكُونُ الْإِخْبَارُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَاحِدًا أَوْ أَكْثَرَ؟ قِيلَ: الْخَبَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ خَبَرَانِ فَخَبَرُ عَامَّةٍ عَنْ عَامَّةٍ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ يَحْمِلُ مَا فُرِضَ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَأْتُوا بِهِ بِأَلْسِنَتِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ وَيُؤْتُوا بِهِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَهَذَا مَا لَا يَسَعُ جَهْلُهُ وَمَا كَانَ عَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْعَوَامِّ أَنْ يَسْتَوُوا فِيهِ لِأَنَّ كُلًّا كُلِّفَهُ كَعَدَدِ الصَّلَاةِ وَصَوْمِ رَمَضَانَ وَتَحْرِيمِ الْفَوَاحِشِ وَأَنَّ لِلَّهِ عَلَيْهِمْ حَقًّا فِي أَمْوَالِهِمْ وَخَبَرُ خَاصَّةٍ فِي خَاصِّ الْأَحْكَامِ لَمْ يُكَلَّفْهُ الْعَامَّةُ لَمْ يَأْتِ أَكْثَرُهُ كُلَّمَا جَاءَ الْأَوَّلُ وَكُلِّفَ عَلِمَ ذَلِكَ مَنْ فِيهِ الْكِفَايَةُ لِلْخَاصَّةِ بِهِ دُونَ الْعَامَّةِ وَهَذَا مِثْلُ مَا يَكُونُ مِنْهُمْ فِي الصَّلَاةِ سَهْوٌ يَجِبُ بِهِ سُجُودُ السَّهْوِ مَا يَكُونُ مِنْهُمْ فِيمَا لَا يَجِبُ بِهِ سُجُودُ سَهْوٍ، وَمَا يُفْسِدُ الْحَجَّ وَمَا لَا يُفْسِدُهُ وَمَا تَجِبُ بِهِ الْبَدَنَةُ وَلَا تَجِبُ مِمَّا يُفْعَلُ مِمَّا لَيْسَ فِيهِ نَصُّ كِتَابٍ، وَهُوَ الَّذِي عَلَى الْعُلَمَاءِ فِيهِ عِنْدَنَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَبُولُ خَبَرِ الصَّادِقِ عَلَى صِدْقِهِ وَلَا يَسَعُهُمْ رَدُّهُ كَمَا لَا يَسَعُهُمْ رَدُّ الْعَدَدِ مِنْ الشُّهُودِ الَّذِينَ قَبِلُوا شَهَادَتَهُمْ وَهُوَ حَتَّى صَدَقَ عِنْدَهُمْ عَلَى الظَّاهِرِ كَمَا يُقَالُ فِيمَا شَهِدَ بِهِ الشُّهُودُ فَمَنْ أَدْخَلَ فِي شَيْءٍ مِنْ قَبُولِ خَبَرِ الْوَاحِدِ شَيْئًا دَخَلَ عَلَيْهِ فِي قَبُولِ عَدَدِ الشُّهُودِ الَّذِينَ لَيْسُوا بِنَصٍّ فِي كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ مِثْلُ الشُّهُودِ عَلَى الْقَتْلِ وَغَيْرِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَأَيْنَ الدَّلَالَةُ عَلَى قَبُولِ خَبَرِ الْوَاحِدِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ؟ قِيلَ لَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ كَانَ النَّاسُ مُسْتَقْبِلِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ ثُمَّ حَوَّلَهُمْ اللَّهُ إلَى الْبَيْتِ الْحَرَامِ فَأَتَى أَهْلَ قُبَاءَ آتٍ وَهُمْ فِي الصَّلَاةِ فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ عَلَى رَسُولِهِ كِتَابًا وَأَنَّ الْقِبْلَةَ حُوِّلَتْ إلَى الْبَيْتِ الْحَرَامِ فَاسْتَدَارُوا إلَى الْكَعْبَةِ وَهُمْ فِي الصَّلَاةِ وَأَنَّ أَبَا طَلْحَةَ وَجَمَاعَةً كَانُوا يَشْرَبُونَ فَضِيخَ بُسْرٍ وَلَمْ يُحَرَّمْ يَوْمَئِذٍ مِنْ الْأَشْرِبَةِ شَيْءٌ فَأَتَاهُمْ آتٍ فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ الْخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ فَأَمَرُوا أُنَاسًا فَكَسَرُوا جِرَارَ شَرَابِهِمْ ذَلِكَ وَلَا شَكَّ أَنَّهُمْ لَا يُحْدِثُونَ فِي مِثْلِ هَذَا إلَّا ذَكَرُوهُ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَيُشْبِهُ أَنْ لَوْ كَانَ قَبُولُ خَبَرِ مَنْ أَخْبَرَهُمْ وَهُوَ صَادِقٌ عِنْدَهُمْ مِمَّا لَا يَجُوزُ لَهُمْ قَبُولُ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ قَدْ كُنْتُمْ عَلَى قِبْلَةٍ، وَلَمْ يَكُنْ لَكُمْ أَنْ تُحَوَّلُوا عَنْهَا إذْ كُنْت حَاضِرًا مَعَكُمْ حَتَّى أُعْلِمَكُمْ أَوْ يُعْلِمَكُمْ جَمَاعَةٌ أَوْ عَدَدٌ يُسَمِّيهِمْ لَهُمْ وَيُخْبِرُهُمْ أَنَّ الْحُجَّةَ تَقُومُ عَلَيْهِمْ بِمِثْلِهَا لَا بِأَقَلَّ مِنْهَا إنْ كَانَتْ لَا تَثْبُتُ عِنْدَهُ بِوَاحِدٍ وَالْفَسَادُ لَا يَجُوزُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَلَا عِنْدَ عَالَمٍ وَهِرَاقَةُ حَلَالٍ فَسَادٌ فَلَوْ لَمْ تَكُنْ الْحُجَّةُ أَيْضًا تَقُومُ عَلَيْهِمْ بِخَبَرِ مَنْ أَخْبَرَهُمْ بِتَحْرِيمٍ لَأَشْبَهَ أَنْ يَقُولَ قَدْ كَانَ لَكُمْ حَلَالٌ وَلَمْ يَكُنْ لَكُمْ إفْسَادُهُ حَتَّى أُعْلِمَكُمْ أَنَّ اللَّهَ - جَلَّ وَعَزَّ - حَرَّمَهُ أَوْ يَأْتِيَكُمْ عَدَدٌ يَحُدُّهُ لَهُمْ يُخْبِرُ عَنِّي بِتَحْرِيمِهِ.
«وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أُمَّ سَلَمَةَ أَنْ تُعْلِمَ امْرَأَةً أَنْ تُعْلِمَ زَوْجَهَا إنْ قَبَّلَهَا وَهُوَ صَائِمٌ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ» وَلَوْ لَمْ يَرَ الْحُجَّةَ تَقُومُ عَلَيْهِ بِخَبَرِهَا إذَا صَدَقَهَا لَمْ يَأْمُرْهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ بِهِ «وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ أُنَيْسًا الْأَسْلَمِيَّ أَنْ يَغْدُوَ عَلَى امْرَأَةِ رَجُلٍ فَإِنْ اعْتَرَفَتْ رَجَمَهَا فَاعْتَرَفَتْ فَرَجَمَهَا» وَفِي ذَلِكَ إفَاتَةُ
8 / 588
نَفْسِهَا بِاعْتِرَافِهَا عِنْدَ أُنَيْسٍ وَهُوَ وَاحِدٌ «وَأَمَرَ عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ أَنْ يَقْتُلَ أَبَا سُفْيَانَ وَقَدْ سَنَّ عَلَيْهِ إنْ عَلِمَهُ أَسْلَمَ لَمْ يَحِلَّ لَهُ قَتْلُهُ» وَقَدْ يُحْدِثُ الْإِسْلَامَ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَهُ عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ «وَأَمَرَ أُنَيْسًا أَوْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُنَيْسٍ شَكَّ الرَّبِيعُ أَنْ يَقْتُلَ خَالِدَ بْنَ سُفْيَانَ الْهُذَلِيَّ فَقَتَلَهُ» وَمِنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لَوْ أَسْلَمَ أَنْ لَا يَقْتُلَهُ وَكُلُّ هَؤُلَاءِ مِنْ مَعَانِي وُلَاتِهِ وَهُمْ وَاحِدٌ وَاحِدٌ فَتَصَوَّرْ الْحُكْمَ بِأَخْبَارِهِمْ.
وَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ بِعُمَّالِهِ وَاحِدًا وَاحِدًا وَرُسُلِهِ وَاحِدًا وَاحِدًا وَإِنَّمَا بَعَثَ عُمَّالَهُ لِيُخْبِرُوا النَّاسَ بِمَا أَخْبَرَهُمْ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ مِنْ شَرَائِعِ دِينِهِمْ وَيَأْخُذُوا مِنْهُمْ مَا أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَيُعْطُوهُمْ مَا لَهُمْ وَيُقِيمُوا عَلَيْهِمْ الْحُدُودَ وَيُنَفِّذُوا فِيهِمْ الْأَحْكَامَ وَلَمْ يَبْعَثْ مِنْهُمْ وَاحِدًا إلَّا مَشْهُورًا بِالصِّدْقِ عِنْدَ مَنْ بَعَثَهُ إلَيْهِ وَلَوْ لَمْ تَقُمْ الْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ بِهِمْ إذْ كَانُوا فِي كُلِّ نَاحِيَةٍ وَجَّهَهُمْ إلَيْهَا أَهْلُ صِدْقٍ عِنْدَهُمْ مَا بَعَثَهُمْ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَبَعَثَ أَبَا بَكْرٍ وَالِيًا عَلَى الْحَجِّ فَكَانَ فِي مَعْنَى عُمَّالِهِ ثُمَّ بَعَثَ عَلِيًّا بَعْدَهُ بِأَوَّلِ سُورَةِ بَرَاءَةٌ فَقَرَأَهَا فِي مَجْمَعِ النَّاسِ فِي الْمَوْسِمِ وَأَبُو بَكْرٍ وَاحِدٌ وَعَلِيٌّ وَاحِدٌ وَكِلَاهُمَا بَعَثَهُ بِغَيْرِ الَّذِي بَعَثَ بِهِ صَاحِبَهُ وَلَوْ لَمْ تَكُنْ الْحُجَّةُ تَقُومُ عَلَيْهِمْ بِبَعْثَتِهِ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إذَا كَانَا مَشْهُورَيْنِ عِنْدَ عَوَامِّهِمْ بِالصِّدْقِ وَكَانَ مَنْ جَهِلَهُمَا مِنْ عَوَامِّهِمْ يَجِدُ مَنْ يَثِقُ بِهِ مِنْ أَصْحَابِهِ يَعْرِفُ صِدْقَهُمَا مَا بَعَثَ مِنْهُمَا وَاحِدًا فَقَدْ بَعَثَ عَلِيًّا يُعْطِيهِمْ نَقْضَ مُدَدٍ وَإِعْطَاءَ مُدَدٍ وَنَبَذَ إلَى قَوْمٍ، وَنَهَى عَنْ أُمُورٍ وَأَمَرَ بِأُخْرَى وَمَا كَانَ لِأَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بَلَّغَهُ عَلِيٌّ أَنَّ لَهُمْ مُدَّةَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ أَنْ يُعَرَّضَ لَهُمْ فِي مُدَّتِهِمْ وَلَا مَأْمُورٍ بِشَيْءٍ وَلَا مُنْهًى عَنْهُ بِرِسَالَةِ عَلِيٍّ أَنْ يَقُولَ لَهُ: أَنْتَ وَاحِدٌ وَلَا تَقُومُ عَلَيَّ الْحُجَّةُ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ بَعَثَك إلَيَّ بِنَقْضِ شَيْءٍ جَعَلَهُ لِي وَلَا بِإِحْدَاثِ شَيْءٍ لَمْ يَكُنْ لِي وَلَا لِغَيْرِي وَلَا بِنَهْيٍ عَنْ أَمْرٍ لَمْ أَعْلَمْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ نَهَى عَنْهُ، وَلَا بِإِحْدَاثِ أَمْرٍ لَمْ أَعْلَمْ رَسُولَ اللَّهِ أَحْدَثَهُ وَمَا يَجُوزُ هَذَا لِأَحَدٍ فِي شَيْءٍ قَطَعَهُ عَلَيْهِ عَلِيٌّ بِرِسَالَةِ النَّبِيِّ، وَلَا أَعْطَاهُ إيَّاهُ وَلَا أَمَرَهُ بِهِ وَلَا نَهَاهُ عَنْهُ بِأَنْ يَقُولَ لَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ أَوْ يَنْقُلْهُ إلَيَّ عَدَدٌ أَوْ لَا أَقْبَلُ فِيهِ خَبَرَكَ وَأَنْتَ وَاحِدٌ وَلَا كَانَ لِأَحَدٍ وَجَّهَ رَسُولُ اللَّهِ عَامِلًا يَعْرِفُهُ أَوْ لَا يَعْرِفُهُ لَهُ مَنْ يُصَدِّقُهُ صَدَّقَهُ أَنْ يَقُولَ لَهُ الْعَامِلُ: عَلَيْك أَنْ تُعْطِيَ كَذَا وَكَذَا أَوْ نَفْعَلَ بِك كَذَا فَيَقُولُ لَا أَقْبَلُ هَذَا مِنْك لِأَنَّك وَاحِدٌ حَتَّى أَلْقَى رَسُولَ اللَّهِ فَيُخْبِرُنِي أَنَّ عَلَيَّ مَا قُلْت إنَّهُ عَلَيَّ فَأَفْعَلُهُ عَنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ لَا عَنْ خَبَرِك وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَغْلَطَ أَوْ يَجْهَلَ بَيِّنَةً عَامَّةً بِشَرْطٍ فِي عَدَدِهِمْ وَإِجْمَاعِهِمْ عَلَى الْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَشَهَادَتِهِمْ مَعًا أَوْ مُتَفَرِّقِينَ ثُمَّ لَا يَذْكُرُ أَحَدٌ مِنْ خَبَرِ الْعَامَّةِ عَدَدًا أَبَدًا إلَّا وَفِي الْعَامَّةِ عَدَدٌ أَكْثَرُ مِنْهُ وَلَا مِنْ اجْتِمَاعِهِمْ حِينَ يُخْبِرُونَ وَتَفَرُّقُهُمْ تَثْبِيتًا إلَّا أَمْكَنَ فِي زَمَانِ النَّبِيِّ ﷺ أَوْ بَعْضِ زَمَانِهِ حِينَ كَثُرَ أَهْلُ الْإِسْلَامِ فَلَا يَكُونُ لِتَثْبِيتِ الْأَخْبَارِ غَايَةٌ أَبَدًا يَنْتَهِي إلَيْهَا ثُمَّ لَا يَكُونُ هَذَا لِأَحَدٍ مِنْ النَّاسِ أَجْوَزُ مِنْهُ لِمَنْ قَالَ هَذَا وَرَسُولُ اللَّهِ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِ لِأَنَّهُ قَدْ يُدْرِكُ لِقَاءَ رَسُولِ اللَّهِ وَيُدْرِكُ ذَلِكَ لَهُ أَبُوهُ وَوَلَدُهُ وَإِخْوَتُهُ وَقَرَابَتُهُ وَمَنْ يُصَدِّقُهُ فِي نَفْسِهِ وَيُفَضِّلُ صِدْقَهُ لَهُ بِالنَّظَرِ لَهُ فَإِنَّ الْكَاذِبَ قَدْ يَصْدُقُ نَظَرًا لَهُ وَإِذَا لَمْ يَجُزْ هَذَا لِأَحَدٍ يُدْرِكُ لِقَاءَ رَسُولِ اللَّهِ وَيُدْرِكُ خَبَرَ مَنْ يَصْدُقُ مِنْ أَهْلِهِ وَالْعَامَّةِ عَنْهُ كَانَ لِمَنْ جَاءَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ مِمَّنْ لَا يَلْقَاهُ فِي الدُّنْيَا أَوْلَى أَنْ لَا يَجُوزَ وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ الْحُجَّةَ لَا تَثْبُتُ بِخَبَرِ الْمُخْبِرِ الصَّادِقِ عِنْدَ مَنْ أَخْبَرَهُ فَمَا يَقُولُ فِي «مُعَاذٍ إذْ بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ إلَى أَهْلِ الْيَمَنِ وَالِيًا وَمُحَارِبًا مَنْ خَالَفَهُ وَدَعَا قَوْمًا يَلْقَوْا النَّبِيَّ ﵇ إلَى أَخْذِ الصَّدَقَةِ مِنْهُمْ وَغَيْرِهَا فَامْتَنَعُوا فَقَاتَلَهُمْ وَقَاتَلَهُمْ مَعَهُ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ بِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ».
وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَ مَنْ قَاتَلَ مَعَهُ أَوْ أَكْثَرِهِمْ إلَّا صِدْقُ مُعَاذٍ عِنْدَهُمْ بِأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَمَرَهُ بِقِتَالِهِمْ إذْ كَانُوا مُطِيعِينَ لِلَّهِ تَعَالَى بِنَصْرِ مُعَاذٍ وَتَصْدِيقِهِ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ وَكَانَتْ الْحُجَّةُ قَائِمَةً عَلَى مَنْ رَدَّ عَلَى مُعَاذٍ مَا جَاءَ بِهِ مُعَاذٌ حَتَّى قَتَلَهُ مُعَاذٌ وَهُوَ مَحْجُوجٌ وَمُعَاذٌ لِلَّهِ مُطِيعٌ وَمَا يَقُولُ فِيمَنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ يَبْعَثُهُ فِي جُيُوشِهِ وَسَرَايَاهُ إلَى مَنْ بَعَثَ فَيَدْعُوهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ أَوْ إعْطَاءِ الْجِزْيَةِ فَإِنْ أَبَوْا قَاتَلَهُمْ أَكَانَ أَمِيرُ الْجَيْشِ
8 / 589
وَالسَّرِيَّةِ وَالْجَيْشِ وَالسَّرِيَّةِ مُطِيعِينَ لِلَّهِ فِيمَنْ قَاتَلُوا وَمَنْ امْتَنَعَ مِمَّنْ دَعَوْهُ مَحْجُوجًا، وَقَدْ كَانَتْ سَرَايَاهُ تَكُونُ عَشَرَةَ نَفَرٍ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ أَمْ لَا؟ فَإِنْ زَعَمَ أَنَّ مَنْ جَاءَهُ مُعَاذٌ وَأُمَرَاءُ سَرَايَاهُ مَحْجُوجًا بِخَبَرِهِمْ فَقَدْ زَعَمَ أَنَّ الْحُجَّةَ تَقُومُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَإِنْ زَعَمَ أَنْ لَمْ تَقُمْ عَلَيْهِمْ حُجَّةٌ فَقَدْ أَعْظَمَ الْقَوْلَ.
وَإِنْ قَالَ لَمْ يَكُنْ هَذَا أَنْكَرَ خَبَرَ الْعَامَّةِ عَمَّنْ وَصَفْت وَصَارَ إلَى طَرْحِ خَبَرِ الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ وَمَا يَقُولُ فِي امْرِئٍ بِبَادِيَةٍ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِ بِالْإِسْلَامِ ثُمَّ تَنَحَّى إلَى بَادِيَتِهِ فَجَاءَ أَخُوهُ وَأَبُوهُ وَهُمَا صَادِقَانِ عِنْدَهُ فَأَخْبَرَاهُ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ حَرَّمَ شَيْئًا أَوْ أَحَلَّهُ فَحَرَّمَهُ أَوْ أَحَلَّهُ أَيَكُونُ مُطِيعًا لِلَّهِ بِقَبُولِ خَبَرِهِمَا؟
فَإِنْ قَالَ نَعَمْ فَقَدْ ثَبَتَ خَبَرُ الْوَاحِدِ.
وَإِنْ قَالَ: لَا خَرَجَ مِمَّا لَمْ أَعْلَمْ فِيهِ مُخَالِفًا فَإِنِّي لَمْ أَحْفَظْ عَنْ أَحَدٍ لَقِيته وَلَمْ أَعْلَمْهُ حُكِيَ لِي عَمَّنْ لَمْ أَلْقَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ لَا يَثْبُتَ إلَّا مَا وَصَفْت مِنْ أَمْرِ أَبِي بَكْرٍ وَعَلِيٍّ وَغَيْرِهِمَا مِنْ عُمَّالِ النَّبِيِّ ﷺ عَلَى الِانْفِرَادِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبْعَثَ النَّبِيُّ ﷺ إلَّا بِمَا تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ لِمَنْ يُبْعَثُ إلَيْهِ وَعَلَى مَنْ بَعَثَ إلَيْهِ النَّبِيُّ وَلَمْ أَعْلَمْ مُخَالِفًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي أَنَّ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ وَصَلَ إلَيْهِ عَامِلُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَرُسُلُهُ مِمَّنْ سَمَّيْنَا أَوْ لَمْ نُسَمِّ مِنْ عُمَّالِهِ وَرُسُلِهِ أَنْ يَمْنَعَهُ شَيْئًا أَعْلَمَهُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ وَلَا أَنْ يَرُدَّ حُكْمًا حَكَمَ بِهِ عَلَيْهِ وَلَا أَنْ يَعْصِيَهُ فِيمَا أَمَرَهُ بِهِ مِمَّا لَمْ يَعْلَمْ لِرَسُولِ اللَّهِ فِيهِ سُنَّةٌ تُخَالِفُهُ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ لَا يَبْعَثُ إلَّا بِمَا تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ فَكُلُّ مَنْ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ وَاحِدٌ ثُمَّ لَمْ أَعْلَمْ النَّاسَ مُنْذُ قَبَضَ اللَّهُ رَسُولَهُ اخْتَلَفُوا أَنَّ خَلِيفَتَهُمْ وَوَالِي الْمِصْرِ لَهُمْ وَقَاضِي الْمِصْرِ وَاحِدٌ وَلَيْسَ مِنْ هَؤُلَاءِ وَاحِدٌ عَدْلٌ يَقْضِي فَيَقُولُ شَهِدَ عِنْدِي فُلَانٌ، وَفُلَانٌ وَهُمَا عَدْلَانِ عَلَى فُلَانٍ أَنَّهُ قَتَلَ فُلَانًا أَوْ أَنَّهُ ارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَامِ أَوْ أَنَّهُ قَذَفَ فُلَانًا أَوْ أَنَّهُ أَتَى فَاحِشَةً مِمَّا يَجُوزُ فِيهِ شَاهِدَانِ إلَّا جَازَ أَنْ يُقَامَ عَلَيْهِ مَا وَصَفَهُ هَؤُلَاءِ وَلَا حَاكِمَ يُعْرَفُ بِعَدْلٍ يَكْتُبُ بِأَنَّهُ قَضَى لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ بِكَذَا مِنْ الْمَالِ وَبِالدَّارِ الَّتِي فِي مَوْضِعِ كَذَا وَلَا لِأَحَدٍ بِأَنَّهُ ابْنُ فُلَانٍ وَوَارِثُهُ وَلَا شَيْءَ مِنْ حُقُوقِ النَّاسِ إلَّا أَنْفَذَهُ الْحَاكِمُ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ وَكُلُّ حَاكِمٍ جَاءَ بَعْدَهُ وَلَا يَكْتُبُ بِهِ إلَى حَاكِمٍ بِبَلَدٍ مِنْ بُلْدَانِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ لِأَحَدٍ وَلَا عَلَى أَحَدٍ إلَّا أَنْفَذَهُ لَهُ وَلَيْسَ فِيهِ عِنْدَ أَحَدٍ أَنْفَذَهُ لَهُ عِلْمٌ إلَّا بِقَوْلِ الْحَاكِمِ الَّذِي قَضَى بِهِ وَلَا عِنْدَ الْحَاكِمِ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ أَنَّ أَحَدًا شَهِدَ عِنْدَ الْقَاضِي الَّذِي ذَكَرَ أَنَّهُ شَهِدَ عِنْدَهُ إلَّا بِخَبَرِ ذَلِكَ الْقَاضِي وَالْقَاضِي وَاحِدٌ فَقَدْ أَجَازُوا خَبَرَهُ فِي جَمِيعِ أَحْكَامِ النَّاسِ.
فَكَذَلِكَ الْخَلِيفَةُ وَالْوَالِي الْعَدْلُ وَفِيمَا وَصَفْت مِنْ أَنَّهُمْ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْحُجَّةَ فِي الْحُكْمِ الَّذِي لَمْ يُكَلَّفْهُ الْعِبَادُ كُلُّهُمْ تَقُومُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ مَعَ أَنِّي لَمْ أَعْلَمْ أَحَدًا حُكِيَ عَنْهُ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ وَالتَّابِعِينَ إلَّا مَا يَدُلُّ عَلَى قَبُولِ خَبَرِ الْوَاحِدِ وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي لُزُومِهِ رَسُولَ اللَّهِ حَاضِرًا وَمُسَافِرًا وَصُحْبَتِهِ لَهُ وَمَكَانِهِ مِنْ الْإِسْلَامِ وَأَنَّهُ لَمْ يُزَايِلْ الْمُهَاجِرِينَ بِمَكَّةَ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ بِالْمَدِينَةِ وَلَمْ يُزَايِلْهُ عَامَّةٌ مِنْهُمْ فِي سَفَرٍ لَهُ وَأَنَّهُ مُقَدَّمٌ عِنْدَهُمْ فِي الْعِلْمِ وَالرَّأْيِ وَكَثْرَةِ الِاسْتِشَارَةِ لَهُمْ وَأَنَّهُمْ يَبْدَءُونَهُ بِمَا عَلِمُوا فَيَقْبَلُهُ مِنْ كُلِّ مَنْ جَاءَ بِهِ وَأَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ قَوْلَهُ حُكْمٌ يَنْفُذُ عَلَى النَّاسِ فِي الدِّمَاءِ وَالْأَمْوَالِ وَالْفُرُوجِ يَحْكُمُ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ أَنَّ فِي الْإِبْهَامِ خَمْسَ عَشَرَ مِنْ الْإِبِلِ وَفِي الْمُسَبِّحَةِ وَالْوُسْطَى عَشْرًا عَشْرًا وَفِي الَّتِي تَلِي الْخِنْصَرَ تِسْعًا وَفِي الْخِنْصَرِ سِتًّا فَمَضَى عَلَى ذَلِكَ كَثِيرٌ مِمَّنْ حَكَى عَنْهُ فِي زَمَانِهِ وَالنَّاسُ عَلَيْهِ حَتَّى وُجِدَ كِتَابٌ عِنْدَ آلِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ كَتَبَهُ رَسُولُ اللَّهِ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فِيهِ «وَفِي كُلِّ أُصْبُعٍ مِمَّا هُنَالِكَ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ» فَصَارَ النَّاسُ إلَيْهِ وَتَرَكُوا مَا قَضَى بِهِ عُمَرُ مِمَّا وَصَفْت وَسَوَّوْا بَيْنَ الْخِنْصَرِ الَّتِي قَضَى فِيهَا عُمَرُ بِسِتٍّ وَالْإِبْهَامِ الَّتِي قَضَى فِيهَا بِخَمْسَ عَشْرَةَ وَكَذَلِكَ يَجِبُ عَلَيْهِمْ وَلَوْ عَلِمَهُ عُمَرُ كَمَا عَلِمُوهُ لَقَبِلَهُ وَتَرَكَ مَا حَكَمَ بِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ كَمَا فَعَلَ فِي غَيْرِهِ مِمَّا عَلِمَ فِيهِ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ غَيْرَ مَا كَانَ هُوَ يَقُولُ فَتَرَكَ قَوْلَهُ بِخَبَرٍ صَادِقٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَكَذَلِكَ يَجِبُ عَلَيْهِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَلَا أَحْسِبُهُ قَالَ بِمَا قَالَ مِنْ ذَلِكَ وَقَبِلَ ذَلِكَ مَنْ قَبِلَهُ مِنْ الْمُقْضَى لَهُ وَالْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ وَغَيْرِهِمْ إلَّا أَنَّهُ وَإِيَّاهُمْ قَدْ عَلِمُوا أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَضَى فِي الْيَدِ بِخَمْسِينَ مِنْ الْإِبِلِ» وَكَانَتْ الْيَدُ خَمْسَةَ أَطْرَافٍ فَاجْتَهَدَ فِيهَا عَلَى قَدْرِ مَنَافِعِهَا وَجَمَالِهَا فَفَضَّلَ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ عَنْ
8 / 590
رَسُولِ اللَّهِ أَنَّ فِي كُلِّ أُصْبُعٍ عَشْرًا صِرْنَا إلَى مَا قَالَ عُمَرُ أَوْ مَا أَشْبَهَهُ وَعَلِمْنَا أَنَّ الْخِنْصَرَ لَا تُشْبِهُ الْإِبْهَامَ فِي الْجَمَالِ وَلَا الْمَنْفَعَةِ، وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى مَا قُلْتُ مِنْ أَنَّ الْخَبَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ يَسْتَغْنِي بِنَفْسِهِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى غَيْرِهِ وَلَا يَزِيدُهُ غَيْرُهُ إنْ وَافَقَهُ قُوَّةً وَلَا يُوهِنُهُ إنْ خَالَفَهُ غَيْرُهُ، وَأَنَّ بِالنَّاسِ كُلِّهِمْ الْحَاجَةَ إلَيْهِ وَالْخَبَرُ عَنْهُ فَإِنَّهُ مَتْبُوعٌ لَا تَابِعٌ وَأَنَّ حُكْمَ بَعْضِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ إنْ كَانَ يُخَالِفُهُ فَعَلَى النَّاسِ أَنْ يَصِيرُوا إلَى الْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَأَنْ يَتْرُكُوا مَا يُخَالِفُهُ وَدَلِيلٌ عَلَى أَنْ يَصِيرُوا إلَى الْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَأَنْ يَتْرُكُوا مَا يُخَالِفُهُ وَدَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَعْزُبُ عَلَى الْمُتَقَدِّمِ الصُّحْبَةَ الْوَاسِعِ الْعِلْمِ الشَّيْءَ يَعْلَمُهُ غَيْرُهُ وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَقْضِي أَنَّ الدِّيَةَ لِلْعَاقِلَةِ، وَلَا يُوَرِّثُ الْمَرْأَةَ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا حَتَّى أَخْبَرَهُ «الضَّحَّاكُ بْنُ سُفْيَانَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ كَتَبَ إلَيْهِ أَنْ يُوَرِّثَ امْرَأَةَ أَشْيَمَ الضَّبَابِيِّ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا» فَرَجَعَ إلَيْهِ عُمَرُ قَالَ «وَسَأَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمٌ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ فِي الْجَنِينِ فَأَخْبَرَهُ حَمَلُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَضَى فِيهِ بِغُرَّةٍ» فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إنَّا كِدْنَا أَنْ نَقْضِيَ فِي مِثْلِ هَذَا بِرَأْيِنَا أَوْ قَالَ لَوْ لَمْ نَسْمَعْ هَذَا لَقَضَيْنَا فِيهِ بِغَيْرِ هَذَا وَفِي كُلِّ هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يُقْبَلُ خَبَرُ الْوَاحِدِ إذَا كَانَ صَادِقًا عِنْدَ مَنْ أَخْبَرَهُ، وَلَوْ جَازَ لِأَحَدٍ رَدُّ هَذَا بِحَالٍ جَازَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنْ يَقُولَ لِلضَّحَّاكِ أَنْتَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ وَلِحَمَلِ بْنِ مَالِكٍ أَنْتَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ تِهَامَةَ لَمْ تَرَيَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَمْ تَصْحَبَاهُ إلَّا قَلِيلًا وَلَمْ أَزَلْ مَعَهُ وَمَنْ مَعِي مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ فَكَيْفَ عَزَبَ هَذَا عَنْ جَمَاعَتِنَا، وَعَلِمْته أَنْتَ، وَأَنْتَ وَاحِدٌ يُمْكِنُ فِيك أَنْ تَغْلَطَ وَتَنْسَى؟ بَلْ رَأَى الْحَقَّ اتِّبَاعَهُ وَالرُّجُوعَ عَنْ رَأْيِهِ فِي تَرْكِ تَوْرِيثِ الْمَرْأَةِ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا، وَقَضَى فِي الْجَنِينِ بِمَا أَعْلَمَ مَنْ حَضَرَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَسْمَعْ عَنْ النَّبِيِّ فِيهِ شَيْئًا قَضَى فِيهِ بِغَيْرِهِ كَأَنَّهُ يَرَى إنْ كَانَ الْجَنِينُ حَيًّا فِيهِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ وَإِنْ كَانَ مَيِّتًا فَلَا شَيْءَ فِيهِ وَلَكِنَّ اللَّهَ تَعْبُدُهُ الْخَلْقُ بِمَا شَاءَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَا لِأَحَدٍ إدْخَالُ لِمَ؟ وَلَا كَيْفَ؟ وَلَا شَيْئًا مِنْ الرَّأْيِ عَلَى الْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا رَدُّهُ عَلَى مَنْ يَعْرِفُهُ بِالصِّدْقِ فِي نَفْسِهِ وَإِنْ كَانَ وَاحِدًا وَقَبِلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ خَبَرَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فِي أَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْ الْمَجُوسِ وَلَمْ يَقُلْ لَوْ كَانُوا أَهْلَ كِتَابٍ كَانَ لَنَا أَنْ نَأْكُلَ ذَبَائِحَهُمْ وَنَنْكِحَ نِسَاءَهُمْ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا أَهْلَ كِتَابٍ لَمْ يَكُنْ لَنَا أَنْ نَأْخُذَ الْجِزْيَةَ مِنْهُمْ وَقَبِلَ خَبَرَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فِي الطَّاعُونِ وَرَجَعَ بِالنَّاسِ عَنْ خَبَرِهِ وَذَلِكَ أَنَّهُ يَعْرِفُ صِدْقَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ عِنْدَهُ وَلَا عِنْدَنَا خِلَافُ خَبَرِ الصَّادِقِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ، فَقَدْ طَلَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مِنْ مُخْبِرٍ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ مُخْبِرًا آخَرَ غَيْرَهُ مَعَهُ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قِيلَ لَهُ إنَّ قَبُولَ عُمَرَ لِخَبَرِ وَاحِدٍ عَلَى الِانْفِرَادِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ أَنْ يَطْلُبَ مَعَ مُخْبِرٍ مُخْبِرًا غَيْرَهُ إلَّا اسْتِظْهَارًا لَا أَنَّ الْحُجَّةَ تَقُومُ عِنْدَهُ بِوَاحِدٍ مَرَّةً وَلَا تَقُومُ أُخْرَى، وَقَدْ يَسْتَظْهِرُ الْحَاكِمُ فَيَسْأَلُ الرَّجُلَ قَدْ شَهِدَ لَهُ عِنْدَهُ الشَّاهِدَانِ الْعَدْلَانِ زِيَادَةَ شُهُودٍ فَإِنْ يَفْعَلَ قَبِلَ الشَّاهِدِينَ وَإِنْ فَعَلَ كَانَ أَحَبَّ إلَيْهِ أَوْ أَنْ يَكُونَ عُمَرُ جَهِلَ الْمُخْبِرَ وَهُوَ إنْ شَاءَ اللَّهُ لَا يَقْبَلُ خَبَرَ مَنْ جَهِلَهُ، وَكَذَلِكَ نَحْنُ لَا نَقْبَلُ خَبَرَ مَنْ جَهِلْنَاهُ وَكَذَلِكَ لَا نَقْبَلُ خَبَرَ مَنْ لَمْ نَعْرِفْهُ بِالصِّدْقِ وَعَمَلِ الْخَيْرِ «وَأَخْبَرَتْ الْفُرَيْعَةُ بِنْتُ مَالِكٍ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ أَنَّ النَّبِيَّ ﵇ أَمَرَهَا أَنْ تَمْكُثَ فِي بَيْتِهَا وَهِيَ مُتَوَفًّى عَنْهَا حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ» فَاتَّبَعَهُ وَقَضَى بِهِ.
«وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُخَابَرُ الْأَرْضَ بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ لَا يَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا فَأَخْبَرَهُ رَافِعٌ أَنَّ النَّبِيَّ نَهَى عَنْهَا» فَتَرَكَ ذَلِكَ بِخَبَرِ رَافِعٍ وَكَانَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ سَمِعَ النَّبِيَّ يَقُولُ «لَا يُصْدِرَنَّ أَحَدٌ مِنْ الْحَاجِّ حَتَّى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ» يَعْنِي طَوَافَ الْوَدَاعِ بَعْدَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ فَخَالَفَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَالَ تُصْدِرُ الْحَائِضُ دُونَ غَيْرِهَا فَأَنْكَرَ ذَلِكَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: سَلْ أُمَّ سَلَمَةَ فَسَأَلَهَا فَأَخْبَرَتْهُ «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَرْخَصَ لِلْحَائِضِ فِي أَنْ تُصْدِرَ وَلَا تَطُوفُ» فَرَجَعَ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ وَجَدْت الْأَمْرَ كَمَا قُلْتَ.
وَأَخْبَرَ أَبُو الدَّرْدَاءِ مُعَاوِيَةَ أَنَّ النَّبِيَّ ﵊ نَهَى عَنْ بَيْعٍ بَاعَهُ مُعَاوِيَةُ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: مَا أَرَى بِهَذَا بَأْسًا فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ مَنْ يَعْذِرُنِي مِنْ مُعَاوِيَةَ أُخْبِرُهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَيُخْبِرُنِي عَنْ رَأْيِهِ لَا
8 / 591
أُسَاكِنُك بِأَرْضٍ فَخَرَجَ أَبُو الدَّرْدَاءِ مِنْ وِلَايَةِ مُعَاوِيَةَ وَلَمْ يَرَهُ يَسَعُهُ مُسَاكَنَتُهُ إذْ لَمْ يَقْبَلْ مِنْهُ خَبَرَهُ عَنْ النَّبِيِّ وَلَوْ لَمْ تَكُنْ الْحُجَّةُ تَقُومُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي الدَّرْدَاءِ بِخَبَرِهِ مَا كَانَ رَأَى أَنَّ مُسَاكَنَتَهُ عَلَيْهِ ضَيِّقَةٌ وَلَمْ أَعْلَمْ أَحَدًا مِنْ التَّابِعِينَ أَخْبَرَ عَنْهُ إلَّا قَبِلَ خَبَرَ وَاحِدٍ وَأَفْتَى بِهِ وَانْتَهَى إلَيْهِ فَابْنُ الْمُسَيِّبِ يَقْبَلُ خَبَرَ أَبِي هُرَيْرَةَ وَحْدَهُ وَأَبِي سَعِيدٍ وَحْدَهُ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ وَيَجْعَلُهُ سُنَّةً.
وَعُرْوَةُ يَصْنَعُ ذَلِكَ فِي عَائِشَةَ ثُمَّ يَصْنَعُ ذَلِكَ فِي يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ وَفِي حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِيّ عَنْ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ وَيُثْبِتُ كُلَّ ذَلِكَ سُنَّةً وَصَنَعَ ذَلِكَ الْقَاسِمُ وَسَالِمٌ وَجَمِيعُ التَّابِعِينَ بِالْمَدِينَةِ وَعَطَاءٌ وَطَاوُسٌ وَمُجَاهِدٌ بِمَكَّةَ فَقَبِلُوا الْخَبَرَ عَنْ جَابِرٍ وَحْدَهُ عَنْ النَّبِيِّ ﵇ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَحْدَهُ عَنْ النَّبِيِّ وَثَبَتُوهُ سُنَّةً وَصَنَعَ ذَلِكَ الشَّعْبِيُّ فَقَبِلَ خَبَرَ عُرْوَةَ بْنِ مُضَرِّسٍ عَنْ النَّبِيِّ وَثَبَتَهُ سُنَّةً وَكَذَلِكَ قِبَلَ خَبَرَ غَيْرِهِ.
وَصَنَعَ ذَلِكَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ فَقَبِلَ خَبَرَ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ النَّبِيِّ وَثَبَتَهُ سُنَّةً وَكَذَلِكَ خَبَرَ غَيْرِهِ وَصَنَعَ ذَلِكَ الْحَسَنُ وَابْنُ سِيرِينَ فِيمَنْ لَقِيَا لَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْهُمْ إلَّا وَقَدْ رَوَى هَذَا عَنْهُ فِيمَا لَوْ ذَكَرْتُ بَعْضَهُ لَطَالَ.
حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَنْبَأَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ نَهَى عَنْ الطِّيبِ قَبْلَ زِيَارَةِ الْبَيْتِ وَبَعْدَ الْجَمْرَةِ قَالَ سَالِمٌ «فَقَالَتْ عَائِشَةُ طَيَّبْتُ رَسُولَ اللَّهِ بِيَدَيَّ لِإِحْرَامِهِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ وَلِحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَسُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ أَحَقُّ» (قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَتَرَكَ سَالِمٌ قَوْلَ جَدِّهِ عُمَرَ فِي إمَامَتِهِ وَقَبِلَ خَبَرَ عَائِشَةَ وَحْدَهَا وَأَعْلَمَ مَنْ حَدَّثَهُ أَنَّ خَبَرَهَا وَحْدَهَا سُنَّةٌ وَأَنَّ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ أَحَقُّ وَذَلِكَ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ.
وَصَنَعَ ذَلِكَ الَّذِينَ بَعْدَ التَّابِعِينَ الْمُتَقَدِّمِينَ مِثْلُ ابْنِ شِهَابٍ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَغَيْرِهِمْ وَاَلَّذِينَ لَقِينَاهُمْ كُلُّهُمْ يُثْبِتُ خَبَرَ وَاحِدٍ عَنْ وَاحِدٍ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ وَيَجْعَلُهُ سُنَّةً حَمِدَ مَنْ تَبِعَهَا وَعَابَ مَنْ خَالَفَهَا فَحَكَيْتُ عَامَّةَ مَعَانِي مَا كَتَبْتُ فِي صَدْرِ كِتَابِي هَذَا الْعَدَدَ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ فِي الْعِلْمِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَاخْتِلَافِ النَّاسِ وَالْقِيَاسِ وَالْمَعْقُولِ فَمَا خَالَفَ مِنْهُمْ وَاحِدٌ وَاحِدًا وَقَالُوا هَذَا مَذْهَبُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ وَالتَّابِعِينَ وَتَابِعِي التَّابِعِينَ، وَمَذْهَبُنَا فَمَنْ فَارَقَ هَذَا الْمَذْهَبَ كَانَ عِنْدَنَا مُفَارِقًا سَبِيلَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ، وَأَهْلِ الْعِلْمِ بَعْدَهُمْ إلَى الْيَوْمِ وَكَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَهَالَةِ وَقَالُوا مَعًا لَا نَرَى إلَّا إجْمَاعَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي الْبُلْدَانِ عَلَى تَجْهِيلِ مَنْ خَالَفَ هَذَا السَّبِيلَ وَجَاوَزُوا أَوْ أَكْثَرُهُمْ فِيمَنْ يُخَالِفُ هَذَا السَّبِيلَ إلَى مَا لَا أُبَالِي أَنْ لَا أَحْكِيَهُ وَقُلْتُ لِعَدَدٍ مِمَّنْ وَصَفْتُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فَإِنَّ مِنْ هَذِهِ الطَّبَقَةِ الَّذِينَ خَالَفُوا أَصْلَ مَذْهَبِنَا وَمَذْهَبِكُمْ مَنْ قَالَ إنَّ خِلَافَنَا لِمَا زَعَمْتُمْ فِي الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ يَأْمُرُ بِأَنَّ لَنَا فِيهِ حُجَّةً عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ عَرَبِيٌّ وَالْأَحَادِيثَ بِكَلَامٍ عَرَبِيٍّ فَأَتَأَوَّلُ كُلًّا عَلَى مَا يَحْتَمِلُ اللِّسَانُ وَلَا أَخْرُجُ مِمَّا يَحْتَمِلُهُ اللِّسَانُ، وَإِذَا تَأَوَّلْته عَلَى مَا يَحْتَمِلُهُ اللِّسَانُ فَلَسْتُ أُخَلِّفُهُ فَقُلْت الْقُرْآنُ عَرَبِيٌّ كَمَا وَصَفْت وَالْأَحْكَامُ فِيهِ عَلَى ظَاهِرِهَا وَعُمُومِهَا وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُحِيلَ مِنْهَا ظَاهِرًا إلَى بَاطِنٍ وَلَا عَامًّا إلَى خَاصٍّ إلَّا بِدَلَالَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فَسُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ خَاصٌّ دُونَ عَامٍّ أَوْ بَاطِنٌ دُونَ ظَاهِرٍ أَوْ إجْمَاعٌ مِنْ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ الَّذِينَ لَا يَجْهَلُونَ كُلُّهُمْ كِتَابًا وَلَا سُنَّةً وَهَكَذَا السُّنَّةُ، وَلَوْ جَازَ فِي الْحَدِيثِ أَنْ يُحَالَ شَيْءٌ مِنْهُ عَنْ ظَاهِرِهِ إلَى مَعْنًى بَاطِنٍ يَحْتَمِلُهُ كَانَ أَكْثَرُ الْحَدِيثِ يَحْتَمِلُ عَدَدًا مِنْ الْمَعَانِي وَلَا يَكُونُ لِأَحَدٍ ذَهَبَ إلَى مَعْنًى مِنْهَا حُجَّةٌ عَلَى أَحَدٍ ذَهَبَ إلَى مَعْنَى غَيْرِهِ وَلَكِنَّ الْحَقَّ فِيهَا وَاحِدٌ لِأَنَّهَا عَلَى ظَاهِرِهَا وَعُمُومِهَا إلَّا بِدَلَالَةٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ أَوْ قَوْلِ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِأَنَّهَا عَلَى خَاصٍّ دُونَ عَامٍّ وَبَاطِنٍ دُونَ ظَاهِرٍ إذَا كَانَتْ إذَا صُرِفَتْ إلَيْهِ عَنْ ظَاهِرِهَا مُحْتَمِلَةٌ لِلدُّخُولِ فِي مَعْنَاهُ.
(قَالَ): وَسَمِعْتُ عَدَدًا مِنْ مُتَقَدِّمِي أَصْحَابِنَا وَبَلَغَنِي عَنْ عَدَدٍ مِنْ
8 / 592
مُتَقَدِّمِي أَهْلِ الْبُلْدَانِ فِي الْفِقْهِ مَعْنًى هَذَا الْقَوْلُ لَا يُخَالِفُهُ وَقَالَ لِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي هَذَا الْأَصْلِ: إنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي الرِّجَالِ الَّذِينَ يُثْبِتُونَ حَدِيثَهُمْ وَلَا يُثْبِتُونَهُ فِي التَّأْوِيلِ فَقُلْتُ لَهُ هَلْ يَعْدُو حَدِيثُ كُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ حَدَّثَ عَنْهُ لَا يُخَالِفُهُ غَيْرُهُ أَنْ يَثْبُتَ مِنْ جِهَةِ صِدْقِهِ وَحِفْظِهِ كَمَا يَثْبُتُ عِنْدَك عَدْلُ الشَّاهِدِ بِعَدْلِهِ إلَّا بِدَلَالَةٍ عَلَى مَا شَهِدَ عَلَيْهِ إلَّا عَدْلُ نَفْسِهِ أَوْ لَا يَثْبُتُ قَالَ لَا يَعْدُو هَذَا قُلْتُ فَإِذَا ثَبَتَ حَدِيثُهُ مَرَّةً لَمْ يَجُزْ أَنْ نَطْرَحَهُ أُخْرَى بِحَالٍ أَبَدًا إلَّا بِمَا يَدُلُّ عَلَى نَسْخِهِ أَوْ غَلَطٍ فِيهِ لِأَنَّهُ لَا يَعْدُو فِي طَرْحِهِ فِيمَا يُثْبِتُهُ فِي مِثْلِهِ أَنْ يُخْطِئَ فِي الطَّرْحِ أَوْ التَّثْبِيتِ قَالَ لَا يَجُوزُ غَيْرُ هَذَا أَبَدًا وَهَذَا الْعَدْلُ قُلْتُ وَهَكَذَا كُلُّ مَنْ فَوْقَهُ مِمَّنْ فِي الْحَدِيثِ لِأَنَّك تَحْتَاجُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إلَى صِدْقٍ وَحِفْظٍ قَالَ: أَجَلْ فَقُلْتُ وَهَكَذَا تَصْنَعُ فِي الشُّهُودِ وَلَا تَقْبَلُ شَهَادَةَ رَجُلٍ فِي شَيْءٍ وَتَرُدُّهَا فِي مِثْلِهِ؟.
قَالَ: أَجَلْ وَقُلْت لَهُ: لَوْ صِرْتَ إلَى غَيْرِ هَذَا قَالَ لَك مَنْ خَالَفَك مَذْهَبُهُ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ إذَا جَازَ لَك رَدُّ حَدِيثٍ وَاحِدٍ وَسَمَّى رَجُلًا وَرِجَالًا فَوْقَهُ بِلَا حُجَّةٍ فِي رَدِّهِ جَازَ لِي رَدُّ جَمِيعِ حَدِيثِهِ؛ لِأَنَّ الْحُجَّةَ بِصِدْقِهِ أَوْ تُهْمَتِهِ بِلَا دَلَالَةٍ فِي وَاحِدٍ الْحُجَّةُ فِي جَمِيعِ حَدِيثِهِ مَا لَمْ يَخْتَلِفْ حَالُهُ فِي حَدِيثِهِ وَاخْتِلَافُهَا أَنْ يُحَدِّثَ مَرَّةً مَا لَا مُخَالِفَ لَهُ فِيهِ وَمَرَّةً مَالَهُ فِيهِ مُخَالِفٌ فَإِذَا كَانَ هَذَا هَكَذَا اخْتَلَفَتْ حَالُهُ فِي حَدِيثِهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ لَهُ مِمَّنْ هُوَ فِي مِثْلِ حَالِهِ فِي حَدِيثِهِ كَمَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الشُّهُودِ وَيُقْضَى بِمَا شَهِدُوا بِهِ عَلَى الْكَمَالِ فَإِذَا خَالَفَهُمْ غَيْرُهُمْ حَالَ الْحُكْمِ بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ لَهُمْ عَنْهُ إذَا كَانُوا شَهِدُوا غَيْرَ مُخَالِفِينَ لَهُمْ فِي الشَّهَادَةِ.
فَقَالَ مَنْ قُلْت لَهُ هَذَا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ هَذَا هَكَذَا وَقُلْت لِبَعْضِهِمْ وَلَوْ جَازَ لَك غَيْرُ مَا وَصَفْت جَازَ لِغَيْرِكَ عَلَيْك أَنْ يَقُولَ: أَجْعَلُ نَفْسِي بِالْخِيَارِ فَأَرُدُّ مِنْ حَدِيثِهِ مَا قَبِلْتَ وَأَقْبَلُ مِنْ حَدِيثِهِ مَا رَدَدْتَ بِلَا اخْتِلَافٍ لِحَالِهِ فِي حَدِيثِهِ وَأَسْلُكُ فِي رَدِّهَا طَرِيقَكَ فَيَكُونُ لِي رَدُّهَا كُلِّهَا لِأَنَّهُ قَدْ رَدَدْت مِنْهَا مَا شِئْتَ فَشِئْتَ أَنَا رَدَّهَا كُلَّهَا وَطَلَبَ الْعِلْمِ مِنْ غَيْرِ الْحَدِيثِ ثُمَّ اعْتَلَّ فِيهَا بِمَعْنَى عِلَّتِك ثُمَّ لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْك قَالَ مَا يَجُوزُ هَذَا لِأَحَدٍ مِنْ النَّاسِ وَمَا الْقَوْلُ فِيهِ إلَّا أَنْ يُقْبَلَ حَدِيثُهُمْ كَمَا وَصَفْت أَوْ لَا مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مُخَالِفٌ أَوْ يَخْتَلِفُ حَالُهُمْ فِيهِ وَقُلْتُ لَهُ: وَالْحُجَّةُ عَلَى مَنْ تَأَوَّلَ بِلَا دَلَالَةٍ كِتَابًا أَوْ سُنَّةً عَلَى غَيْرِ ظَاهِرِهِمَا وَعُمُومِهِمَا وَإِنْ احْتَمَلَا الْحُجَّةَ لَك عَلَى مَنْ خَالَفَ مَذْهَبَك فِي تَأْوِيلِ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ فَقَالَ مَا سَمِعْنَا مِنْهُمْ أَحَدًا تَأَوَّلَ شَيْئًا إلَّا عَلَى مَا يَحْتَمِلُهُ احْتِمَالًا جَائِزًا فِي لِسَانِ الْعَرَبِ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهُ عَلَى غَيْرِ مَا تَأَوَّلَهُ عَلَيْهِ لِسِعَةِ لِسَانِ الْعَرَبِ وَبِذَلِكَ صَارَ مَنْ صَارَ مِنْهُمْ إلَى اسْتِحْلَالِ مَا كَرِهْنَا نَحْنُ وَأَنْتَ اسْتِحْلَالَهُ وَجَهِلَ مَا كَرِهْنَا لَهُمْ جَهْلَهُ قَالَ أَجَلْ وَقُلْت لَهُ قَدْ رَوَيْنَا وَرَوَيْت أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ أَمَرَ امْرَأَةً أَنْ تَحُجَّ عَنْ أَبِيهَا وَرَجُلًا أَنْ يَحُجَّ عَنْ أَبِيهِ» فَقُلْنَا نَحْنُ وَأَنْتَ بِهِ وَقُلْنَا نَحْنُ وَأَنْتَ مَعًا لَا يَصُومُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ وَلَا يُصَلِّي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ فَذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إلَى أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ لَا يَحُجُّ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ أَفَرَأَيْتَ إنْ احْتَجَّ لَهُ أَحَدٌ مِمَّنْ خَالَفَنَا فِيهِ، فَقَالَ الْحَجُّ عَمَلٌ عَلَى الْبَدَنِ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَعْمَلَهُ الْمَرْءُ إلَّا عَنْ نَفْسِهِ وَتَأَوَّلَ قَوْلَ اللَّهِ ﷿ ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى﴾ وَتَأَوَّلَ ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ - وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾.
وَقَالَ السَّعْيُ الْعَمَلُ وَالْمَحْجُوجُ عَنْهُ غَيْرُ عَامِلٍ فَهَلْ الْحُجَّةُ عَلَيْهِ إلَّا أَنَّ الَّذِي رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ مِمَّنْ يُثْبِتُ أَهْلُ الْحَدِيثِ حَدِيثَهُ وَأَنَّ اللَّهَ فَرَضَ طَاعَةَ رَسُولِهِ وَأَنْ لَيْسَ لِأَحَدٍ خِلَافُهُ وَلَا التَّأَوُّلُ مَعَهُ لِأَنَّهُ الْمُنَزَّلُ عَلَيْهِ الْكِتَابَ الْمُبِينَ عَنْ اللَّهِ مَعْنَاهُ وَأَنَّ اللَّهَ - جَلَّ ثَنَاؤُهُ - يُعْطِي خَلْقَهُ بِفَضْلِهِ مَا لَيْسَ لَهُمْ وَأَنْ لَيْسَ فِي أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ لَوْ قَالَ بِخِلَافِهِ حُجَّةٌ، وَأَنَّ عَلَيْهِ أَنْ لَوْ عَلِمَ هَذَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ اتِّبَاعَهُ قَالَ هَذِهِ الْحُجَّةُ عَلَيْهِ قُلْت وَرَوَيْنَا وَرَوَيْت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ «مَنْ أَعْمَرَ عُمْرَى لَهُ وَلِعَقِبِهِ فَهِيَ لِلَّذِي يُعْطَاهَا» فَأَخَذْنَا نَحْنُ وَأَنْتَ بِهِ وَخَالَفْنَا بَعْضَ أَهْلِ نَاحِيَتِنَا أَفَرَأَيْتَ إنْ احْتَجَّ لَهُ أَحَدٌ، فَقَالَ قَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ «الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ فَلَا يُؤْخَذُ مَالُ رَجُلٍ إلَّا بِمَا شَرَطَ أَهْلُ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ» إلَّا أَنَّ قَوْلَ النَّبِيِّ ﷺ إنْ كَانَ قَالَهُ الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ جُمْلَةً فَلَا يُرَدُّ بِالْجُمْلَةِ نَصُّ خَبَرٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ فَلَا تَرُدُّ الْجُمْلَةُ نَصَّ خَبَرٍ يَخْرُجُ مِنْ الْجُمْلَةِ
8 / 593
وَيُسْتَدَلُّ عَلَى أَنَّ الْجُمْلَةَ عَلَى غَيْرِ مَا أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ مِمَّا يُخَالِفُ جُمْلَتَهَا وَأَنَّ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ «الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ أَنْ قَالَ النَّبِيُّ إلَّا شَرْطًا أَحَلَّ حَرَامًا أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا».
وَهَذَا مِنْ تِلْكَ الشُّرُوطِ وَقَدْ «شَرَطَ أَهْلُ بَرِيرَةَ عَلَى عَائِشَةَ أَنْ تَعْتِقَ بَرِيرَةَ وَلَهُمْ وَلَاءُ بَرِيرَةَ فَجَعَلَ النَّبِيُّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ».
قَالَ فَهَذِهِ الْحُجَّةُ عَلَيْهِ وَكَفَى بِهَذِهِ حُجَّةٌ وَقُلْت فَإِنْ احْتَجَّ بِأَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ قَالَ فِي الْعُمَرِيِّ " مَا أَدْرَكْتُ النَّاسَ إلَّا عَلَى شُرُوطِهِمْ " قَالَ هَذَا مَذْهَبٌ ضَعِيفٌ وَلَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ خَالَفَ مَا نُثْبِتُهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ بِحَالٍ وَذَكَرْت لَهُ بَعْضَ مَا رَوَيْنَا وَرَوَوْا مِنْ الْحَدِيثِ وَخَالَفَهُ بَعْضُ أَهْلِ نَاحِيَتِنَا فَاحْتَجَجْتُ عَلَيْهِ بِمَعَانٍ شَبِيهَةٍ بِمَا وَصَفْتُ وَاحْتَجَّ بِنَحْوِ مَا ذَكَرْت فَقُلْت لَهُ فَمَا قُلْت فِيمَنْ قَالَ هَذَا مِنْ أَهْلِ نَاحِيَتِنَا قَالَ قُلْت إنَّهُ خَالَفَ السُّنَنَ فِيمَا ذَكَرْنَا، وَكَانَ أَقَلَّ عُذْرًا لَمَّا خَالَفَ فِيهَا مِنْ الَّذِينَ أَصْلُ دِينِهِمْ طَرْحُ الْحَدِيثِ وَلَمْ يُدْخِلْ أَهْلَ الرَّدِّ لِلْحَدِيثِ فِي مَعْنًى إلَّا دَخَلَ فِيمَا خَالَفَ مِنْهُ فِي مِثْلِهِ بَلْ هُمْ أَحْسَنُ حُجَّةً فِيمَا خَالَفُوهُ مِنْهُ وَتَوْجِيهًا لَهُ مِنْهُ فَقُلْت لَهُ فَإِذَا كَانَتْ لَنَا وَلَك بِهَذِهِ الْحُجَّةِ عَلَى مَنْ سَلَكَ هَذِهِ السَّبِيلَ فَهِيَ عَلَيْك إذَا سَلَكْت فِي غَيْرِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ طَرِيقَةً فَإِذَا حَمِدْتُك بِاتِّبَاعِ حَدِيثٍ لِرَسُولِ اللَّهِ ذَمَمْتُك عَلَى رَدِّ آخَرَ مِثْلِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ أَحْمَدَك بِمُوَافَقَةِ الْحَدِيثِ وَخِلَافِهِ لِأَنَّك لَا تَخْلُو مِنْ الْخَطَأِ فِي أَحَدِهِمَا قَالَ: أَجَلْ، وَقُلْتُ لَهُ: قَدْ رَوَى أَصْحَابُنَا أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ «مَنْ وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ عِنْدَ مُعْدَمٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ».
وَقَالُوا وَقُلْنَا بِهِ وَخَالَفْته وَرَوَى أَصْحَابُنَا أَنَّ «النَّبِيَّ قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ» وَقُلْنَا وَقَالُوا بِهِ وَخَالَفْته وَذَكَرْت لَهُ أَحَادِيثَ خَالَفَهَا أَخَذَ بِهَا أَصْحَابُنَا وَذَكَرْتُ مِنْ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ فِي تَرْكِهَا شَبِيهًا بِمَا ذَكَرْت لَهُ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا فِيمَا أَخَذْنَا نَحْنُ وَهُوَ بِهِ مِنْ الْحَدِيثِ وَخَالَفُوهُ وَإِنْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّهُ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ مِمَّنْ أَخَذَ مِنْ أَصْحَابِنَا مِنْ الْحَدِيثِ بِمَا خَالَفَهُ قَالَ فَحَدِيثُ التَّفْلِيسِ وَحَدِيثُ الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ أَضْعَفُ مِنْ حَدِيثِ الْعُمْرَى، وَحَدِيثِ أَنْ يَحُجَّ أَحَدٌ عَنْ غَيْرِهِ قُلْت أَمَّا هُمَا مِمَّا نَثْبُتُ نَحْنُ وَأَنْتَ مِثْلَهُ؟ قَالَ: بَلَى، قُلْت فَالْحُجَّةُ بِهِمَا لَازِمَةٌ وَلَوْ كَانَ غَيْرُهُمَا أَقْوَى مِنْهُمَا كَمَا تَكُونُ الْحُجَّةُ لَازِمَةً لَنَا بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ مِنْ خَيْرِ النَّاسِ وَشَهَادَةُ رَجُلَيْنِ حِينَ خَرَجَا مِنْ أَنْ يَكُونَا مَجْرُوحَيْنِ وَكَمَا تَكُونُ الْحُجَّةُ لَنَا بِأَنْ نَقْضِيَ بِشَهَادَةِ مِائَةٍ عُدُولٍ غَايَةً وَشَهَادَةُ اثْنَيْنِ عَدْلَيْنِ وَكِلَاهُمَا دُونَ جَمِيعِ الْغَايَةِ فِي الْعَدْلِ وَإِنْ كَانَتْ النَّفْسُ عَلَى الْأَعْدَلِ وَعَلَى الْأَكْثَرِ أَطْيَبَ فَالْحُجَّةُ بِالْأَقَلِّ إذَا كَانَ عَلَيْنَا قَبُولُهُ ثَابِتَةٌ، وَقُلْت لَهُ قَدْ شَهِدَ عَلَيْك أَصْحَابُنَا الْحِجَازِيُّونَ وَعَلَى مَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَك فِي رَدِّ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ وَفِيمَا رَدَدْتَ مِمَّا أَخَذُوا بِهِ مِنْ الْحَدِيثِ أَنَّكُمْ تَرَكْتُمْ السُّنَنَ وَاِبْتَدَعْتُمْ خِلَافَهَا وَلَعَلَّهُمْ قَالُوا فِيكُمْ مَا أُحِبُّ الْكَفَّ عَنْ ذِكْرِهِ لِإِفْرَاطِهِ وَشَهِدْتَ عَلَى مَنْ خَالَفَك مِنْهُمْ فِيمَا أَخَذْتَ بِهِ مِنْ حَدِيثِ حَجِّ الرَّجُلِ عَنْ غَيْرِهِ وَالْعُمْرَى بِالْبِدْعَةِ وَخِلَافِ السُّنَّةِ وَرَدُّوا وَهُمْ ضِعَافُ الْعُقُولِ فَاجْتَمَعَ قَوْلُكَ وَقَوْلُهُمْ عَلَى أَنْ عَابُوكَ بِمَا خَالَفْت مِنْ الْحَدِيثِ وَعِبْتَهُمْ بِمَا خَالَفُوا مِنْهُ وَعَامَّةُ مَا خَالَفْت وَخَالَفُوا حَدِيثُ رَجُلٍ وَاحِدٍ أَوْ اثْنَيْنِ وَلَا يَجُوزُ عَلَيْكَ وَلَا عَلَيْهِمْ إذَا عَابَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ صَاحِبَهُ بِمَا خَالَفَهُ مِنْ حَدِيثِ الِانْفِرَادِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْعَائِبُ لِغَيْرِهِ بِخِلَافِ حَدِيثِ الِانْفِرَادِ مُصِيبًا فَيَكُونُ شَاهِدًا عَلَى نَفْسِهِ بِالْخَطَأِ فِي تَرْكِهِ مَا يَثْبُتُ مِثْلُهُ مِنْ حَدِيثِ الِانْفِرَادِ أَوْ مُخْطِئًا بِعَيْبِهِ تَرَكَ حَدِيثَ الِانْفِرَادِ فَيَكُونُ مُخْطِئًا فِي أَخْذِهِ فِي بَعْضِ الْحَالَاتِ بِحَدِيثِ الِانْفِرَادِ وَعَيْبِ مَنْ خَالَفَهُ.
وَقُلْت لَهُ وَهَكَذَا قَالَ الْبَصْرِيُّونَ فِيمَا أَخَذُوا بِهِ مِنْ الْحَدِيثِ دُونَكُمْ وَدُونَ غَيْرِكُمْ وَالْكُوفِيُّونَ سِوَاكُمْ فِيمَا أَخَذُوا بِهِ مِنْ الْحَدِيثِ دُونَكُمْ وَدُونَ غَيْرِكُمْ فَنَسَبُوا مَنْ خَالَفَ حَدِيثًا أَخَذُوا بِهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ إلَى الْجَهْلِ إذَا جَهِلَهُ وَقَالُوا كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَعَلَّمَهُ وَإِلَى الْبِدْعَةِ إذَا عَرَفَهُ فَتَرَكَهُ، وَهَكَذَا كُلُّ أَهْلِ بَلَدٍ فِيهَا عِلْمٌ فَوَجَدْت أَقَاوِيلَ مَنْ حَفِظْت عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ كُلَّهَا مُجْتَمَعَةً عَلَى عَيْبِ مَنْ خَالَفَ الْحَدِيثَ الْمُنْفَرِدَ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي تَثْبِيتِ الْحَدِيثِ الْمُنْفَرِدِ إلَّا مَا وَصَفْت مِنْ هَذَا كَانَ تَثْبِيتُهُ مِنْ أَقْوَى حُجَّةٍ فِي طَرِيقِ الْخَاصَّةِ لِتَتَابُعِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَهْلِ الْبُلْدَانِ عَلَيْهَا وَقُلْت لَهُ سَمِعْت مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ مَنْ يُسْرِفُ وَيَحْتَجُّ فِي عَيْبِ مَنْ خَالَفَهُ مِنْكُمْ بِأَنْ يَأْخُذَ مَنْ خَالَفَهُ مِنْكُمْ بِحَدِيثٍ وَيَتْرُكَ مِثْلَهُ لِأَنَّ ذَلِكَ عِنْدَهُ دَاخِلٌ فِي مَعْنَاهُ وَذَلِكَ كَمَا قَالَ فَقَالَ هَذَا
8 / 594
كَمَا وَصَفْت وَالْحُجَّةُ بِهَذَا ثَابِتَةٌ لِكُلِّ مَنْ صَحَّحَ الْأَخْذَ بِالْحَدِيثِ، وَلَمْ يُخَالِفْهُ عَلَى مَنْ أَخَذَ بِبَعْضٍ وَتَرَكَ بَعْضًا وَلَكِنْ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ ذَهَبَ إلَى شَيْءٍ مِنْ التَّأْوِيلِ فَمَا الْحُجَّةُ عَلَيْهِ؟ قُلْت فَسَنَذْكُرُ مِنْ التَّأْوِيلِ إنْ شَاءَ اللَّهُ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحُجَّةَ فِيهِ وَمَا سَلَكَ فِيهِ سَالِكٌ طَرِيقًا خَالَفَ الْحَقَّ عِنْدَنَا كَانَ أَشْبَهَ أَنْ يَشْتَبِهَ عَلَى كُلِّ مَنْ يَسْمَعُهُ مِنْك مِنْ أَصْحَابِك لِأَنَّكُمْ قُلْتُمْ وَلَكُمْ عِلْمٌ بِمَذَاهِبِ النَّاسِ وَبَيَانِ الْعُقُولِ وَكَلِمَتُهُ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ سَلَكَ طَرِيقَهُ فِيمَا تَأَوَّلُوا وَرَأَيْتهمْ غَلِطُوا فِيهِ وَخَلَطُوا بِوُجُوهٍ شَتَّى أُمَثِّلُ مِمَّا حَضَرَنِي مِنْهَا مِثَالًا يَدُلُّ عَلَى مَا وَرَاءَهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَنَسْأَلُ اللَّهَ الْعِصْمَةَ وَالتَّوْفِيقَ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): أَبَانَ اللَّهُ - جَلَّ ثَنَاؤُهُ - لِخَلْقِهِ أَنَّهُ أَنْزَلَ كِتَابَهُ بِلِسَانِ نَبِيِّهِ وَهُوَ لِسَانُ قَوْمِهِ الْعَرَبِ فَخَاطَبَهُمْ بِلِسَانِهِمْ عَلَى مَا يَعْرِفُونَ مِنْ مَعَانِي كَلَامِهِمْ وَكَانُوا يَعْرِفُونَ مِنْ مَعَانِي كَلَامِهِمْ أَنَّهُمْ يَلْفِظُونَ بِالشَّيْءِ عَامًّا يُرِيدُونَ بِهِ الْعَامَّ وَعَامًّا يُرِيدُونَ بِهِ الْخَاصَّ ثُمَّ دَلَّهُمْ عَلَى مَا أَرَادَ مِنْ ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ وَعَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ وَأَبَانَ لَهُمْ أَنَّ مَا قَبِلُوا عَنْ نَبِيِّهِ فَعَنْهُ - جَلَّ ثَنَاؤُهُ - قَبِلُوا بِمَا فَرَضَ مِنْ طَاعَةِ رَسُولِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِهِ مِنْهَا ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ﴾ وَقَوْلُهُ ﴿فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ قَالَ وَقَدْ اخْتَصَرْت مِنْ تَمْثِيلِ مَا يَدُلُّ الْكِتَابُ عَلَى أَنَّهُ نَزَلَ مِنْ الْأَحْكَامِ عَامًّا أُرِيدَ بِهِ الْعَامَّ وَكَتَبْته فِي كِتَابٍ غَيْرِ هَذَا وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ عِلْمِ الْقُرْآنِ وَكَتَبْتُ مَعَهُ غَيْرَهُ مِمَّا أُنْزِلَ عَامًّا يُرَادُ الْخَاصُّ وَكَتَبْت فِي هَذَا الْكِتَابِ مِمَّا نَزَلَ عَامُّ الظَّاهِرِ مَا دَلَّ الْكِتَابُ عَلَى أَنَّ اللَّهَ أَرَادَ بِهِ الْخَاصَّ لِإِبَانَةِ الْحُجَّةِ عَلَى مَنْ تَأَوَّلَ مَا رَأَيْنَاهُ مُخَالِفًا فِيهِ طَرِيقَ مَنْ رَضِينَا مَذْهَبَهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.
مِنْ ذَلِكَ قَالَ اللَّهُ - جَلَّ ثَنَاؤُهُ - ﴿فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾ الْآيَةُ، وَقَالَ ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ﴾ فَكَانَ ظَاهِرُ مَخْرَجِ هَذَا عَامًّا عَلَى كُلِّ مُشْرِكٍ فَأَنْزَلَ اللَّهُ ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾ فَدَلَّ أَمْرُ اللَّهِ - جَلَّ ثَنَاؤُهُ - بِقِتَالِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ بِالْآيَتَيْنِ اللَّتَيْنِ أَمَرَ فِيهِمَا بِقِتَالِ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وُجِدُوا حَتَّى يُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَأَنْ يُقَاتَلُوا حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدَّيْنُ كُلُّهُ لِلَّهِ، مَنْ خَالَفَ أَهْلَ الْكِتَابِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ، وَكَذَلِكَ دَلَّتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ عَلَى قِتَالِ أَهْلِ الْأَوْثَانِ حَتَّى يُسْلِمُوا، وَقِتَالِ أَهْلِ الْكِتَابِ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ فَهَذَا مِنْ الْعَامِّ الَّذِي دَلَّ اللَّهُ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ بِهِ الْخَاصَّ لَا أَنَّ وَاحِدَةً مِنْ الْآيَتَيْنِ نَاسِخَةٌ لِلْأُخْرَى لِأَنَّ لِإِعْمَالِهِمَا مَعًا وَجْهًا بِأَنْ كَانَ كُلُّ أَهْلِ الشِّرْكِ صِنْفَيْنِ صِنْفٌ أَهْلُ الْكِتَابِ وَصِنْفٌ غَيْرُ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلِهَذَا فِي الْقُرْآنِ نَظَائِرُ وَفِي السُّنَنِ مِثْلُ هَذَا قَالَ وَالنَّاسِخُ مِنْ الْقُرْآنِ الْأَمْرُ يُنْزِلُهُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ الْأَمْرِ يُخَالِفُهُ كَمَا حَوَّلَ الْقِبْلَةَ قَالَ ﴿فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا﴾ وَقَالَ ﴿سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا﴾ وَأَشْبَاهٌ لَهُ كَثِيرَةٌ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ قَالَ وَلَا يَنْسَخُ كِتَابَ اللَّهِ إلَّا كِتَابُهُ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ ﴿مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا﴾.
وَقَوْلُهُ ﴿وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ﴾ فَأَبَانَ أَنَّ نَسْخَ الْقُرْآنِ لَا يَكُونُ إلَّا بِقُرْآنٍ مِثْلِهِ وَأَبَانَ اللَّهُ - جَلَّ ثَنَاؤُهُ - أَنَّهُ فَرَضَ عَلَى رَسُولِهِ اتِّبَاعَ أَمْرِهِ، فَقَالَ: ﴿اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ﴾ وَشَهِدَ لَهُ بِاتِّبَاعِهِ، فَقَالَ - جَلَّ ثَنَاؤُهُ - ﴿وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ - صِرَاطِ اللَّهِ﴾ فَأَعْلَمَ اللَّهُ خَلْقَهُ أَنَّهُ يَهْدِيهِمْ إلَى صِرَاطِهِ قَالَ: فَتُقَامُ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ مَعَ كِتَابِ اللَّهِ - جَلَّ ثَنَاؤُهُ - مَقَامَ الْبَيَانِ عَنْ اللَّهِ عَدَدَ فَرْضِهِ كَبَيَانِ مَا أَرَادَ بِمَا أَنْزَلَ عَامًّا الْعَامَّ أَرَادَ بِهِ أَوْ الْخَاصَّ وَمَا أَنْزَلَ فَرْضًا وَأَدَبًا وَإِبَاحَةً وَإِرْشَادًا إلَّا أَنَّ شَيْئًا مِنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ يُخَالِفُ كِتَابَ اللَّهِ فِي حَالٍ لِأَنَّ اللَّهَ - جَلَّ ثَنَاؤُهُ - قَدْ أَعْلَمَ خَلْقَهُ أَنَّ رَسُولَهُ يَهْدِي إلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ صِرَاطِ اللَّهِ وَلَا أَنَّ شَيْئًا مِنْ سُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ نَاسِخٌ لِكِتَابِ اللَّهِ لِأَنَّهُ قَدْ أَعْلَمَ خَلْقَهُ أَنَّهُ إنَّمَا يَنْسَخُ الْقُرْآنَ بِقُرْآنٍ مِثْلِهِ وَالسُّنَّةُ تَبَعٌ لِلْقُرْآنِ، وَقَدْ اخْتَصَرْتُ مِنْ إبَانَةِ السُّنَّةِ عَنْ كِتَابِ اللَّهِ بَعْضَ مَا حَضَرَنِي مِمَّا يَدُلُّ عَلَى مِثْلِ مَعْنَاهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ قَالَ اللَّهُ - جَلَّ ثَنَاؤُهُ - ﴿إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا﴾ فَدَلَّ رَسُولُ اللَّهِ
8 / 595
عَلَى عَدَدِ الصَّلَاةِ وَمَوَاقِيتِهَا وَالْعَمَلِ بِهَا وَفِيهَا وَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا عَلَى الْعَامَّةِ وَالْأَحْرَارِ وَالْمَمَالِيكِ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ إلَّا يُقْصِرْ فَأَبَانَ مِنْهَا الْمَعَانِيَ الَّتِي وَصَفْت وَأَنَّهَا مَرْفُوعَةٌ عَنْ الْحَيْضِ، وَقَالَ اللَّهُ - جَلَّ ثَنَاؤُهُ - ﴿إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ﴾ الْآيَةُ.
وَكَانَ ظَاهِرُ مَخْرَجِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّ كُلَّ قَائِمٍ إلَى الصَّلَاةِ الْوُضُوءَ فَدَلَّ رَسُولُ اللَّهِ عَلَى أَنَّ فَرْضَ الْوُضُوءِ عَلَى الْقَائِمِينَ إلَى الصَّلَاةِ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ لِأَنَّهُ صَلَّى صَلَاتَيْنِ وَصَلَوَاتٍ بِوُضُوءٍ وَاحِدَةٍ، وَقَدْ قَامَ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُنَّ وَذَهَبَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْقُرْآنِ إلَى أَنَّهَا عَلَى الْقَائِمِينَ مِنْ النَّوْمِ، وَدَلَّ رَسُولُ اللَّهِ عَلَى أَشْيَاءَ تُوجِبُ الْوُضُوءَ عَلَى مَنْ قَامَ إلَى الصَّلَاةِ وَذَكَرَ اللَّهُ غَسْلَ الْقَدَمَيْنِ فَمَسَحَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَى الْخُفَّيْنِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْغَسْلَ عَلَى الْقَدَمَيْنِ عَلَى بَعْضِ الْمُتَوَضِّئِينَ دُونَ بَعْضٍ، وَقَالَ اللَّهُ - جَلَّ ثَنَاؤُهُ - لِنَبِيِّهِ ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا﴾ وَقَالَ ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ﴾ فَكَانَ ظَاهِرُ مَخْرَجِ الْآيَةِ بِالزَّكَاةِ عَامًّا يُرَادُ بِهِ الْخَاصُّ بِدَلَالَةِ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ عَلَى أَنَّ مِنْ أَمْوَالِهِمْ مَا لَيْسَ فِيهِ زَكَاةٌ وَأَنَّ مِنْهَا مِمَّا فِيهِ الزَّكَاةُ مَا لَا يَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ حَتَّى يَبْلُغَ وَزْنًا أَوْ كَيْلًا أَوْ عَدَدًا فَإِذَا بَلَغَهُ كَانَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ ثُمَّ دَلَّ عَلَى أَنَّ مِنْ الزَّكَاةِ شَيْئًا يُؤْخَذُ بِعَدَدٍ وَشَيْئًا يُؤْخَذُ بِكَيْلٍ وَشَيْئًا يُؤْخَذُ بِوَزْنٍ وَأَنَّ مِنْهَا مَا زَكَاتُهُ خُمُسٌ، وَعُشْرٌ وَرُبْعُ عُشْرٍ وَشَيْءٌ بِعَدَدٍ، وَقَالَ اللَّهُ ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا﴾ الْآيَةُ فَدَلَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَى مَوَاقِيتِ الْحَجِّ وَمَا يَدْخُلُ بِهِ فِيهِ وَمَا يَخْرُجُ بِهِ مِنْهُ وَمَا يُعْمَلُ فِيهِ بَيْنَ الدُّخُولَ وَالْخُرُوجَ.
وَقَالَ اللَّهُ - جَلَّ ثَنَاؤُهُ - ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا﴾ وَقَالَ ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ﴾ وَكَانَ مَخْرَجُ هَذَا عَامًّا فَدَلَّ رَسُولُ اللَّهِ عَلَى أَنَّ اللَّهَ - جَلَّ ثَنَاؤُهُ - أَرَادَ بِهَذَا بَعْضَ السَّارِقِينَ يَقُولُ «تُقْطَعُ الْيَدُ فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا» وَرَجْمُ الْحُرَّيْنِ الزَّانِيَيْنِ الثَّيِّبَيْنِ وَلَمْ يَجْلِدْهُمَا فَدَلَّتْ السُّنَّةُ عَلَى أَنَّ الْقَطْعَ عَلَى بَعْضِ السُّرَّاقِ دُونَ بَعْضٍ وَالْجَلْدَ عَلَى بَعْضِ الزُّنَاةِ دُونَ بَعْضٍ فَقَدْ يَكُونُ سَارِقًا مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ فَلَا يُقْطَعُ وَسَارِقًا لَا تَبْلُغُ سَرِقَتُهُ رُبْعَ دِينَارٍ فَلَا يُقْطَعُ وَيَكُونُ زَانِيًا ثَيِّبًا فَلَا يُجْلَدُ مِائَةً فَوَجَبَ عَلَى كُلِّ عَالِمٍ أَنْ لَا يَشُكَّ أَنَّ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ إذَا قَامَتْ هَذَا الْمَقَامَ مَعَ كِتَابِ اللَّهِ فِي أَنَّ اللَّهَ أَحْكَمَ فَرْضَهُ بِكِتَابِهِ وَبَيَّنَ كَيْفَ مَا فَرَضَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ وَأَبَانَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ ﷺ مَا أَرَادَ بِهِ الْعَامَّ وَالْخَاصَّ كَانَتْ كَذَلِكَ سُنَّتُهُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَا تَخْتَلِفُ وَأَنَّ قَوْلَ مَنْ قَالَ: تُعْرَضُ السُّنَّةُ عَلَى الْقُرْآنِ فَإِنْ وَافَقَتْ ظَاهِرَهُ وَإِلَّا اسْتَعْمَلْنَا ظَاهِرَ الْقُرْآنِ وَتَرَكْنَا الْحَدِيثَ جَهِلَ لِمَا وَصَفْتُ فَأَبَانَ اللَّهُ لَنَا أَنَّ سُنَنَ رَسُولِهِ فَرْضٌ عَلَيْنَا بِأَنْ نَنْتَهِيَ إلَيْهَا لَا أَنَّ لَنَا مَعَهَا مِنْ الْأَمْرِ شَيْئًا إلَّا التَّسْلِيمَ لَهَا وَاتِّبَاعَهَا وَلَا أَنَّهَا تُعْرَضُ عَلَى قِيَاسٍ وَلَا عَلَى شَيْءٍ غَيْرِهَا وَأَنَّ كُلَّ مَا سِوَاهَا مِنْ قَوْلِ الْآدَمِيِّينَ تَبَعٌ لَهَا قَالَ فَذَكَرْت مَا قُلْت مِنْ هَذَا الْعَدَدِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْقُرْآنِ وَالسُّنَنِ وَالْآثَارِ وَاخْتِلَافِ النَّاسِ وَالْقِيَاسِ وَالْمَعْقُولِ فَكُلُّهُمْ قَالَ مَذْهَبَنَا وَمَذْهَبَ جَمِيعِ مَنْ رَضِينَا مِمَّنْ لَقِينَا وَحَكَى لَنَا عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، فَقُلْتُ لِأَلْحَنَ مَنْ خَبَرْتُ مِنْهُمْ عِنْدِي بِحُجَّةٍ وَأَكْثَرِهِمْ عِلْمًا فِيمَا عَلِمْتُ: أَرَأَيْتَ إذَا زَعَمْنَا نَحْنُ وَأَنْتَ أَنَّ الْحَقَّ عِنْدَنَا فِي أَمْرٍ فَهَلْ يَجُوزُ خِلَافُهُ؟
قَالَ: لَا، قُلْت: وَحُجَّتُنَا حُجَّتُك عَلَى مَنْ رَدَّ الْأَحَادِيثَ وَاسْتَعْمَلَ ظَاهِرَ الْقُرْآنِ فَقَطَعَ السَّارِقَ فِي كُلِّ شَيْءٍ لِأَنَّ اسْمَ السَّرِقَةِ يَلْزَمُهُ وَأَبْطَلَ الرَّجْمَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ يَقُولُ ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ﴾ وَعَلَى مَنْ اسْتَعْمَلَ بَعْضَ الْحَدِيثِ مَعَ هَؤُلَاءِ وَقَالَ: لَا يُمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ قَصَدَ الْقَدَمَيْنِ بِغُسْلٍ أَوْ مَسْحٍ وَعَلَى آخَرِينَ مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ أَحَلُّوا كُلَّ ذِي رُوحٍ لَمْ يَنْزِلْ تَحْرِيمُهُ فِي الْقُرْآنِ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ ﴿قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ﴾.
وَقَالُوا قَالَ بِمَا عَقَلْنَا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ بِهِ مِنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ فَحَرَّمْنَا كُلَّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ بِخَبَرٍ مِنْ ثِقَةٍ عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ عَنْ النَّبِيِّ قَالَ: نَعَمْ هَذِهِ حُجَّتُنَا، وَكَفَى بِهَا حُجَّةً وَلَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا فِي أَحَدٍ رَدَّ حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ بِلَا حَدِيثٍ مِثْلِهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ، وَقَدْ يَخْفَى عَلَى الْعَالِمِ بِرَسُولِ اللَّهِ الشَّيْءَ مِنْ سُنَّتِهِ يَعْلَمُهُ مَنْ لَيْسَ مِثْلَهُ فِي الْعِلْمِ وَهَؤُلَاءِ وَإِنْ أَخَذُوا بِبَعْضِ الْحَدِيثِ فَقَدْ سَلَكُوا فِي تَرْكِ تَحْرِيمِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ وَتَرْكِ الْمَسْحِ عَلَى
8 / 596
الْخُفَّيْنِ طَرِيقَ مَنْ رَدَّ الْحَدِيثَ كُلَّهُ لِأَنَّهُمْ إذَا اسْتَعْمَلُوا بَعْضَ الْحَدِيثِ وَتَرَكُوا بَعْضَهُ لَا مُخَالِفَ لَهُ عَنْ النَّبِيِّ فَقَدْ عَطَّلُوا مِنْ الْحَدِيثِ مَا اسْتَعْمَلُوا مِثْلَهُ وَقُلْت وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ بِتَوْهِينِ الْحَدِيثِ إذَا ذَهَبُوا إلَى أَنَّهُ يُخَالِفُ ظَاهِرَ الْقُرْآنِ وَعُمُومَهُ إذَا احْتَمَلَ الْقُرْآنُ أَنْ يَكُونَ خَاصًّا وَقَوْلُهُمْ لِمَنْ قَالَ بِالْحَدِيثِ فِي الْمَسْحِ وَتَحْرِيمِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ وَغَيْرِهِ إذَا كَانَ الْقُرْآنُ مُحْتَمِلًا لَأَنْ يَكُونَ عَامًّا يُرَادُ بِهِ الْخَاصُّ خَالَفْت الْقُرْآنَ ظُلْمًا، قَالَ: نَعَمْ قُلْت وَلَا تُقْبَلُ حُجَّتُهُمْ بِأَنْ أَنْكَرَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ﵁ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةُ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَهُمْ أَعْلَمُ بِالْحَدِيثِ، وَأَلْزَمُ لِلنَّبِيِّ ﷺ وَأَقْرَبُ مِنْهُ وَأَحْفَظُ عَنْهُ وَأَنَّ بَعْضَهُمْ ذَهَبَ إلَى أَنَّ الْمَسْحَ مَنْسُوخٌ بِالْقُرْآنِ وَأَنَّهُ إنَّمَا كَانَ قَبْلَ نُزُولِ سُورَةِ الْمَائِدَةِ، وَإِنْ لَمْ يَزَلْ فِي النَّاسِ إلَى الْيَوْمِ مَنْ يَقُولُ بِقَوْلِهِمْ قَالَ لَا أَقْبَلُ مِنْ هَذَا شَيْئًا وَلَيْسَ فِي أَحَدٍ رَدَّ خَبَرًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ بِلَا خَبَرٍ عَنْهُ حُجَّةٌ قُلْتُ لَهُ وَإِنَّمَا كَانَتْ الْحُجَّةُ فِي الرَّدِّ لَوْ أَوْرَدُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ مَسَحَ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ مَسْحِهِ لَا تَمْسَحُوا قَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: وَلَا يُقْبَلُ أَنْ يُقَالَ لَهُمْ إذَا قَالَ قَائِلُهُمْ: لَمْ يَمْسَحْ النَّبِيُّ بَعْدَ الْمَائِدَةِ فَإِنَّمَا قَالَهُ بِعِلْمِ أَنَّ الْمَسْحَ مَنْسُوخٌ قَالَ وَلَا قُلْت وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقْبَلَ قَوْلُ مَنْ قَالَ إنَّ النَّبِيَّ لَمْ يَمْسَحْ بَعْدَ الْمَائِدَةِ إذَا لَمْ يُرْوَ ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ قُلْت لَهُ: وَيَجُوزُ أَنْ يَنْسَخَ الْقُرْآنُ السُّنَّةَ إلَّا أَحْدَثَ رَسُولُ اللَّهِ سُنَّةً تَنْسَخُهَا، قَالَ أَمَّا هَذَا فَأُحِبُّ أَنْ تُبَيِّنَهُ لِي قُلْت: أَرَأَيْت لَوْ جَازَ أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ سَنَّ فَتَلْزَمُنَا سُنَّتَهُ ثُمَّ نَسَخَ اللَّهُ سُنَّتَهُ بِالْقُرْآنِ وَلَا يُحْدِثُ النَّبِيُّ مَعَ الْقُرْآنِ سُنَّةً تَدُلُّ عَلَى أَنَّ سُنَّتَهُ الْأُولَى مَنْسُوخَةٌ أَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ إنَّمَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ مَا حَرَّمَ مِنْ الْبُيُوعِ قَبْلَ نُزُولِ قَوْلِ اللَّهِ: ﴿وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾، وَقَوْلُهُ ﴿إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ﴾ أَوْ مَا جَازَ أَنْ يُقَالَ إنَّمَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ أَنْ تُنْكَحَ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا وَخَالَتِهَا قَبْلَ نُزُولِ قَوْلِ اللَّهِ: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ﴾ الْآيَةُ وَقَوْلُهُ: ﴿وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ﴾ فَلَا بَأْسَ بِكُلِّ بَيْعٍ عَنْ تَرَاضٍ وَالْجَمْعِ بَيْنَ الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ، وَإِنَّمَا حُرِّمَ كُلُّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ قَبْلَ نُزُولِ: ﴿قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ﴾ الْآيَةُ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِ كُلِّ ذِي رُوحٍ مَا خَلَا الْآدَمِيِّينَ ثُمَّ جَازَ هَذَا فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، وَجَازَ أَنْ تُؤْخَذَ الصَّدَقَةُ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً﴾ وَهَذَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَذَكَرْتُ لَهُ فِي هَذَا شَيْئًا أَكْثَرَ مِنْ هَذَا، فَقَالَ مَا يَجُوزُ أَنْ يَنْسَخَ السُّنَّةَ الْقُرْآنُ إلَّا وَمَعَ الْقُرْآنِ سُنَّةٌ تُبَيِّنُ أَنَّ الْأُولَى مَنْسُوخَةٌ وَإِلَّا دَخَلَ هَذَا كُلُّهُ وَكَانَ فِيهِ تَعْطِيلُ الْأَحَادِيثِ قُلْت وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقْبَلَ قَوْلُ مَنْ قَالَ إنَّ النَّبِيَّ لَمْ يَمْسَحْ عَلَى الْخُفَّيْنِ بَعْدَ الْمَائِدَةِ إذَا لَمْ يُرْوَ ذَلِكَ خَبَرًا عَنْ النَّبِيِّ لِأَنَّهُ إنَّمَا قَالَهُ عَلَى عِلْمِهِ.
وَقَدْ يَعْلَمُ غَيْرُهُ أَنَّهُ مَسَحَ بَعْدَهَا وَلَا يَرُدُّ عَلَيْهِ قَوْلَ غَيْرِهِ لَمْ يَمْسَحْ بَعْدَهَا إذْ لَمْ يَرْوِهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لِأَنَّ هَذَا لَوْ جَازَ جَازَ أَنْ يُقَالَ لَا يُقْبَلُ أَبَدًا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ شَيْئًا مِثْلَ هَذَا إلَّا بِأَنْ يُقَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الْقَوْلَ قَوْلَ صَاحِبِهِ دُونَ قَوْلِ النَّبِيِّ وَلَا نَجْعَلُ فِي قَوْلِهِ حُجَّةً وَإِنْ وَافَقَ ظَاهِرَ الْقُرْآنِ إذَا لَمْ يَعْزُهُ إلَى النَّبِيِّ بِخَبَرٍ يُخَالِفُهُ قَالَ: نَعَمْ قُلْت إنَّ هَذَا لَوْ جَازَ جَازَ أَنْ يُقَالَ: إنَّ النَّبِيَّ إنَّمَا قَالَ «تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا»، وَرَجَمَ الثَّيِّبَيْنِ ثُمَّ نَزَلَ: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا﴾ وَنُزِّلَ ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ﴾ فَنَسَخَ رَجْمَهُ بِالْجَلْدِ وَدَلَالَةُ أَنْ لَا يُقْطَعَ إلَّا مَنْ سَرَقَ مِنْ حِرْزِ مَا يَبْلُغُ رُبْعَ دِينَارٍ قَالَ: نَعَمْ، وَقُلْت لَهُ: وَلَا يَجُوزُ إذَا ذَكَرَ الْحَدِيثَ عَنْ النَّبِيِّ ﵇ أَبُو سَعِيدٍ أَوْ ابْنُ عُمَرَ أَوْ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ فَقَضَى رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ الْمُتَقَدِّمِي الصُّحْبَةِ بِخِلَافِ مَا رَوَى أَحَدُ هَؤُلَاءِ عَنْ النَّبِيِّ إلَّا أَنْ يُؤْخَذَ بِقَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ بِخَبَرٍ صَادِقٍ عَنْهُ وَعِلْمِي بِأَنَّ الرَّجُلَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ بِخَبَرٍ صَادِقٍ عَنْهُ لَعَلَّهُ مِنْ التَّابِعِينَ وَخَبَرُ صَاحِبِ النَّبِيِّ أَوْلَى بِأَنْ يَثْبُتَ مِنْ خَبَرِ تَابِعِيٍّ أَوْ أَنْ يَسْتَوِيَا فِي أَنْ يَثْبُتَا فَإِذَا اسْتَوَيَا عُلِمَ بِأَنَّ النَّبِيَّ
8 / 597
قَالَ أَوْ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ قَالَ وَلَا يَسَعُ مُسْلِمًا أَنْ يَشُكَّ فِي أَنَّ الْفَرْضَ اتِّبَاعُ قَوْلِ النَّبِيِّ وَطَرْحِ كُلِّ مَا خَالَفَهُ كَمَا صَنَعَ النَّاسُ بِقَوْلِ عُمَرَ فِي تَفْضِيلِ بَعْضِ الْأَصَابِعِ عَلَى بَعْضٍ وَكَمَا صَنَعَ عُمَرُ بِقَوْلِ نَفْسِهِ إذْ كَانَ لَا يُوَرِّثُ الْمَرْأَةَ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا شَيْئًا حَتَّى وَجَدَ وَوَجَدُوا خِلَافَهُ عَنْ النَّبِيِّ قَالَ: نَعَمْ هَذَا هَكَذَا وَلَا يَسَعُ مُسْلِمًا أَنْ يَشُكَّ فِي هَذَا قُلْت.
وَلَا يُقَالُ لَا يَعْزُبُ عَنْ عُمَرَ الْعِلْمُ يَعْلَمُهُ مَنْ لَيْسَتْ لَهُ صُحْبَةٌ وَلَا عَنْ الْأَكْثَرِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ قَالَ: لَا لِأَنَّا قَدْ وَجَدْنَاهُ عَزَبَ، قُلْت لَهُ: أَعْطَيْت عِنْدَنَا بِجُمْلَةِ هَذَا الْقَوْلِ النَّصَفَةَ وَلَزِمَتْك الْحُجَّةُ مَعَ جَمَاعَةِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَمُنْفَرِدًا بِمَا عَلِمْتَ مِنْ هَذَا وَعَلِمْتَ بِمَوْضِعِ الْحُجَّةِ وَأَنَّ كَثِيرًا قَدْ غَلَطَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِالْجَهَالَةِ بِكَثِيرٍ مِمَّا يَلْزَمُهُ مِنْ الْعِلْمِ فِيهِ قَالَ: أَجَلْ قُلْتُ: فَقَدْ وَجَدْتُ لَك أَقَاوِيلَ تُوَافِقُ هَذَا فَحَمِدْتهَا، وَأَقَاوِيلَ تُخَالِفُ هَذَا فَلَا يَجُوزُ أَنْ أَحْمَدُكَ عَلَى خِلَافِ مَا حَمِدَتْكَ عَلَيْهِ وَلَا يَجُوزُ لَك إلَّا أَنْ تَنْتَقِلَ عَمَّا أَقَمْتَ عَلَيْهِ مِنْ خِلَافٍ مَا زَعَمْت الْحَقَّ فِيهِ قَالَ ذَلِكَ الْوَاجِبُ عَلَيَّ فَهَلْ تَعْلَمُ شَيْئًا أَقَمْت عَلَيْهِ مِنْ خِلَافِ هَذَا؟ قُلْت: نَعَمْ حَدِيثًا لِرَسُولِ اللَّهِ تَرَكْتُهُ بِأَضْعَفَ مِنْ حُجَّةِ مَنْ احْتَجَجْت لَهُ فِي رَدِّ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَغَيْرِهِ، قَالَ: فَاذْكُرْ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا، قُلْتَ لَهُ: قُلْنَا إنَّ «رَسُولَ اللَّهِ قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ» فَرَدَدْتُهَا وَمَا رَأَيْتُكَ جَمَعْتَ حُجَّتَكَ عَلَى شَيْءٍ كَجَمْعِهَا عَلَى مَنْ قَالَ بِهَا وَسَلَكْتَ سَبِيلَ مَنْ رَدَّ خَبَرَ الْمُنْفَرِدِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ بِتَأَوُّلِ الْقُرْآنِ وَنَسَبْتَ مَنْ قَالَ بِهَا إلَى خِلَافِ الْقُرْآنِ وَلَيْسَ فِيهَا مِنْ خِلَافِ الْقُرْآنِ شَيْءٌ وَلَا فِي شَيْءٍ يَثْبُتُ عَنْ النَّبِيِّ وَإِنَّمَا ثَبَتَ الشَّهَادَةَ عَلَى غَيْرِك بِالْخَطَأِ فِيمَا وَصَفْتَ مِنْ رَدِّ الْمَسْحِ، وَكُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ بِمِثْلِ مَا رَدَدْت بِهِ الْيَمِينَ مَعَ الشَّاهِدِ بَلْ حُجَّتُكَ فِيهَا أَضْعَفُ فَقَالَ بَعْضُ مَنْ حَضَرَهُ: قَدْ عَلِمْنَا أَنْ لَا حُجَّةَ لَهُ فِيمَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ الْقُرْآنِ، وَرَدِّ الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ إلَّا أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ تَرَكَ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَأَحَلَّ أَكْلَ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ وَقَطْعَ كُلِّ مَنْ لَزِمَهُ اسْمُ سَرِقَةٍ، وَعَطَّلَ الرَّجْمَ إنْ كَانَ مِنْ حَدَثٍ بِهَا مِمَّنْ يُثْبِتُ أَهْلُ الْحَدِيثِ حَدِيثَهُ أَوْ حَدِيثَ مِثْلِهِ بِصِحَّةِ إسْنَادِهِ وَاتِّصَالِهِ بِهَا.
وَقَالَ هُوَ وَهْمٌ وَلَكِنَّهَا رُوِيَتْ فِيمَا عَلِمْنَا مِنْ حَدِيثٍ مُنْقَطِعٍ وَنَحْنُ لَا نُثْبِتُهُ فَقُلْت: لَهُ فَقَدْ كَانَتْ لَك كِفَايَةٌ تُصَدَّقُ بِهَا وَتُنْصَفُ وَتَكُونُ لَك الْحُجَّةُ فِي رَدِّهَا لَوْ قُلْت: إنَّهَا رُوِيَتْ مِنْ حَدِيثٍ مُنْقَطِعٍ؛ لِأَنَّا وَإِيَّاكَ وَأَهْلَ الْحَدِيثِ لَا نُثْبِتُ حَدِيثًا مُنْقَطِعًا بِنَفْسِهِ بِحَالٍ فَكَيْفَ خَبَّرْت بِأَنَّهَا خِلَافُ الْقُرْآنِ فَزَعَمْتَ أَنَّك تَرُدُّهَا إنْ حَكَمَ بِهَا حَاكِمٌ وَأَنْتَ لَا تَرُدُّ حُكْمَ حَاكِمٍ بِرَأْيِهِ وَإِنْ رَأَيْته أَنْتَ جَوْرًا قَالَ فَدَعْ هَذَا فَقُلْت: نَعَمْ بَعْدَ عِلْمٍ بِأَنَّك أَغْفَلْتَ أَوْ عَمَدْت أَنَّك تُشَنِّعُ عَلَى غَيْرِك بِمَا تَعْلَمُ أَنْ لَيْسَتْ لَك عَلَيْهِ فِيهِ حُجَّةٌ وَهَذَا طَرِيقُ غَفْلَةٍ أَوْ ظُلْمٍ، قَالَ: فَهَلْ تَثْبُتُ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ بِإِسْنَادٍ مُتَّصِلٍ فَإِنَّمَا عَرَفْنَا فِيهَا حَدِيثًا مُنْقَطِعًا، وَحَدِيثًا يُرْوَى عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ مُتَّصِلًا فَيُنْكِرُهُ سُهَيْلٌ وَيَرْوِيهِ رَجُلٌ لَيْسَ بِالْحَافِظِ فَيُحْتَمَلُ لَهُ مِثْلُ هَذَا قُلْت مَا أَخَذْنَا بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ مِنْ وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ لَكِنْ عِنْدَنَا فِيهَا حَدِيثٌ مُتَّصِلٌ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ فَاذْكُرْهُ قُلْت: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ عَنْ سَيْفِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ «النَّبِيَّ قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ».
وَأَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ مِثْلَهُ، قَالَ: مَا سَمِعْته قَبْلَ ذِكْرِك الْآنَ قُلْت أَنُثْبِتُ نَحْنُ وَأَنْتَ مِثْلَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْت: فَلَزِمَكَ أَنْ تَرْجِعَ إلَيْهِ، قَالَ فَأَرُدُّهَا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «الْبَيِّنَةُ عَلَى مِنْ ادَّعَى وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ» وَقَدْ كَتَبْت هَذَا فِي الْأَحَادِيثِ الْجُمَلِ وَالْمُفَسِّرَةَ وَكَلَّمْته فِيهِ بِمَا عَلِمَ مَنْ حَضَرَ بِأَنَّهُ لَمْ يَحْتَجَّ فِيهِ بِشَيْءٍ وَقَدْ وَصَفْتُ فِي كِتَابِي هَذَا الْمَوَاضِعَ الَّتِي غَلِطَ فِيهَا بَعْضُ مَنْ عَجَّلَ بِالْكَلَامِ فِي الْعِلْمِ قَبْلَ خِبْرَتِهِ وَأَسْأَلُ اللَّهَ التَّوْفِيقَ.
وَالْحَدِيثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ كَلَامٌ عَرَبِيٌّ مَا كَانَ مِنْهُ عَامُّ الْمَخْرَجِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ كَمَا وَصَفْت فِي الْقُرْآنِ يَخْرُجُ عَامًّا وَهُوَ يُرَادُ بِهِ الْعَامُّ وَيَخْرُجُ عَامًّا، وَهُوَ يُرَادُ بِهِ الْخَاصُّ وَالْحَدِيثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ عَلَى عُمُومِهِ وَظُهُورِهِ حَتَّى تَأْتِيَ دَلَالَةٌ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ بِأَنَّهُ أَرَادَ بِهِ خَاصًّا دُونَ عَامٍّ وَيَكُونُ الْحَدِيثُ الْعَامُّ الْمُخَرَّجِ مُحْتَمِلًا مَعْنَى الْخُصُوصِ بِقَوْلِ عَوَامِّ أَهْلِ الْعِلْمِ
8 / 598
فِيهِ أَوْ مَنْ حَمَلَ الْحَدِيثَ سَمَاعًا عَنْ النَّبِيِّ ﷺ بِمَعْنًى يَدُلُّ عَلَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ أَرَادَ بِهِ خَاصًّا دُونَ عَامٍّ وَلَا يَجْعَلُ الْحَدِيثَ الْعَامَّ الْمُخَرَّجَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ خَاصًّا بِغَيْرِ دَلَالَةٍ مِمَّنْ لَمْ يَحْمِلْهُ وَيَسْمَعْهُ لِأَنَّهُ يُمْكِنْ فِيهِمْ جُمْلَةً أَنْ لَا يَكُونُوا عَلِمُوهُ وَلَا بِقَوْلِ خَاصَّةٍ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ فِيهِمْ جَهْلُهُ وَلَا يُمْكِنُ فِيمَنْ عَلِمَهُ وَسَمِعَهُ وَلَا فِي الْعَامَّةِ جَهْلُ مَا سَمِعَ وَجَاءَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَكَذَلِكَ لَا يَحْتَمِلُ الْحَدِيثُ زِيَادَةً لَيْسَتْ فِيهِ دَلَالَةً بِهَا عَلَيْهِ.
وَكُلَّمَا احْتَمَلَ حَدِيثَانِ أَنْ يُسْتَعْمَلَا مَعًا اُسْتُعْمِلَا مَعًا وَلَمْ يُعَطِّلْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا الْآخَرَ كَمَا وَصَفْتُ فِي أَمْرِ اللَّهِ بِقِتَالِ الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا، وَمَا أَمَرَ بِهِ مِنْ قِتَالِ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ.
وَفِي الْحَدِيثِ نَاسِخٌ وَمَنْسُوخٌ كَمَا وَصَفْت فِي الْقِبْلَةِ الْمَنْسُوخَةِ بِاسْتِقْبَالِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَإِذَا لَمْ يَحْتَمِلْ الْحَدِيثَانِ إلَّا الِاخْتِلَافَ كَمَا اخْتَلَفَتْ الْقِبْلَةُ نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَالْبَيْتِ الْحَرَامِ كَانَ أَحَدُهُمَا نَاسِخًا وَالْآخَرُ مَنْسُوخًا وَلَا يُسْتَدَلُّ عَلَى النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ إلَّا بِخَبَرٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ أَوْ بِقَوْلٍ أَوْ بِوَقْتٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَحَدَهُمَا بَعْدَ الْآخَرِ فَيُعْلَمُ أَنَّ الْآخِرَ هُوَ النَّاسِخُ أَوْ بِقَوْلِ مَنْ سَمِعَ الْحَدِيثَ أَوْ الْعَامَّةِ كَمَا وَصَفْت أَوْ بِوَجْهٍ آخَرَ لَا يُبَيَّنُ فِيهِ النَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخُ وَقَدْ كَتَبْتُهُ فِي كِتَابِي وَمَا يُنْسَبُ إلَى الِاخْتِلَافِ مِنْ الْأَحَادِيثِ نَاسِخٌ وَمَنْسُوخٌ فَيُصَارُ إلَى النَّاسِخِ دُونَ الْمَنْسُوخِ وَمِنْهَا مَا يَكُونُ اخْتِلَافًا فِي الْفِعْلِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْأَمْرَيْنِ مُبَاحَانِ كَاخْتِلَافِ الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ وَكِلَاهُمَا مُبَاحٌ وَمِنْهَا مَا يَخْتَلِفُ وَمِنْهَا مَا لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الْحَدِيثَيْنِ أَشْبَهَ بِمَعْنَى كِتَابِ اللَّهِ أَوْ أَشْبَهَ بِمَعْنَى سُنَنِ النَّبِيِّ ﷺ مِمَّا سِوَى الْحَدِيثَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ أَوْ أَشْبَهَ بِالْقِيَاسِ فَأَيُّ الْأَحَادِيثِ الْمُخْتَلِفَةِ كَانَ هَذَا فَهُوَ أَوْلَاهُمَا عِنْدَنَا أَنْ يُصَارَ إلَيْهِ، وَمِنْهَا مَا عَدَّهُ بَعْضُ مَنْ يَنْظُرُ فِي الْعِلْمِ مُخْتَلِفًا بِأَنَّ الْفِعْلَ فِيهِ اخْتَلَفَ أَوْ لَمْ يَخْتَلِفْ الْفِعْلُ فِيهِ إلَّا بِاخْتِلَافِ حُكْمِهِ أَوْ اخْتَلَفَ الْفِعْلُ فِيهِ بِأَنَّهُ مُبَاحٌ فَيُشْبِهُ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ بِأَنَّهُ الْقَائِلُ بِهِ وَمِنْهَا مَا جَاءَ جُمْلَةً وَآخَرُ مُفَسَّرًا، وَإِذَا جَعَلْت الْجُمْلَةَ عَلَى أَنَّهَا عَامَّةٌ عَلَيْهِ رَوَيْت بِخِلَافِ الْمُفَسَّرِ وَلَيْسَ هَذَا اخْتِلَافًا إنَّمَا هَذَا مِمَّا وَصَفْت مِنْ سَعَةِ لِسَانِ الْعَرَبِ وَأَنَّهَا تَنْطِقُ بِالشَّيْءِ مِنْهُ عَامًّا تُرِيدُ بِهِ الْخَاصَّ وَهَذَانِ يُسْتَعْمَلَانِ مَعًا وَقَدْ أَوْضَحْت مِنْ كُلِّ صِنْفٍ مِنْ هَذَا مَا يَدُلُّ عَلَى مَا فِي مِثْلِ مَعْنَاهُ إنْ شَاءَ اللَّه وَجِمَاعُ هَذَا أَنْ لَا يُقْبَلُ إلَّا حَدِيثٌ ثَابِتٌ كَمَا لَا يُقْبَلُ مِنْ الشُّهُودِ إلَّا مَنْ عُرِفَ عَدْلُهُ، فَإِذَا كَانَ الْحَدِيثُ مَجْهُولًا أَوْ مَرْغُوبًا عَمَّنْ حَمَلَهُ كَانَ كَمَا لَمْ يَأْتِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِثَابِتٍ.
بَابُ الِاخْتِلَافِ مِنْ جِهَةِ الْمُبَاحِ
حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَضَّأَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ مَرَّةً مَرَّةً». أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حُمْرَانَ مَوْلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أَنَّ «النَّبِيَّ ﷺ تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا».
أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ «رَجُلًا يَسْأَلُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدٍ هَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُرِينِي كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَتَوَضَّأُ؟ فَدَعَا بِمَاءٍ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا وَيَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ وَمَسَحَ رَأْسَهُ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ».
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَلَا يُقَالُ لِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ مُخْتَلِفٌ مُطْلَقًا وَلَكِنَّ الْفِعْلَ فِيهَا يَخْتَلِفُ مِنْ وَجْهِ أَنَّهُ مُبَاحٌ لَا اخْتِلَافَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، وَلَكِنْ يُقَالُ أَقَلُّ مَا يَجْزِي مِنْ الْوُضُوءِ مَرَّةً وَأَكْمَلُ مَا يَكُونُ مِنْ الْوُضُوءِ ثَلَاثًا.
أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ عَنْ دَاوُد بْنِ قَيْسٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ بِلَالٍ «أَنَّ رَسُولَ
8 / 599
اللَّهِ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ» (قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَلَا يُقَالُ لِمَسْحِ رَسُولِ اللَّهِ عَلَى الْخُفَّيْنِ خِلَافُ غَسْلِ رِجْلَيْهِ عَلَى الْمُصَلِّي إنَّمَا يُقَالُ الْغَسْلُ كَمَالٌ وَالْمَسْحُ رُخْصَةٌ وَكَمَالٌ وَأَيُّهُمَا شَاءَ فَعَلَ.
بَابُ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ
أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ مِسْعَرٍ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ سَرِيعٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ قَالَ سَمِعْتُ «النَّبِيَّ يَقْرَأُ فِي الصُّبْحِ ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ﴾» (قَالَ الشَّافِعِيُّ): يَعْنِي يَقْرَأُ فِي الصُّبْحِ ﴿إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ﴾ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلَاقَةَ عَنْ عَمِّهِ قَالَ سَمِعْت «النَّبِيَّ ﵇ فِي الصُّبْحِ يَقْرَأُ ﴿وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ﴾» (قَالَ الشَّافِعِيُّ): يَعْنِي ﴿ق﴾ أَخْبَرَنَا مُسْلِمٌ وَعَبْدُ الْمَجِيدِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو سَلَمَةَ بْنُ سُفْيَانَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو الْعَائِذِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ قَالَ «صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الصُّبْحَ بِمَكَّةَ فَاسْتَفْتَحَ بِسُورَةِ الْمُؤْمِنِينَ حَتَّى إذَا جَاءَ ذِكْرَ مُوسَى وَهَارُونَ أَوْ ذِكْرَ عِيسَى أَخَذَتْ النَّبِيَّ سَعْلَةٌ فَحَذَفَ فَرَكَعَ» قَالَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ السَّائِبِ حَاضِرٌ ذَلِكَ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَلَيْسَ نَعُدُّ شَيْئًا مِنْ هَذَا اخْتِلَافًا لِأَنَّهُ قَدْ صَلَّى الصَّلَوَاتِ عُمُرَهُ فَيَحْفَظُ الرَّجُلُ قِرَاءَتَهُ يَوْمًا وَالرَّجُلُ قِرَاءَتَهُ يَوْمًا غَيْرَهُ وَقَدْ أَبَاحَ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ بِقِرَاءَةِ مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ «وَسَنَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ يَقْرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَمَا تَيَسَّرَ» فَدَلَّ عَلَى أَنَّ اللَّازِمَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ قِرَاءَةُ أُمِّ الْقُرْآنِ وَفِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مَا تَيَسَّرَ مَعَهَا.
بَابٌ فِي التَّشَهُّدِ
حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ سَعِيدٍ وَطَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ فَكَانَ يَقُولُ التَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكَاتُ الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ سَلَامٌ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ سَلَامٌ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ».
(قَالَ الرَّبِيعُ) هَذَا حَدَّثَنَا بِهِ يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) وَقَدْ رَوَى أَيْمَنُ بْنُ نَابِلٍ بِإِسْنَادٍ لَهُ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ ﵇ تَشَهُّدًا يُخَالِفُ هَذَا فِي بَعْضِ حُرُوفِهِ، وَرَوَى الْبَصْرِيُّونَ عَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ ﵇ حَدِيثًا يُخَالِفُهُمَا فِي بَعْضِ حُرُوفِهِمَا، وَرَوَى الْكُوفِيَّانِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي التَّشَهُّدِ حَدِيثًا يُخَالِفُهَا كُلَّهَا فِي بَعْضِ حُرُوفِهَا فَهِيَ مُشْتَبِهَةٌ مُتَقَارِبَةٌ وَاحْتَمَلَ أَنْ تَكُونَ كُلُّهَا ثَابِتَةً، وَأَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ يُعَلِّمُ الْجَمَاعَةَ وَالْمُنْفَرِدِينَ التَّشَهُّدَ فَيَحْفَظُ أَحَدُهُمْ عَلَى لَفْظٍ وَيَحْفَظُ الْآخَرُ عَلَى لَفْظٍ يُخَالِفُهُ لَا يَخْتَلِفَانِ فِي مَعْنَى أَنَّهُ إنَّمَا يُرِيدُ بِهِ تَعْظِيمَ اللَّهِ - جَلَّ ثَنَاؤُهُ وَذِكْرَهُ - وَالتَّشَهُّدَ وَالصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ فَيُقِرُّ النَّبِيُّ كُلًّا عَلَى مَا حَفِظَ وَإِنْ زَادَ بَعْضُهُمْ كَلِمَةً عَلَى بَعْضٍ أَوْ لَفَظَهَا بِغَيْرِ لَفْظَةٍ لِأَنَّهُ ذَكَرَ، وَقَدْ «اخْتَلَفَ بَعْضُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ فِي بَعْضِ لَفْظِ الْقُرْآنِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي مَعْنَاهُ فَأَقَرَّهُمْ وَقَالَ هَكَذَا أُنْزِلَ إنَّ هَذَا الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ» فَمَا سِوَى الْقُرْآنِ مِنْ الذِّكْرِ أَوْلَى أَنْ يَتَّسِعَ هَذَا فِيهِ إذَا لَمْ يَخْتَلِفْ الْمَعْنَى قَالَ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَعْمِدَ أَنْ يَكُفَّ مِنْ قِرَاءَةِ حَرْفٍ مِنْ الْقُرْآنِ إلَّا بِنِسْيَانٍ وَهَذَا فِي التَّشَهُّدِ وَفِي جَمِيعِ الذِّكْرِ أَخَفُّ وَإِنَّمَا قُلْنَا بِالتَّشَهُّدِ الَّذِي رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ لِأَنَّهُ أَتَمُّهَا، وَأَنَّ فِيهِ زِيَادَةً عَلَى بَعْضِهَا " الْمُبَارَكَاتُ ".
8 / 600
بَابٌ فِي الْوِتْرِ
حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَقَدْ سَمِعْت أَنَّ «النَّبِيَّ ﷺ أَوْتَرَ أَوَّلَ اللَّيْلِ وَآخِرِهِ» فِي حَدِيثٍ يَثْبُتُ مِثْلُهُ وَحَدِيثٍ دُونَهُ وَذَلِكَ مِمَّا وَصَفْت فِي الْمُبَاحِ لَهُ أَنْ يُوتِرَ فِي اللَّيْلِ كُلِّهِ وَنَحْنُ نُبِيحُ فِي الْمَكْتُوبَةِ أَنْ يُصَلِّيَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَآخِرِهِ، وَهَذَا الْوِتْرُ أَوْسَعُ مِنْهُ.
حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْفُورٍ عَنْ مُسْلِمٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «مِنْ كُلِّ اللَّيْلِ قَدْ أَوْتَرَ رَسُولُ اللَّهِ فَانْتَهَى وِتْرُهُ إلَى السَّحَرِ».
بَابُ سُجُودِ الْقُرْآنِ
حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ ثَوْبَانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَرَأَ بِ النَّجْمِ فَسَجَدَ وَسَجَدَ النَّاسُ مَعَهُ إلَّا رَجُلَيْنِ» قَالَ أَرَادَا الشُّهْرَةَ.
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ ابْنِ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ «قَرَأَ عِنْدَ رَسُولُ اللَّهِ بِ النَّجْمِ فَلَمْ يَسْجُدْ فِيهَا».
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَفِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ سُجُودَ الْقُرْآنِ لَيْسَ بِحَتْمٍ وَلَكِنَّا نُحِبُّ أَنْ لَا يُتْرَكَ لِأَنَّ «النَّبِيَّ ﵇ سَجَدَ فِي النَّجْمِ وَتَرَكَ».
حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَفِي " النَّجْمِ " سَجْدَةٌ وَلَا أُحِبُّ أَنْ يَدَعَ شَيْئًا مِنْ سُجُودِ الْقُرْآنِ وَإِنْ تَرَكَهُ كَرِهْته لَهُ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِفَرْضٍ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ مَا الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِفَرْضٍ؟ قِيلَ السُّجُودُ صَلَاةٌ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا﴾ فَكَانَ الْمَوْقُوتُ يَحْتَمِلُ مَوْقُوتًا بِالْعَدَدِ وَمَوْقُوتًا بِالْوَقْتِ فَأَبَانَ رَسُولُ اللَّهِ «أَنَّ اللَّهَ - جَلَّ ثَنَاؤُهُ - فَرَضَ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ عَلَيَّ غَيْرَهَا؟ قَالَ: لَا إلَّا أَنْ تَطَوَّعَ» فَلَمَّا كَانَ سُجُودُ الْقُرْآنِ خَارِجًا مِنْ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ كَانَ سُنَّةَ اخْتِيَارٍ، وَأَحَبُّ إلَيْنَا أَنْ لَا يَدَعَهُ وَمَنْ تَرَكَهُ تَرَكَ فَضْلًا لَا فَرْضًا وَإِنَّمَا «سَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي النَّجْمِ» لِأَنَّ فِيهَا سُجُودًا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَفِي سُجُودِ النَّبِيِّ ﷺ فِي " النَّجْمِ " دَلِيلٌ عَلَى مَا وَصَفْت لِأَنَّ النَّاسَ سَجَدُوا مَعَهُ إلَّا رَجُلَيْنِ وَالرَّجُلَانِ لَا يَدَعَانِ إنْ شَاءَ اللَّهُ الْفَرْضَ وَلَوْ تَرَكَاهُ أَمَرَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ بِإِعَادَتِهِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَأَمَّا حَدِيثُ زَيْدٍ أَنَّهُ «قَرَأَ عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ النَّجْمِ فَلَمْ يَسْجُدْ» فَهُوَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ زَيْدًا لَمْ يَسْجُدْ وَهُوَ الْقَارِئُ فَلَمْ يَسْجُدْ النَّبِيُّ ﷺ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فَرْضًا فَيَأْمُرُهُ النَّبِيُّ بِهِ (حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ) أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ «رَجُلًا قَرَأَ عِنْدَ النَّبِيِّ السَّجْدَةَ فَسَجَدَ فَسَجَدَ النَّبِيُّ ثُمَّ قَرَأَ آخَرُ عِنْدَهُ السَّجْدَةَ فَلَمْ يَسْجُدْ فَلَمْ يَسْجُدْ النَّبِيُّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَرَأَ فُلَانٌ عِنْدَكَ السَّجْدَةَ فَسَجَدْت وَقَرَأْت عِنْدَك السَّجْدَةَ فَلَمْ تَسْجُدْ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ ﵇: كُنْت إمَامًا فَلَوْ سَجَدْت سَجَدْت مَعَك» (قَالَ الشَّافِعِيُّ): إنِّي رَكَبُ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ لِأَنَّهُ يَحْكِي أَنَّهُ قَرَأَ عِنْدَ النَّبِيِّ " النَّجْمِ " فَلَمْ يَسْجُدْ وَإِنَّمَا رَوَى الْحَدِيثَيْنِ مَعًا عَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ قَالَ: وَأُحِبُّ أَنْ يَبْدَأَ الَّذِي يَقْرَأُ " السَّجْدَةَ " فَيَسْجُدَ وَيَسْجُدُوا مَعَهُ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَلَعَلَّ أَحَدُ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ نَسَخَ الْآخَرَ قِيلَ: فَلَا يَدَّعِي أَحَدٌ أَنَّ السُّجُودَ فِي " النَّجْمِ " مَنْسُوخٌ إلَّا جَازَ لِغَيْرِهِ أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّ تَرْكَ السُّجُودِ مَنْسُوخٌ وَالسُّجُودَ نَاسِخٌ ثُمَّ يَكُونُ أَوْلَى لِأَنَّ السُّنَّةَ السُّجُودُ لِقَوْلِ اللَّهِ: ﴿فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا﴾ وَلَا يُقَالُ لِوَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ نَاسِخٌ وَلَا مَنْسُوخٌ وَلَكِنْ يُقَالُ اخْتِلَافٌ مِنْ جِهَةِ الْمُبَاحِ.
8 / 601
بَابُ الْقَصْرِ وَالْإِتْمَامِ فِي السَّفَرِ فِي الْخَوْفِ وَغَيْرِ الْخَوْفِ
حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): قَالَ اللَّهُ - جَلَّ ثَنَاؤُهُ - ﴿وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ﴾ الْآيَةُ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَكَانَ بَيِّنًا فِي كِتَابِ اللَّهِ أَنَّ الْقَصْرَ فِي السَّفَرِ فِي الْخَوْفِ وَغَيْرِ الْخَوْفِ مَعًا رُخْصَةٌ مِنْ اللَّهِ لَا أَنَّ اللَّهَ فَرَضَ أَنْ تَقْصُرُوا كَمَا كَانَ بَيِّنًا فِي كِتَابِ اللَّهِ أَنَّ قَوْلَهُ: ﴿لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ﴾ رُخْصَةٌ لَا أَنَّ حَتْمًا مِنْ اللَّهِ أَنْ يُطَلِّقُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَمَسُّوهُنَّ، وَكَمَا كَانَ بَيِّنًا فِي كِتَابِ اللَّهِ ﴿وَلا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ﴾ إِلَى ﴿جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا﴾ رُخْصَةٌ لَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَتَّمَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِهِمْ وَلَا مِنْ بُيُوتِ آبَائِهِمْ وَلَا جَمِيعًا وَلَا أَشْتَاتًا وَإِذَا كَانَ الْقَصْرُ فِي الْخَوْفِ وَالسَّفَرِ رُخْصَةً مِنْ اللَّهِ كَانَ كَذَلِكَ الْقَصْرُ فِي السَّفَرِ بِلَا خِلَافٍ فَمَنْ قَصَرَ فِي الْخَوْفِ وَالسَّفَرِ قَصَرَ بِكِتَابِ اللَّهِ ثُمَّ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ وَمَنْ قَصَرَ فِي سَفَرٍ بِلَا خَوْفٍ قَصَرَ بِنَصِّ السُّنَّةِ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ أَخْبَرَ أَنَّ اللَّهَ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَى عِبَادِهِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَأَيْنَ الدَّلَالَةُ عَلَى مَا وَصَفْتَ؟ قِيلَ: أَخْبَرَنَا مُسْلِمٌ وَعَبْدُ الْمَجِيدِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي عَمَّارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَابَاهُ عَنْ «يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ قَالَ قُلْتُ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ إنَّمَا قَالَ اللَّهُ ﴿أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ فَقَدْ أَمِنَ النَّاسُ، فَقَالَ عُمَرُ عَجِبْتُ مِمَّا عَجِبْتَ مِنْهُ فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ» فَدَلَّ رَسُولُ اللَّهِ عَلَى أَنَّ الْقَصْرَ فِي السَّفَرِ بِلَا خَوْفٍ صَدَقَةٌ مِنْ اللَّهِ وَالصَّدَقَةُ رُخْصَةٌ لَا حَتْمٌ مِنْ اللَّهِ أَنْ يَقْصُرُوا وَدَلَّتْ عَلَى أَنْ يَقْصُرَ فِي السَّفَرِ بِلَا خَوْفٍ إنْ شَاءَ الْمُسَافِرُ، وَأَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ كُلُّ ذَلِكَ قَدْ فَعَلَ «رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَتَمَّ فِي السَّفَرِ وَقَصَرَ» (حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ) أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «سَافَرَ رَسُولُ اللَّهِ مِنْ مَكَّةَ إلَى الْمَدِينَةِ آمِنًا لَا يَخَافُ إلَّا اللَّهَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ».
حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ حَدَّثَنَا الشَّافِعِيُّ أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ عَنْ أَبِي يَحْيَى عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كُلُّ ذَلِكَ قَدْ فَعَلَ «رَسُولُ اللَّهِ أَتَمَّ فِي السَّفَرِ وَقَصَرَ».
(بَابُ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ)
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): ﵁ قَالَ لِي بَعْضُ النَّاسِ مَنْ أَتَمَّ فِي السَّفَرِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّ أَصْلَ فَرْضِ الصَّلَاةِ فِي السَّفَرِ رَكْعَتَانِ إلَّا أَنْ يَجْلِسَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ فِي مَثْنَى فَيَكُونُ ذَلِكَ كَالْقَطْعِ لِلصَّلَاةِ أَوْ يُدْرِكَ مُقِيمًا يَأْتَمَّ بِهِ فِي صَلَاتِهِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ مِنْهَا فَيُتِمَّ قَالَ يُقَالُ لَهُ مَا قُلْت لِلْمُسَافِرِ أَنْ يُتِمَّ وَلَا صَحَّحْت عَلَيْهِ قَوْلَك أَنْ يَقْصُرَ قَالَ: كَيْفَ؟ قُلْت أَرَأَيْت لَوْ كَانَ الْمُسَافِرُ إذَا صَلَّى أَرْبَعًا كَانَتْ اثْنَتَانِ مِنْهَا نَافِلَةً أَكَانَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ خَلْفَ مُقِيمٍ؟ لَقَدْ كَانَ يَلْزَمُكَ فِي قَوْلِكَ أَنْ لَا يُصَلِّيَ خَلْفَ مُقِيمٍ أَبَدًا إلَّا فَسَدَتْ صَلَاتُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ خَلَطَ عِنْدَك نَافِلَةً بِفَرِيضَةٍ وَالْآخَرُ أَنَّكَ تَقُولُ إذَا اخْتَلَفَتْ نِيَّةُ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ فَسَدَتْ صَلَاةُ الْمَأْمُومِ وَنِيَّةُ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ مُخْتَلِفَةٌ هَهُنَا فِي أَكْبَرِ الْأَشْيَاءِ، وَذَلِكَ عَدَدُ الصَّلَاةِ قَالَ: إنِّي أَقُولُ إذَا دَخَلَ خَلْفَ الْمُقِيمِ حَالَ فَرْضِهِ قُلْت بِأَنَّهُ يَصِيرُ مُقِيمًا أَوْ هُوَ مُسَافِرٌ قَالَ بَلْ هُوَ مُسَافِرٌ قُلْت فَمِنْ أَيْنَ يَحُولُ فَرْضُهُ؟ قَالَ قُلْنَا إجْمَاعٌ مِنْ النَّاسِ أَنَّ الْمُسَافِرَ إذَا صَلَّى خَلْفَ مُقِيمٍ أَتَمَّ قُلْت وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَوْ لَمْ تَعْلَمْ فِي أَنَّ لِلْمُسَافِرِ أَنْ يُتِمَّ إنْ شَاءَ كِتَابًا وَلَا سُنَّةً أَنْ يَدُلّكَ هَذَا عَلَى أَنَّ لَهُ أَنْ يُتِمَّ وَقُلْت لَهُ قُلْت فِيهِ قَوْلًا مُحَالًا قَالَ وَمَا هُوَ؟ قُلْت: أَرَأَيْت الْمُصَلِّي الْمُقِيمَ إذَا جَلَسَ فِي مَثْنَى مِنْ صَلَاتِهِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ أَيَقْطَعُ ذَلِكَ صَلَاتَهُ؟ قَالَ: لَا، وَلَا يَقْطَعُهَا إلَّا السَّلَامُ أَوْ الْكَلَامُ أَوْ الْعَمَلُ الَّذِي يُفْسِدُ الصَّلَاةَ
8 / 602
قُلْت: فَلِمَ زَعَمْت أَنَّ الْمُسَافِرَ إذَا جَلَسَ فِي مَثْنَى قَدْرِ التَّشَهُّدِ وَهُوَ يَنْوِي حِينَ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ فِي كُلِّ حَالٍ أَنْ يُصَلِّيَ أَرْبَعًا فَصَلَّى أَرْبَعًا تَمَّتْ صَلَاتُهُ إلَّا أَنَّ الْأُولَتَيْنِ الْفَرْضُ وَالْآخِرَتَيْنِ نَافِلَةٌ وَقَدْ وَصَلَهُمَا قَالَ كَانَ لَهُ أَنْ يُسَلِّمَ مِنْهُمَا قُلْت: وَقَوْلُك كَانَ لَهُ يُصَيِّرُهُ حُكْمَ مَنْ سَلَّمَ مِنْهُمَا أَوْ لَا يَكُونُ فِي حُكْمِهِ إلَّا بِالسَّلَامِ فَمَا عَلِمْته زَادَ عَلَى أَنْ قَالَ فَأَنَا أُضَيِّقُ عَلَيْهِ إنْ قُلْتُ تَفْسُدُ قُلْت فَقَدْ ضَيَّقْتَ إنْ سَهَا فَلَمْ يَجْلِسْ فِي مَثْنَى وَصَلَّى أَرْبَعًا فَزَعَمْتَ أَنَّ صَلَاتَهُ تَفْسُدُ لِأَنَّهُ يَخْلِطُ نَافِلَةً بِفَرِيضَةٍ فَمَا عَلِمْتُك وَافَقْتَ قَوْلًا مَاضِيًا وَلَا قِيَاسًا صَحِيحًا وَمَا زِدْتَ عَلَى أَنْ اخْتَرَعْتَ قَوْلًا أَحْدَثْته مُحَالًا، قَالَ فَدَعْ هَذَا وَلَكِنْ لَمْ تَقُلْ أَنْتَ إنَّ فَرْضَهُ رَكْعَتَانِ؟ قُلْتُ أَقُولُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ بِالرُّخْصَةِ لَا أَنَّ حَتْمًا عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ فِي السَّفَرِ كَمَا قُلْتَ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ لَهُ أَنْ يَغْسِلَ رِجْلَيْهِ وَلَهُ أَنْ يَمْسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ.
قَالَ فَكَيْفَ قَالَتْ عَائِشَةُ قُلْت أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ أَوَّلُ مَا فُرِضَتْ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ فَزِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ وَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ قَالَ الزُّهْرِيُّ قُلْت فَمَا شَأْنُ عَائِشَةَ كَانَتْ تُتِمُّ الصَّلَاةَ؟ قَالَ إنَّهَا تَأَوَّلَتْ مَا تَأَوَّلَ عُثْمَانُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَقَالَ فَمَا تَقُولُ فِي قَوْلِ عَائِشَةَ؟ قُلْت أَقُولُ إنَّ مَعْنَاهُ عِنْدِي عَلَى غَيْرِ مَا أَرَدْت بِالدَّلَالَةِ عَنْهَا قَالَ وَمَا مَعْنَاهُ؟ قُلْت إنَّ صَلَاةَ الْمُسَافِرِ أُقِرَّتْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ إنْ شَاءَ قَالَ وَمَا دَلَّ عَلَى أَنَّ هَذَا مَعْنَاهُ عِنْدَهَا قُلْت إنَّهَا أَتَمَّتْ فِي السَّفَرِ قَالَ فَمَا قَوْلُ عُرْوَةَ إنَّهَا تَأَوَّلَتْ مَا تَأَوَّلَ عُثْمَانُ؟ قُلْت لَا أَدْرِي أَتَأَوَّلَتْ أَنَّ لَهَا أَنْ تُتِمَّ وَتُقْصِرَ فَاخْتَارَتْ الْإِتْمَامَ وَكَذَلِكَ رَوَتْ عَنْ النَّبِيِّ، وَمَا رَوَتْ عَنْ النَّبِيِّ، وَقَالَتْ بِمِثْلِهِ أَوْلَى بِهَا مِنْ قَوْلِ عُرْوَةَ إنَّهَا ذَهَبَتْ إلَيْهِ لَوْ كَانَ عُرْوَةُ ذَهَبَ إلَى غَيْرِ هَذَا وَمَا أَعْرِفُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ قَالَ فَلَعَلَّهُ حَكَاهُ عَنْهَا قُلْت فَمَا عَلِمْته حَكَاهُ عَنْهَا وَإِنْ كَانَ حَكَاهُ فَقَدْ يُقَالُ تَأَوَّلَ عُثْمَانُ أَنْ لَا يَقْصَدُ إلَّا خَائِفٌ وَمَا تَقِفُ عَلَى مَا تَأَوَّلَ عُثْمَانُ خَبَرًا صَحِيحًا قَالَ فَلَعَلَّهَا تَأَوَّلَتْ أَنَّهَا أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ قُلْت لَمْ تَزَلْ لِلْمُؤْمِنِينَ أُمًّا وَهِيَ تَقْصِد ثُمَّ أَتَمَّتْ بَعْدُ، وَحَالُهَا فِي أَنَّهَا أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ قَبْلَ الْقَصْرِ وَبَعْدَهُ سَوَاءٌ وَقَدْ قَصَرَتْ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ وَأَتَمَّتْ قَالَ: أَمَّا إنْ لَيْسَتْ لِي عَلَيْك مَسْأَلَةٌ بِأَنْ أَضَلَّ مَا أَذْهَبُ إلَيْهِ وَتَذْهَبُ إلَيْهِ أَنْ لَيْسَ فِي أَحَدٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ حُجَّةٌ وَإِنَّك تَذْهَبُ إلَى أَنْ فَرَضَ الْقُرْآنُ أَنَّ الْقَصْرَ رُخْصَةٌ لَا حَتْمٌ.
وَكَذَلِكَ رِوَايَتُك فِي السُّنَّةِ قُلْت مَا خَفِيَّ عَلَيَّ ذَلِكَ وَلَكِنِّي أَحْبَبْتُ أَنْ تَكُونَ عَلَى عِلْمٍ مِنْ أَنِّي لَمْ أَرَك سَلَكْتَ طَرِيقًا فِي صَلَاةِ السَّفَرِ إلَّا أَخْطَأْتَ فِي ذَلِكَ الطَّرِيقِ فَتَكُونُ أَوْهَنَ لِجَمِيعِ قَوْلِك قَالَ: فَقَدْ عَابَ ابْنُ مَسْعُودٍ عَلَى عُثْمَانَ إتْمَامَهُ بِمِنًى قُلْتُ وَقَامَ فَصَلَّى بِأَصْحَابِهِ فِي مَنْزِلِهِ فَأَتَمَّ فَقِيلَ لَهُ عِبْتَ عَلَى عُثْمَانَ الْإِتْمَامَ وَأَتْمَمْتَ قَالَ: الْخِلَافُ شَرٌّ، قَالَ: نَعَمْ قُلْتُ وَهَذَا مِمَّا وَصَفْتَ مِنْ احْتِجَاجِك بِمَا عَلَيْك قَالَ، وَمَا فِي هَذَا مِمَّا عَلَيَّ؟ قُلْت أَتَرَى أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يُتِمُّ وَهُوَ يَرَى الْإِتْمَامَ لَيْسَ لَهُ؟ قَالَ وَمَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ابْنُ مَسْعُودٍ أَتَمَّ إلَّا وَالْإِتْمَامُ عِنْدَهُ لَهُ وَإِنْ اخْتَارَ الْقَصْرَ، وَلَكِنْ مَا مَعْنَى عَيْبِ ابْنِ مَسْعُودٍ الْإِتْمَامَ قُلْتُ لَهُ مَنْ عَابَ الْإِتْمَامَ عَلَى أَنَّ الْمُتِمَّ رَغِبَ عَنْ الرُّخْصَةِ فَهُوَ مَوْضِعٌ يَجُوزُ لَهُ بِهِ الْقَوْلُ كَمَا نَقُولُ فِيمَنْ تَرَكَ الْمَسْحَ رَغْبَةً عَنْ الرُّخْصَةِ وَلَا نَقُولُ ذَلِكَ فِيمَنْ تَرَكَهُ غَيْرَ رَغْبَةٍ عَنْهَا، قَالَ أَمَا إنَّهُ قَدْ بَلَغَنَا عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﵇ أَنَّهُ عَابَ الْإِتْمَامَ وَأَتَمَّهَا عُثْمَانُ وَصَلَّى مَعَهُ قُلْت فَهَذَا مِثْلُ مَا رَوَيْتَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مِنْ أَنَّ صَلَاتَهُمْ لَا تَفْسُدُ أَفَتَرَى أَنَّهُمْ فِي صَلَاتِهِمْ مَعَ عُثْمَانَ أَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَجْلِسُونَ فِي مَثْنَى؟ قَالَ: مَا يَجُوزُ هَذَا عَلَيْهِمْ قُلْتُ أَفَتَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَصَلَاتُهُمْ بِأَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ يُصَلِّي أَرْبَعًا وَإِنَّمَا فَرْضُهُ زَعَمْتَ رَكْعَتَانِ أَوْ تَرَاهُمْ إذَا ائْتَمُّوا بِهِ فِي الْإِتْمَامِ لَوْ سَهَا، فَقَامَ يُخَالِفُونَهُ فَيَجْلِسُونَ فِي مَثْنَى وَيُسَلِّمُونَ.
قَالَ مَا يَجُوزُ لِي أَنْ أَقُولَ هَذَا قُلْتُ قَدْ قُلْته أَوَّلًا ثُمَّ عَلِمْتَ أَنَّهُ يَلْزَمُك فِيهِ هَذَا فَأَمْسَكْت عَنْهُ وَقَدْ اجْتَرَأْت عَلَى قَوْلِهِ أَوَّلًا وَهُوَ خِلَافُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَخِلَافُهُمَا أَضْيَقُ عَلَيْك مِنْ خِلَافِ مَنْ امْتَنَعْت مِنْ أَنْ تُعْطِيَ خِلَافَهُ قَالَ فَتَقُولُ مَاذَا؟ قُلْت: مَا وَصَفْت مِنْ أَنَّهُمْ مُصِيبُونَ بِالْإِتْمَامِ بِأَصْلِ الْفَرْضِ وَمُصِيبُونَ بِالْقَصْرِ بِقَبُولِ الرُّخْصَةِ كَمَا أَقُولُ فِي كُلِّ رُخْصَةٍ وَأَنْ لَا مَوْضِعَ لِعَيْبِ الْإِتْمَامِ إلَّا أَنْ يُتِمَّ رَجُلٌ يَرْغَبُ عَنْ قَبُولِ الرُّخْصَةِ.
8 / 603
بَابُ الْفِطْرِ وَالصَّوْمِ فِي السَّفَرِ)
حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): قَالَ اللَّهُ - جَلَّ ثَنَاؤُهُ - فِي فَرْضِ الصَّوْمِ ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ فَكَانَ بَيِّنًا فِي الْآيَةِ أَنَّهُ فَرَضَ عَلَيْهِمْ عِدَّةً فَجَعَلَ لَهُمْ أَنْ يُفْطِرُوا فِيهَا مَرْضَى وَمُسَافِرِينَ وَيُحْصُوا حَتَّى يُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَأَخْبَرَ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِمْ الْيُسْرَ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَكَانَ قَوْلُ اللَّهِ: ﴿وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنْ لَا يَجْعَلَ عَلَيْهِمْ صَوْمَ شَهْرِ رَمَضَانَ مَرْضَى وَلَا مُسَافِرِينَ وَيَجْعَلَ عَلَيْهِمْ عَدَدًا إذَا مَضَى الْمَرَضُ وَالسَّفَرُ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا أَمَرَهُمْ بِالْفِطْرِ فِي هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ عَلَى الرُّخْصَةِ إنْ شَاءُوا لِئَلَّا يُحْرَجُوا إنْ فَعَلُوا وَكَانَ فَرْضُ الصَّوْمِ وَالْأَمْرُ بِالْفِطْرِ فِي الْمَرَضِ وَالسَّفَرِ فِي آيَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَمْ أَعْلَمْ مُخَالِفًا أَنَّ كُلَّ آيَةٍ إنَّمَا أُنْزِلَتْ مُتَتَابِعَةً لَا مُتَفَرِّقَةً.
وَقَدْ تَنْزِلُ الْآيَتَانِ فِي السُّورَةِ مُفْتَرِقَتَيْنِ فَأَمَّا آيَةٌ فَلَا؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ أَنَّهَا كَلَامٌ وَاحِدٌ غَيْرُ مُنْقَطِعٍ يُسْتَأْنَفُ بَعْدَهُ غَيْرُهُ فَلَمْ يَخْتَلِفُوا كَمَا وَصَفْت أَنَّ آيَةً لَمْ تَنْزِلْ إلَّا مَعًا لَا مُفْتَرِقَةً فَدَلَّتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ عَلَى أَنْ أَمَرَ اللَّهُ الْمَرِيضَ وَالْمُسَافِرَ بِالْفِطْرِ إرْخَاصًا لَهُمَا لِئَلَّا يُحْرَجَا إنْ فَعَلَا لِأَنَّهُمَا يَجْزِيهِمَا أَنْ يَصُومَا فِي تَيْنِك الْحَالَيْنِ شَهْرَ رَمَضَانَ لِأَنَّ الْفِطْرَ فِي السَّفَرِ لَوْ كَانَ غَيْرَ رُخْصَةٍ لِمَنْ أَرَادَ الْفِطْرَ فِيهِ لَمْ يَصُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ.
حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ خَرَجَ عَامَ الْفَتْحِ فِي رَمَضَانَ فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ الْكَدِيدَ ثُمَّ أَفْطَرَ فَأَفْطَرَ النَّاسُ مَعَهُ» وَكَانُوا يَأْخُذُونَ بِالْأَحْدَثِ فَالْأَحْدَثَ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ قَالَ: قَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ «كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ زَمَانَ غَزْوَةِ تَبُوكَ وَرَسُولُ اللَّهِ يَسِيرُ بَعْدَ أَنْ أَضْحَى إذَا هُوَ بِجَمَاعَةٍ فِي ظِلِّ شَجَرَةٍ فَقَالَ مَنْ هَذِهِ الْجَمَاعَةُ؟ قَالُوا رَجُلٌ صَائِمٌ أَجْهَدَهُ الصَّوْمُ أَوْ كَلِمَةً نَحْوَ هَذِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ أَنْ تَصُومُوا فِي السَّفَرِ» أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ عَنْ كَعْبِ بْنِ عَاصِمٍ الْأَشْعَرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ لِلصَّائِمِ فِي السَّفَرِ: «لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ أَنْ تَصُومُوا فِي السَّفَرِ» أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ أَنَّ «النَّبِيَّ أَمَرَ النَّاسَ فِي سَفَرِهِ عَامَ الْفَتْحِ بِالْفِطْرِ، وَقَالَ تَقَوَّوْا لِلْعَدُوِّ وَصَامَ النَّبِيُّ» قَالَ أَبُو بَكْرٍ قَالَ الَّذِي حَدَّثَنِي «لَقَدْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ بِالْعَرْجِ يُصَبُّ فَوْقَ رَأْسِهِ الْمَاءُ مِنْ الْعَطَشِ أَوْ مِنْ الْحَرِّ فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ طَائِفَةً مِنْ النَّاسِ قَدْ صَامُوا حِينَ صُمْتَ فَلَمَّا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ بِالْكَدِيدِ دَعَا بِقَدَحٍ فَشَرِبَ فَأَفْطَرَ النَّاسُ».
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ ﷺ خَرَجَ إلَى مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ فِي رَمَضَانَ فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ كُرَاعَ الْغَمِيمِ فَصَامَ النَّاسُ مَعَهُ فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ النَّاسَ قَدْ شَقَّ عَلَيْهِمْ الصِّيَامُ فَدَعَا بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ بَعْدَ الْعَصْرِ فَشَرِبَ وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ فَأَفْطَرَ بَعْضُ النَّاسِ وَصَامَ بَعْضُهُمْ فَبَلَغَهُ أَنَّ نَاسًا صَامُوا، فَقَالَ: أُولَئِكَ الْعُصَاةُ».
وَفِي حَدِيثِ الثِّقَةِ غَيْرِ الدَّرَاوَرْدِيِّ عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرٍ «فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ عَامَ الْفَتْحِ فِي رَمَضَانَ إلَى مَكَّةَ فَصَامَ وَأَمَرَ النَّاسَ أَنْ يُفْطِرُوا، وَقَالَ: تَقَوَّوْا بِعَدَدِكُمْ عَلَى عَدُوِّكُمْ فَقِيلَ لَهُ: إنَّ النَّاسَ أَبَوْا أَنْ يُفْطِرُوا حِينَ صُمْتَ فَدَعَا بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ فَشَرِبَهُ ثُمَّ سَاقَ الْحَدِيثَ» أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ
8 / 604
قَالَ «سَافَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَمِنَّا الصَّائِمُ وَمِنَّا الْمُفْطِرُ فَلَمْ يَعِبْ الصَّائِمُ عَلَى الْمُفْطِرِ وَلَا الْمُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ».
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ «حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو الْأَسْلَمِيِّ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَصُومُ فِي السَّفَرِ؟ وَكَانَ كَثِيرُ الصِّيَامِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: إنْ شِئْتَ فَصُمْ وَإِنْ شِئْتَ فَأَفْطِرْ» (قَالَ الشَّافِعِيُّ) ﵀ فَقَالَ قَائِلٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ مَا تَقُولُ فِي صَوْمِ شَهْرِ رَمَضَانَ وَالْوَاجِبِ غَيْرِهِ وَالتَّطَوُّعِ فِي السَّفَرِ وَالْمَرَضِ؟ قُلْت: أُحِبُّ صَوْمَ شَهْرِ رَمَضَانَ فِي السَّفَرِ وَالْمَرَضِ إنْ لَمْ يَكُنْ يُجْهِدُ الْمَرِيضَ وَيَزِيدُ مِنْ مَرَضِهِ وَالْمُسَافِرَ فَيَخَافُ مِنْهُ الْمَرَضَ فَلَهُمَا مَعًا الرُّخْصَةُ فِيهِ قَالَ: فَمَا تَقُولُ فِي قَصْرِ الصَّلَاةِ فِي السَّفَرِ وَإِتْمَامِهَا؟ فَقُلْت قَصْرُهَا فِي السَّفَرِ وَالْخَوْفِ رُخْصَةٌ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَقَصْرُهَا فِي السَّفَرِ بِلَا خَوْفٍ رُخْصَةٌ فِي السُّنَّةِ اخْتَارَهَا، وَلِلْمُسَافِرِ إتْمَامُهَا فَقَالَ: أَمَّا قَصْرُ الصَّلَاةِ فَبَيَّنَ أَنَّ اللَّهَ إنَّمَا جَعَلَهُ رُخْصَةً لِقَوْلِ اللَّهِ: ﴿وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ فَلَمَّا كَانَ إنَّمَا جَعَلَ لَهُمْ أَنْ يَقْصُرُوا خَائِفِينَ مُسَافِرِينَ فَهُمْ إذَا قَصَرُوا مُسَافِرِينَ بِمَا ذَكَرْت مِنْ السُّنَّةِ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ الْقَصْرُ رُخَصًا لَا حَتْمًا أَنْ يَقْصُرُوا لِأَنَّ قَوْلَ اللَّهِ ﴿فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ رُخْصَةٌ بَيِّنَةٌ.
وَظَاهِرُ الْآيَةِ فِي صَوْمٍ أَنَّ الْفِطْرَ فِي الْمَرَضِ وَالسَّفَرِ عَزْمٌ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ: ﴿وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ كَيْفَ لَمْ تَذْهَبْ إلَى أَنَّ الْفِطْرَ عَزْمٌ وَأَنَّهُ لَا يُجْزِي شَهْرُ رَمَضَانَ مَنْ صَامَ مَرِيضًا أَوْ مُسَافِرًا مَعَ الْحَدِيثِ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ «لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ» وَمَعَ أَنَّ الْآخَرَ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ تَرْكُ الصَّوْمِ، وَأَنَّ عَمْرًا أَمَرَ رَجُلًا صَامَ فِي السَّفَرِ أَنْ يَقْضِيَ الصِّيَامَ قَالَ فَحَكَيْتُ لَهُ قُلْتُ فِي قَوْلِ اللَّهِ ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ أَنَّهَا آيَةٌ وَاحِدَةٌ وَأَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْقُرْآنِ أَحَدٌ يُخَالِفُ فِي أَنَّ الْآيَةَ الْوَاحِدَةَ كَلَامٌ وَاحِدٌ وَأَنَّ الْكَلَامَ الْوَاحِدَ لَا يَنْزِلُ إلَّا مُجْتَمَعًا وَإِنْ نَزَلَتْ الْآيَتَانِ فِي السُّورَةِ مُفْتَرِقَتَيْنِ لِأَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ مَعْنَى قَطْعِ الْكَلَامِ، قَالَ: أَجَلْ قُلْتُ فَإِذَا صَامَ رَسُولُ اللَّهِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ وَفَرْضُ شَهْرِ رَمَضَانَ إنَّمَا أُنْزِلَ فِي الْآيَةِ أَلَيْسَ قَدْ عَلِمْنَا أَنَّ الْآيَةَ بِفِطْرِ الْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ رُخْصَةٌ؟ قَالَ: بَلَى فَقُلْت لَهُ وَلَمْ يَبْقَ شَيْءٌ يَعْرِضُ فِي نَفْسِك إلَّا الْأَحَادِيثُ؟ قَالَ: نَعَمْ وَلَكِنَّ الْآخِرَ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ أَلَيْسَ الْفِطْرُ؟ قَالَ: فَقُلْت لَهُ: الْحَدِيثُ يُبَيِّنُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ لَمْ يُفْطِرْ لِمَعْنَى نَسْخِ الصَّوْمِ وَلَا اخْتِيَارِ الْفِطْرِ عَلَى الصَّوْمِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَأْمُرُ النَّاسَ بِالْفِطْرِ، وَيَقُولُ «تَقَوَّوْا لِعَدُوِّكُمْ» وَيَصُومُ ثُمَّ يُخْبِرُ بِأَنَّهُمْ أَوْ أَنَّ بَعْضَهُمْ أَبَى أَنْ يُفْطِرَ إذْ صَامَ فَأَفْطَرَ لِيُفْطِرَ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْ الْفِطْرِ لِصَوْمِهِ بِفِطْرِهِ كَمَا صَنَعَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ فَإِنَّهُ «أَمَرَ النَّاسَ أَنْ يَنْحَرُوا وَيَحْلِقُوا فَأَبَوْا فَانْطَلَقَ فَنَحَرَ وَحَلَقَ فَفَعَلُوا» قَالَ: فَمَا قَوْلُهُ «لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ»؟ قُلْتُ: قَدْ أَتَى بِهِ جَابِرٌ مُفَسَّرًا فَذَكَر أَنَّ «رَجُلًا أَجْهَدَهُ الصَّوْمُ فَلَمَّا عَلِمَ النَّبِيُّ بِهِ قَالَ: لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ» فَاحْتَمَلَ لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ أَنْ يَبْلُغَ هَذَا رَجُلٌ بِنَفْسِهِ فِي فَرِيضَةِ صَوْمٍ وَلَا نَافِلَةٍ وَقَدْ أَرْخَصَ اللَّهُ لَهُ وَهُوَ صَحِيحٌ أَنْ يُفْطِرَ فَلَيْسَ مِنْ الْبِرِّ أَنْ يَبْلُغَ هَذَا بِنَفْسِهِ وَيَحْتَمِلُ لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الْمَفْرُوضِ الَّذِي مَنْ خَالَفَهُ ثُمَّ قَالَ فَكَعْبُ بْنُ عَاصِمٍ لَمْ يَقُلْ هَذَا قُلْتُ: كَعْبٌ رَوَى حَرْفًا وَاحِدًا وَجَابِرٌ سَاقَ الْحَدِيثَ، وَفِي صَوْمِ النَّبِيِّ دَلَالَةٌ عَلَى مَا وَصَفْتُ وَكَذَلِكَ فِي أَمْرِ حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو: «إنْ شَاءَ صَامَ وَإِنْ شَاءَ أَفْطَرَ» وَفِي قَوْلِ أَنَسٍ: «سَافَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَمِنَّا الصَّائِمُ وَمِنَّا الْمُفْطِرُ فَلَمْ يَعِبْ الصَّائِمُ عَلَى الْمُفْطِرِ وَلَا الْمُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ» قَالَ فَقَدْ رَوَى سَعِيدٌ أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ: «خِيَارُكُمْ الَّذِينَ إذَا سَافَرُوا أَفْطَرُوا وَقَصَرُوا الصَّلَاةَ».
قُلْتُ وَهَذَا مِثْلُ مَا وَصَفْت خِيَارُكُمْ الَّذِينَ يَقْبَلُونَ الرُّخْصَةَ لَا يَدَعُونَهَا رَغْبَةً عَنْهَا لَا أَنَّ قَبُولَ الرُّخْصَةِ حَتْمٌ يَأْثَمُ بِهِ مَنْ تَرَكَهُ، قَالَ فَمَا أَمَرَ عُمَرُ رَجُلًا صَامَ فِي السَّفَرِ أَنْ يُعِيدَ قُلْت: لَا أَعْرِفُهُ عَنْهُ، وَإِنْ عَرَفْته فَالْحُجَّةُ ثَابِتَةٌ بِمَا وَصَفْتُ لَك وَأَوْصَلَ مَا نَذْهَبُ إلَيْهِ أَنَّ مَا ثَبَتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ فَالْحُجَّةُ لَازِمَةٌ لِلْخَلْقِ بِهِ وَعَلَى الْخَلْقِ اتِّبَاعُهُ وَقُلْت لَهُ مَنْ أَمَرَ الْمُسَافِرَ أَنْ يَقْضِيَ الصَّوْمَ فَمَذْهَبُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ رَأَى الْآيَةَ حَتْمًا بِفِطْرِ الْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ وَمَنْ رَآهَا حَتْمًا قَالَ الْمُسَافِرُ مَنْهِيٌّ عَنْ
8 / 605
الصَّوْمِ فَإِذَا صَامَهُ كَانَ صِيَامُهُ مَنْهِيًّا عَنْهُ فَيُعِيدُهُ كَمَا لَوْ صَامَ يَوْمَ الْعِيدَيْنِ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَغَيْرُهَا أَعَادَهُمَا فَقَدْ أَبَنَّا دَلَالَةَ السُّنَّةِ أَنَّ الْآيَةَ رُخْصَةٌ لَا حَتْمٌ قَالَ فَمَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ يُؤْخَذُ بِالْآخِرِ فَالْآخِرُ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ؟ فَقُلْت رُوِيَ أَنَّهُ صَامَ وَأَفْطَرَ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَوْ مَنْ رَوَى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا بِرَأْيِهِ وَجَاءَ غَيْرُهُ فِي الْحَدِيثِ بِمَا لَمْ يَأْتِ بِهِ مِنْ أَنَّ فِطْرَهُ كَانَ لِامْتِنَاعِ مَنْ أَمَرَهُ بِالْفِطْرِ مِنْ الْفِطْرِ حَتَّى أَفْطَرَ وَجَاءَ غَيْرُهُ بِمَا وَصَفْت فِي حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو وَهَذَا مِمَّا وَصَفْتُ أَنَّ الرَّجُلَ يَسْمَعُ الشَّيْءَ فَيَتَنَاوَلُهُ وَلَا يَسْمَعُ غَيْرَهُ وَلَا يَمْتَنِعُ مَنْ عَلِمَ الْأَمْرَيْنِ أَنْ يَقُولَ بِهِمَا مَعًا.
(بَابُ قَتْلِ الْأُسَارَى وَالْمُفَادَاةِ بِهِمْ وَالْمَنِّ عَلَيْهِمْ)
حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ «أَسَرَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ رَجُلًا مِنْ بَنِي عَقِيلٍ وَكَانَتْ ثَقِيفٌ قَدْ أَسَرَتْ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ فَفَدَاهُ النَّبِيُّ بِالرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ أَسَرَتْهُمَا ثَقِيفٌ» قَالَ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ لَا يَحْضُرنِي ذِكْرُ مَنْ فَوْقَهُ فِي الْإِسْنَادِ «أَنَّ خَيْلًا لِلنَّبِيِّ ﷺ أَسَرَتْ ثُمَامَةَ بْنَ أُثَالٍ الْحَنَفِيَّ فَأَتَى بِهِ مُشْرِكًا فَرَبَطَهُ النَّبِيُّ ﷺ إلَى سَارِيَةٍ مِنْ سِوَارِي الْمَسْجِدِ ثَلَاثًا ثُمَّ مَنَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ مُشْرِكٌ فَأَسْلَمَ بَعْدُ» (قَالَ الشَّافِعِيُّ) وَأَخْبَرَنِي عَدَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ قُرَيْشٍ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْمَغَازِي أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ أَسَرَ النَّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ الْعَبْدَرِيَّ يَوْمَ بَدْرٍ وَقَتَلَهُ بِالْبَادِيَةِ أَوْ بَيْنَ الْبَادِيَةِ وَالْأَثِيلِ صَبْرًا».
حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ وَأَخْبَرَنِي عَدَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ أَسَرَ عُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ يَوْمَ بَدْرٍ فَقَتَلَهُ صَبْرًا» وَأَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ أَسَرَ سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو وَأَبَا وَدَاعَةَ السَّهْمِيَّ وَغَيْرَهُمَا فَفَادَاهُمَا بِأَرْبَعَةِ آلَافٍ أَرْبَعَةِ آلَافٍ وَفَادَى بَعْضَهُمْ بِأَقَلَّ» وَأَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ أَسَرَ أَبَا عَزَّةَ الْجُمَحِيَّ يَوْمَ بَدْرٍ فَمَنَّ عَلَيْهِ ثُمَّ أَسَرَهُ يَوْمَ أُحُدٍ فَقَتَلَهُ صَبْرًا» (قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَكَانَ فِيمَا وَصَفْتُ مِنْ فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِلْإِمَامِ إذَا أَسَرَ رَجُلًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُقْتَلَ أَوْ أَنْ يَمُنَّ عَلَيْهِ بِلَا شَيْءٍ أَوْ أَنْ يُفَادَى بِمَالٍ يَأْخُذُهُ مِنْهُمْ أَوْ أَنْ يُفَادَى بِأَنْ يُطْلِقَ مِنْهُمْ عَلَى أَنْ يُطْلِقَ لَهُ بَعْضَ أَسْرَى الْمُسْلِمِينَ لَا أَنَّ بَعْضَ هَذَا نَاسِخٌ لِبَعْضٍ وَلَا مُخَالِفٌ لَهُ إلَّا مِنْ جِهَةِ إبَاحَتِهِ وَلَا يُقَالُ لِشَيْءٍ مِنْ الْأَحْكَامِ مُخْتَلِفٍ مُطْلَقًا إلَّا مَا قَالَ حَاكِمٌ حَلَالٌ وَحَاكِمٌ حَرَامٌ فَأَمَّا مَا كَانَ وَاسِعًا فَيُقَالُ هُوَ مُبَاحٌ وَكُلُّ مَنْ صَنَعَ فِيهِ شَيْئًا وَإِنْ خَالَفَ فِعْلَ صَاحِبِهِ فَهُوَ فَاعِلٌ مَا يَجُوزُ لَهُ كَمَا يَكُونُ الْقَائِمُ مُخَالِفًا لِلْقَاعِدِ وَالْمَاشِي مُخَالِفًا لِلْقَائِمِ وَكُلُّ ذَلِكَ مُبَاحٌ لَا أَنَّ حَتْمًا عَلَى الْمَاشِي أَنْ يَقُومَ وَلَا عَلَى الْقَائِمِ أَنْ يَقْعُدَ.
(بَابُ الْمَاءِ مِنْ الْمَاءِ)
حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ ثِقَاتِ أَهْلِ الْعِلْمِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ «قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ إذَا جَامَعَ أَحَدُنَا فَأَكْسَلَ؟ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ: لِيَغْسِلْ مَا مَسَّ الْمَرْأَةَ مِنْهُ وَلْيَتَوَضَّأْ ثُمَّ لِيُصَلِّ» (قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَهَذَا مَنْ أَثْبَتَ إسْنَادَ الْمَاءِ مِنْ الْمَاءِ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ أَتَى عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ لَقَدْ شَقَّ عَلَيَّ اخْتِلَافُ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ فِي أَمْرٍ إنِّي لَأُعْظِمُ أَنْ أَسْتَقْبِلَكِ بِهِ، فَقَالَتْ: مَا هُوَ؟ مَا كُنْتَ سَائِلًا عَنْهُ أُمَّك فَسَلْنِي عَنْهُ فَقَالَ لَهَا: الرَّجُلُ يُصِيبُ أَهْلَهُ ثُمَّ يَكْسَلُ وَلَا يُنْزِلُ فَقَالَتْ: إذَا جَاوَزَ الْخِتَانُ الْخِتَانَ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ، فَقَالَ أَبُو مُوسَى
8 / 606