Ikhbar Ahl Rusukh
إخبار أهل الرسوخ في الفقه والتحديث بمقدار المنسوخ من الحديث
Investigator
أبي عبد الرحمن محمود الجزائري
Publisher
مكتبة ابن حجر للنشر والتوزيع
Edition Number
الأولى
Publication Year
١٤٠٨ هـ - ١٩٨٨ م
Publisher Location
مكة المكرمة
Genres
Hadith
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مقدمة المؤلف
الْحَمْدُ للَّهِ الْعَظِيمِ فِي مَجْدِهِ، الْكَرِيمِ فِي رِفْدِهِ، الْمُتَفَرِّدِ بِتَقْلِيبِ قَلْبِ عَبْدِهِ، الْمُبْتَلِي بِالشَّيْءِ وَضِدِّهِ.
أَحْمَدُهُ عَلَى حَمْدِهِ، وَأُصَلِّي عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَجُنْدِهِ وَأُسَلِّمُ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
وَبَعْدُ: فَإِنِّي لَمَّا رَأَيْتُ تَخْلِيطَ الْقُدَمَاءِ فِي عِلْمِ نَاسِخِ الْقُرْآنِ وَمَنْسُوخِهِ، جَمَعْتُ فِيهِ كِتَابًا مُهَذَّبًا عَنْ زَلَلِهِمْ سَلِيمًا عَنْ خَطَلِهِمْ، يُبَيِّنُ عوَارَ مَذْهَبِهِمْ، وَيُسْتَغْنَى بِهِ عَنْ كُتُبِهِمْ، ثُمَّ اخْتَصَرْتُ مِنْهُ جُزْءًا لَطِيفًا لِلْحِفْظِ يَجْمَعُ عُيُونَهُ، وَيُحَصِّلُ مَضْمُونَهُ.
ثُمَّ رَأَيْتُ تَخْلِيطَهُمْ فِي عِلْمِ نَاسِخِ الْحَدِيثِ وَمَنْسُوخِهِ.
فَأَلَّفْتُ فِيهِ كِتَابًا عَلَى نَحْوِ مَا وَصَفْتُ فِي الْفَنِّ الأَوَّلِ، إِلا أَنَّهُ احْتَوَى عَلَى ذِكْرِ كَثِيرٍ مِنْ أَغْلاطِهِمْ، فَطَالَ.
فَرَأَيْتُ أَنْ أُفْرِدَ فِي هَذَا الْكِتَابِ قَدْرَ مَا صَحَّ نَسْخُهُ أَوِ احْتُمِلَ، وَأَعْرِضُ عَمَّا لا وَجْهٌ لِنَسْخِهِ وَلا احْتِمَالٌ.
فَمَنْ سَمِعَ بِخَبَرٍ يُدَّعَى عَلَيْهِ النَّسْخُ، وَلَيْسَ فِي هَذَا الْكِتَابِ فَلْيَعْلَمْ وُهِيَّ تِلْكَ الدَّعْوَى.
وَهَا أَنَا أَذْكُرُ ذَلِكَ عَارِيًا عَنِ الأَسَانِيدِ
1 / 23
لِيَكُونَ عُجَالَةَ الْحَافِظِ، وَقَدْ تَدَبَّرْتُهُ، فَإِذَا بِهِ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ حَدِيثًا، وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ.
1 / 24
الحديث الأول
رَوَى حُذَيْفَةُ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَتَى سُبَاطَةَ قَوْمٍ فَبَالَ وَهُوَ قَائِمٌ.
وَرَوَى جَابِرٌ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ نَهَى أَنْ يَبُولَ الرَّجُلُ قَائِمًا.
1 / 25
وَقَدِ ادَّعَى قَوْمٌ نَسْخَ الأَوَّلِ بِالثَّانِي وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، بَلْ لِكُلِّ وَاحِدٍ وَجْهٌ، فَإِنَّ نَهْيَهُ ﷺ عَنِ الْبَوْلِ قَائِمًا لِئَلا يَعُودَ رَشَاشُهُ عَلَى الْبَائِلِ.
1 / 26
وَلِحَدِيثِ حُذَيْفَةَ ثَلاثَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَعَلَّهُ لِمَرَضٍ مَنَعَهُ مِنَ الْقُعُودِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ اسْتَشْفَى بِذَلِكَ مِنْ مَرَضٍ وَالْعَرَبُ تَسْتَشْفِي بِالْبَوْلِ قَائِمًا.
وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنَ الْقُعُودِ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ لِكَثْرَةِ النَّجَاسَةِ، فَكَأَنَّهُ بَالَ مِنْ عُلُوٍّ إِلَى سُفْلٍ.
الحديث الثاني
رَوَى أَبُو أَيُّوبَ ﵁: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: لا تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ، وَلا تَسْتَدْبِرُوهَا.
1 / 27
وَرَوَى جَابِرٌ ﵁: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ نَهَى أَنْ نَسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةَ أَوْ نَسْتَقْبِلَهَا بِفُرُوجِنَا، ثُمَّ رَأَيْتُهُ قَبْلَ مَوْتِهِ بِعَامٍ يَبُولُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ.
وَقَدْ ظَنَّ جَمَاعَةٌ نَسْخَ الأَوَّلِ بِالثَّانِي، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلِ الأَوَّلُ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ كَانَ فِي الصَّحَرَاءِ، وَالثَّانِي عَلَى مَا كَانَ فِي الْبُنْيَانِ.
1 / 28
الحديث الثالث
رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ ﵁: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ مَرَّ بِشَاةٍ مَيِّتَةٍ فَقَالَ: أَلا اسْتَمْتَعْتُمْ بِجِلْدِهَا، فَقَالُوا: إِنَّهَا مَيْتَةٌ.
فَقَالَ: إِنَّمَا حُرِّمَ أَكْلُهَا.
1 / 29
وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُكَيْمٍ، قَالَ: أَتَانَا كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَبْلَ وَفَاتِهِ بِشَهْرٍ أَنْ لا تَنْتَفِعُوا مِنَ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ وَلا عَصَبٍ.
قَالَ الأَثْرَمُ: كَأَنَّهُ نَاسِخٌ لِلأَوَّلِ، أَلا تَرَاهُ يَقُولُ قَبْلَ وَفَاتِهِ ﷺ بِشَهْرٍ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَدِيثُ الإِبَاحَةِ قَبْلَ مَوْتِهِ بِيَوْمٍ.
وَالإِهَابُ: اسْمٌ لِلْجِلْدِ قَبْلَ الدِّبَاغِ.
وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ
1 / 30
مُضْطَرِبٌ جِدًّا وَلا يُقَاوَمُ بِهِ الأَوَّلُ؛ لأَنَّهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ.
الحديث الرابع
رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ ﵁، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: تَوَضَّئُوا مِمَّا أَنْضَجَتِ النَّارُ.
وَرَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ ﵁: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَكَلَ كَتِفًا ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ.
1 / 31
قَالَ جَابِرٌ: آخِرُ الأَمْرَيْنِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ تَرْكُ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ.
وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى النَّسْخِ.
1 / 32
وَقَدْ رَوَى عِكْرَاشٌ: أَنَّهُ أَكَلَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَصْعَةً مِنْ ثَرِيدٍ ثُمَّ أُتِيَ بِمَاءٍ فَغَسَلَ يَدَهُ وَفَمَهُ، وَمَسَحَ بِوَجْهِهِ، وَقَالَ يَا عِكْرَاشُ: هَذَا الْوُضُوءُ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ.
الحديث الخامس
رَوَى طَلْقُ بْنُ عَلِيٍّ ﵁، أَنَّ رَجُلا قَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَيَتَوَضَّأُ أَحَدُنَا
1 / 33
إِذَا مَسَّ ذَكَرَهُ؟ فَقَالَ ﵊: هَلْ هُوَ إِلا بَضْعَةٌ مِنْكَ، أَوْ مِنْ جَسَدِكَ.
وَقَدْ رَوَى عُمَرُ، وَابْنُ عُمَرَ، وَأَبُو أَيُّوبَ، وَزَيْدُ بْنُ خَالِدٍ الْجُهَنِيُّ، وَجَابِرٌ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَعَائِشَةُ، وَأُمُّ حَبِيبَةَ،
1 / 34
وَبُسْرَةُ: أَنَّ النَّبِيَّ لَهُ ﷺ، قَالَ: مَنْ مَسَّ فَرْجَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ.
وَفِي رِوَايَةِ بَعْضِهِمْ: مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ.
وَقَدِ ادَّعَى قَوْمٌ نَسْخَ حَدِيثِ طَلْقٍ بِهَذَا وَعَلَّلُوا بِأَنَّ طَلْقًا قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَهُمْ يُؤَسِّسُونَ الْمَسْجِدَ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ أَسْلَمَ مُتَأَخِّرًا وَهُوَ قَوْلٌ مُحْتَمِلٌ لِلنَّسْخِ.
الحديث السادس
رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ ﵁، عَنِ النَّبِيِّ لَهُ ﷺ، أَنَّهُ
1 / 35
قَالَ: الْمَاءُ مِنَ الْمَاءِ.
هَذَا الْحَدِيثُ كَانَ مَعْمُولا بِهِ فِي أَوَّلِ الإِسْلامِ ثُمَّ نُسِخَ.
قَالَ رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ ﵁: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: الْمَاءُ مِنَ الْمَاءِ.
ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: إِذَا جَاوَزَ الْخِتَانُ الْخِتَانَ وَجَبَ الْغُسْلُ.
1 / 36
الحديث السابع
رَوَى أَبُو سَعِيدٍ يَبْلُغُ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ لَهُ ﷺ، أَنَّهُ قَالَ: الْغُسْلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ.
وَقَدِ ادَّعَى قَوْمٌ نَسْخَهُ بِقَوْلِهِ ﵊: مَنْ تَوَضَّأَ فَبِهَا وَنِعْمَتْ وَمَنِ اغْتَسَلَ فَالْغُسْلُ أَفْضَلُ.
وَفِي هَذَا ضَعْفٌ.
لأَنَّ الْحَدِيثَ الأَوَّلَ أَقْوَى، وَإِنَّمَا تَأَوَّلَهُ قَوْمٌ مِنْهُمُ
1 / 37
الْخَطَّابِيُّ فَقَالُوا فِي قَوْلِهِ ﷺ: وَاجِبٌ أَيْ: لازِمٌ مِنْ بَابِ الاسْتِحْسَانِ كَمَا تَقُولُ: حَقُّكَ عَلَيَّ وَاجِبٌ.
الحديث الثامن
رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ ﵁: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ نَهَى عَنِ الصَّلاةِ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ.
وَرَوَتْ عَائِشَةُ ﵂ قَالَتْ: مَا دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَعْدَ
1 / 38
الْعَصْرِ قَطُّ إِلا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ.
الْحَدِيثُ الأَوَّلُ فِي الصَّحِيحَيْنِ.
قَالَ الأَثْرَمُ: وَحَدِيثُ عَائِشَةَ ﵂ خَطَأٌ، وَوَجْهُ كَوْنِهِ خَطَأٌ أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يُصَلِّيهِمَا بَعْدَ الظُّهْرِ فَشَغَلَهُ قَوْمٌ فَصَلاهَا تَعْنِي بَعْدَ الْعَصْرِ مَرَّةً وَاحِدَةً.
قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَخْصُوصًا بِجَوَازِ الصَّلاةِ فِي الأَوْقَاتِ الْمَنْهِيِّ عَنِ
1 / 39
الصَّلاةِ فِيهَا، كَمَا خَصَّ بِجَوَازِ الْوِصَالِ.
1 / 40
الحديث التاسع
رَوَى وَائِلُ بْنُ حُجْرٍ ﵁، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَضَعُ يَدَيْهِ بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ إِذَا رَكَعَ.
وَقَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ ﵁: كُنَّا نَفْعَلُ ذَلِكَ ثُمَّ أُمِرْنَا بِالرُّكَبِ.
فَهَذَا صَرِيحٌ فِي الإِخْبَارِ بِالنَّسْخِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
1 / 41
الحديث العاشر
رُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ﵁: أَنَّهُ سَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ، وَهُوَ يُصَلِّي فَرَدَّ ﵇.
وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: كُنَّا نُسَلِّمُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِمَكَّةَ قَبْلَ أَنْ نَأْتِيَ أَرْضَ الْحَبَشَةِ يَعْنِي وَهُوَ فِي الصَّلاةِ فَلَمَّا قَدِمْنَا سَلَّمْنَا عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ، وَقَالَ ﷺ لَنَا: إِنَّ اللَّهَ يُحْدِثُ مِنْ أَمْرِهِ مَا يَشَاءُ وَإِنَّهُ قَدْ أَحْدَثَ مِنْ أَمْرِهِ أَنْ لا يُتَكَلَّمَ فِي الصَّلاةِ.
وَهَذَا صَرِيحٌ فِي النَّسْخِ.
1 / 42