AUTO بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي رفع مقام طالب حديث رسوله فجعله عليا، وأعز قدر من انقطع إليه وسلك سبيلا حسنا وطريقا جليا، ووضع من شذ عن هداه واتبع هواه وكان للشيطان وليا، سبحانه من إله وفق من شاء لاتباع سنته وهداه صراطا سويا.

أحمده على فضله المتصل العالي، وأشكره على إنعامه المتواتر المتوالي، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله خالق السموات والأرض، شهادة أدخرها ليوم الحساب والعرض.

وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله المرسل رحمة للعالمين بشيرا ونذيرا، ورؤوفا رحيما بالمؤمنين وسراجا منيرا، الذي بعثه بشرع ناسخ لشرائع من تقدمه وليس بمنسوخ، ورفع أعلامه وخصه بخير أمة وجعل بعثه للساعة علامة، وخفض أعداء دينه بإشارة: ((لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين بالحق لا يضرهم من خذلهم إلى يوم القيامة)).

Page 19

صلى الله وسلم عليه وعلى آله المكرمين الأفراد، المطهرين من الأرجاس والعلل القادحة بين العباد، وعلى أصحابه الجهابذة الثقات أئمة الاقتداء، الذين لا يبحث عن عدالتهم فهم نجوم الاهتداء، الطالعون في أفق الملة المحمدية كالبدور، الذين تسلسل صحيح فضلهم فليس بغريب ولا منكور، ما سال في وجنات الطروس عذار السطور، وعطرت الحدائق نفحات الزهور.

أما بعد:

فإن فضل علم الحديث مستفيض مشهور، وشرفه على سائر العلوم بكل لسان مذكور، كيف لا؟ وأعظم مدار الأحكام الشرعية -العملية والاعتقادية- على الحديث: متنا وإسنادا، وضبطا وإتقانا وانتقادا، وهو العلم الذي لا يتركه إلا كل ملحد جاحد، والفن الذي لا يحتاج متابعه إلى نصب البراهين وإقامة الشواهد، والسبيل الأحمد الذي لا يشك مسلم في إنارته، والمسلك الموطأ الذي لا يرتاب عاقل في استقامته.

قد ورد الحث على الاعتناء به في قول سيد الأنام، عليه أفضل الصلاة والسلام: ((نضر الله امرءا سمع مقالتي فوعاها، فأداها كما سمعها))، رواه الترمذي عن ابن مسعود رضي الله عنه وقال: حسن صحيح، وابن حبان في ((صحيحه))، والحاكم في ((مستدركه)) عن جبير بن مطعم، وقال: صحيح على شرط الشيخين، وأبو داود، وابن ماجه، والترمذي ، عن زيد بن ثابت.

Page 20

وفي رواية صحيحة: ((نضر الله امرءا سمع منا حديثا فأداه عنا كما سمعه، فرب مبلغ أوعى من سامع)).

وفي أخرى حسنة: ((نضر الله امرءا سمع منا حديثا فحفظه حتى يبلغه غيره، فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ورب حامل فقه ليس بفقيه))، رواه الترمذي في ((جامعه))، والضياء المقدسي في ((المختارة)) عن زيد بن ثابت.

وقال صلى الله عليه وسلم في خطبة حجة الوداع، كما أخرجه الشيخان في ((الصحيحين)): ((ليبلغ الشاهد منكم الغائب)).

وقال صلى الله عليه وسلم : ((بلغوا عني ولو آية)).

وقال صلى الله عليه وسلم : ((اتقوا الحديث عني إلا ما علمتم)).

رواهما البخاري من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.

Page 21

فلهذا كان علم الحديث أولى ما بذلت في تحصيله الهمم العوالي، وأعلى ما تصرمت في طلبه الأيام والليالي، لا سيما إذا حصلت روايته بالأسانيد العالية، والطرق الشريفة السامية، حرصا على بقاء سلسلة الإسناد التي هي من خصائص هذه الأمة المحمدية إلى يوم التناد.

قال الإمام أحمد رحمه الله: ((طلب الإسناد العالي سنة)).

وقال الإمام محمد بن أسلم: قرب الإسناد قربة إلى الله تعالى.

وقال الإمام عبد الله بن المبارك: الإسناد من الدين، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء.

وقال بعض السلف: إن السند كالسيف للمقاتل.

لا سيما وقد حكى الحافظ أبو بكر ابن خير اتفاق العلماء على أنه لا يصح لمسلم أن يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، حتى يكون عنده ذلك القول مرويا ولو على أقل وجوه الروايات؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ((من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار))، وفي بعض الروايات: ((من كذب علي)) مطلقا بدون تقييد.

Page 22

وإليه أشار الحافظ العراقي في ((ألفية المصطلح)) بقوله:

قلت ولابن خير امتناع ... جزم سوى مرويه إجماع

AUTO ومن فضائل حملة الحديث:

ما روي عن الإمام أحمد بن حنبل أنه قيل له: يا أبا عبد الله، من الفرقة الناجية التي ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذكر افتراق أمته على ثلاث وسبعين فرقة منها فرقة ناجية؟ فقال: هم أصحاب الحديث، الذين يحفظون على الأمة شرائعهم وسنن نبيهم.

وروي عنه أيضا أنه قيل له: من الأبدال؟ فقال: إن لم يكونوا أصحاب الحديث فما أدري من هم؟

وروى عبد الله بن إسحاق عنه أيضا نحو هذا، وفيه أنه قال: إن لم يكن أصحاب الحديث هم الأبدال فلا أعرف لله أبدالا؟

وقال يونس بن عبد الأعلى: سمعت الشافعي رضي الله عنه يقول: إذا رأيت رجلا من أصحاب الحديث فكأني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم .

وقال أبو يعقوب البويطي: سمعت الشافعي يقول: إذا رأيت صاحب حديث فكأني رأت رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم هو بمنزلته.

Page 23