254

Akhbār al-ʿulamāʾ bi-akhbār al-ḥukamāʾ

اخبار العلماء بأخبار الحكماء

Editor

إبراهيم شمس الدين

Publisher

دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان

Edition

الأولى 1426 هـ - 2005 م

Regions
Syria

وحدها في العرض من مدينة أسوان التي بأعلى نيل مصر وما سامتها من أرض الصعيد الأعلى المتاخم لأرض النوبة إلى مدينة رشيد وما حاذاها من مساقط النيل في البحر الرومي وما اتصل بذلك ومسافته قريب من ثلاثين يوما وكان أهل مصر في سالف الزمان صابئة تعبد الأصنام وتدبر الهياكل ثم تنصرت عند ظهور دين النصرانية ولم تزل على ذلك إلى أن فتحها المسلمون فأسلم بعضهم وبقي سائرهم على دينهم أهل ذمة إلى اليوم وكان لقدماء أهل مصر الذين كانوا قبل الطوفان عناية بأنواع العلم وبحث على غوامض الحكم وكانوا يرون أنه كان في عالم الكون والفساد قبل نوع الإنسان أنواع كثيرة من الحيوانات على صور غريبة وتراكيب شاذة ثم كان نوع الإنسان تغلب على تلك الأنواع حتى أفنى أكثرها وشرد بقيتها إلى القفار والفلوات فمنهم الغيلان والسعالى وأمثال ذلك وذلك مما ذكره عنهم الوصيفي في تاريخه المؤلف في أخبارهم وزعم جماعة من العلماء أن جميع العلوم التي ظهرت قبل الطوفان إنما صدرت عن هرمس الأول الساكن لصعيد مصر الأعلى وهو الذي يسميه العبرانيون أخنوخ النبي بن يادر بن مهلائيل بن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم هو إدريس النبي صلى الله عليه وسلم على ما تقدم ذكر في أول الكتاب وقالوا أه أول من تكلم في الجواهر العلوية والحركات النجومية وأول من بنى الهياكل ومجد الله فيها وأول من نظر في علم الطب وألف لأهل زمانه قصائد موزونة في الأشياء الأرضية والسماوية وقالوا أنه أول من أنذر بالطوفان ورأى أن آفة سماوية تلحق الأرض من الماء والنار فخاف ذهاب العلم ودروس الصنائع فبنى الأهرام والبرابي في صعيد مصر الأعلى وصور فيها جميع الصناعات والآلات ورسم فيها صفات العلوم حرصا منه على تخليدها لمن بعده خيفة أن يذهب رسمها من العالم والله أعلم.

وكان بمصر بعد الطوفان علماء بضروب الفلسفة من العلوم الرياضية والطبيعية والإلهية وخاصة علم الطلسمات والنيرانجيات والمرائي المحرقة والكيمياء وغير ذلك وكانت دار العلم والملك بمصر في قديم الدهر مدينة منف وهي بالقبطية مافة وهي على اثني عشر ميلا من الفسطاط فلما بنى الإسكندر مدينة الإسكندرية رغب الناس في عمارتها لحسن هوائها وطيب مائها فكانت دار الحكمة بمصر إلى أن تغلب عليها المسلمون واختط عمرو ابن

Page 260