Ijabatu As-Sual fi Zakat Al-Amwal
إجابة السؤال في زكاة الأموال
Publisher
الجامعة الاسلامية بالمدينة المنورة
Edition Number
السنة السادسة والثلاثون
Publication Year
العدد (١٢٣) ١٤٢٤هـ/٢٠٠٤م
Genres
المقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
﴿يَا أَيهَا الذِيْنَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِه وَلا تَمُوتنَّ إِلا وَأنْتمْ مُسْلِمُونَ﴾ ١
﴿يَا أيُّهَا النَّاسُ اتقُوا رَبَّكمْ الَّذِي خَلَقَكمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحدَة وَخَلَقَ مِنهَا زوجَهَا وبَث مِنهمَا رِجَالًا كثِيرًا وَنسَاءً واتقُوا اللهَ الَّذي تَساءَلُون بِه وَالأرحَام إِنَّ اللهَ كان علِيْكم رقِيبًا﴾ ٢
﴿يَا أَيهَا الذِيْنَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدايُصْلِحْ لكمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لكمْ ذُنُوبَكُم وَمَنْ يُطِع الله وَرَسُولَهُ فقَدْ فَازَ فُوْزا عَظِيْمًا﴾ ٣٤
أما بعد:
فقد بذل علماء الأمة منذ القرون الأولى جهودًا متواصلة في تدوين أحكام الفقه، وذلك لحاجة الناس إليها ومعرفة الأحكام في كل زمان ومكان، وقد أوصى النبي ﷺ بتبليغ العلم بقوله ﷺ: “فرب مبلغ أوعى من سامع”٥.
_________
١ سورة آل عمران آية ١٠٢.
٢ سورة النساء آية ١.
٣ سورة الأحزاب آية ٧٠، ٧١.
٤ هذه خطبة الحاجة التي كان النبي ﷺ يعلمها أصحابه من حديث ابن مسعود رواها أصحاب السنن قَال الترمذي حديث عبد الله حديث حسن انظر: سنن الترمذي في أبواب النكاح ٢/٢٨٥، ٢٨٦ برقم ١١٠٥.
٥ رواه البخاري في كتاب العلم من حديث أبي بكرة انظر: البخاري مع الفتح ١/١٥٧.
1 / 253
ومعنى ذلك رب مبلغ عني أوعى أي أفهم لما أقول من سامع مني، وأن الفهم ليس شرطا في الأداء، وقد يأتي في الآخر من يكون أفهم ممن تقدمه لكن بقلة١.
وقال ﷺ أيضًا: “فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه” ٢
وفي هذا دليل على كراهية اختصار الحديث لمن ليس بالمتناهي في الفقه لأنه إذا فعل ذلك فقد قطع طريق الاستنباط على من بعده ممن هو أفقه منه، ويتضمن هذا الحديث وجوب التفقه والحث على استنباط معنى الحديث واستخرج المكنون من سره ٣.
وقد فرض الله ﷿ الزكاة وقرنها بالصلاة في مواضع كثيرة فهي فرض من فرائض الإسلام وركن من أركانه وهي مما علم من الدين بالضرورة.
وكم خفيت في هذا الزمان مسائل الزكاة على كثير من الناس فأحببت الكتابة في هذه المسائل وعلى الرغم مما جمعته من شتاتها إلا أنني أعترف بالتقصير فالكمال لله وحده، وإنما هو جهد المقل، وحسبي في ذلك إجتهادي قدر المستطاع في بيان ما نقله علماء الأمة في هذا الموضوع وقد أسميته (إجابة السؤال في زكاة الأموال) حيث إن الزكاة تنقسم قسمين زكاة أبدان وزكاة أموال، وقد صدرت أكثر المسائل بصيغة السؤال موثقًا ذلك من أمهات كتب مذاهب الأئمة الأربعة المشهورة لعل القارىء الكريم يجد جوابًا على كثير من مسائل الزكاة وجعلته في مقدمة وثلاث فصول.
_________
١ انظر: فتح الباري شرح صحيح البخاري ١/١٥٨، ١٥٩.
٢ رواه الترمذي في أبواب العلم من حديث زيد بن ثابت باب في الحث على تبليغ السماع وقال حديث زيد حديث حسن ٤/١٤١ رقم ٢٧٩٤.
٣ انظر: شرح السنة للإمام البغوي ١/٢٣٧.
1 / 254
الفصل الأول: وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول: تعريفها في اللغة والشرع.
المطلب الثاني: والحكمة من مشروعيتها.
المطلب الثالث: بيان أدلتها.
المطلب الرابع: أحوال مانع الزكاة.
الفصل الثاني: شروط أداء الزكاة وفيه سبعة مطالب:
المطلب الأول: الإسلام.
المطلب الثاني: التكليف.
المطلب الثالث: النية.
المطلب الرابع: الحرية.
المطلب الخامس: الحول.
المطلب السادس: النصاب.
المطلب السابع: تمام الملك.
الفصل الثالث: الأموال التي تجب فيها الزكاة وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول: النقدين الذهب والفضة.
المطلب الثاني: بهيمة الأنعام الإبل والبقر والغنم.
المطلب الثالث: الخارج من الأرض.
المطلب الرابع: عروض التجارة.
وقد اتبعت في ذلك المنهج العلمي المتعارف عليه موثقا للأقوال، ومخرجا للأحاديث والآثار، ومناقشا للأدلة، ومفسرا للغريب، ومرجحا في المسائل حسب ما يظهر لي أسأل الله ﷿ الإخلاص في القول والعمل، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
1 / 255
باب: الفصل الأول
المطلب الأول: الزكاة في اللغة والشرع
...
الفصل الأول:
المطلب الأول: الزكاة في اللغة والشرع
الزكاة في اللغة:
مأخوذة من الزكاء والنماء والزيادة، يقال زكا الزرع إذا زاد ونما وكثر ريعه، وزكت النفقة إذا زادت وكثرت وبورك فيها، وزكت الأرض إذا زادت ونمت. سميت بذلك لأنها تنمي المال وتطهره.
ومن معانيها في اللغة الطهارة أوالطهر والتطهير والصلاح وهو الزيادة في الخير ولهذا سمي المقدار المخرج من المال زكاة، لأنه سبب يرجى به الزكاء والطهارة والصلاح، ومنه أخذ المعنى الشرعي فالزكاة طهرة للأموال، وزكاة الفطر طهرة للأبدان١.
الزكاة في الشرع:
اختلفت عبارات الفقهاء وتنوعت أساليبهم في تعريفها ومن أحسن ما قيل في تعريفها:
(أنها حق واجب في مال مخصوص لطائفة مخصوصة في وقت مخصوص) ٢.
- بيان محترزات هذا التعريف.
١- قوله حق واجب: معناه المقدار الواجب إخراجه من المال أو الزكاة كقولنا على سبيل المثال: “في كل خمس من الإبل شاة” فالحق الواجب أو المقدار الواجب هو الشاة.
_________
١ انظر: غريب الحديث لابن قتيبة ١/١٨٤ وتهذيب اللغة ١٠/٣١٩ والصحاح ٦/٢٣٦٨ والنهاية ٢/٣٠٧.
٢ هذا تعريف الحجاوي انظر: كشاف القناع على متن الإقناع ٢/١٩٢ وانظر أيضًا: الحاوي الكبير ٣/٧١.
1 / 256
مثال آخر:
إذا بلغ الذهب أو الفضة نصابًا نقول فيه ربع العشر فربع العشر هذا هو المقدار الواجب أو الحق الواجب.
٢- قوله: في مال مخصوص:
معناه الأموال التي تجب فيها الزكاة وهي على سبيل المثال النقدين، عروض التجارة، بهيمة الأنعام، الزروع والثمار وغيرها.
٣- قوله: لطائفة مخصوصة:
المراد أهل الزكاة الثمانية الَّذِين ذكرهم الله ﷿ في سورة التوبة ١. وهم الفقراء، والمساكين، والعاملين عليها، والمؤلفة قلوبهم، وفي الرقاب، والغارمين، وفي سبيل الله، وابن السبيل. فلا يجوز صرف الزكاة لأحد غير هؤلاء الثمانية.
٤- قوله: في وقت مخصوص:
والمعنى اشتراط حولان الحول وهو مرور سنة كاملة على هذا المال وذلك فيما يشترط فيه الحول، والأموال في ذلك تنقسم قسمين:
أموال يشترط فيها الحول كعروض التجارة، والنقدين، وبهيمة الأنعام.
وأموال لا يشترط فيها الحول كالزروع والثمار.
_________
١ سورة التوبة آية ٦٠.
1 / 257
المطلب الثاني: الحكمة من مشروعية الزكاة
قد تظهر لنا الحكمة من الأمر أو النهي وقد تخفى، والَّذِي لا شك فيه أن الله ﷿ إذا أمر بأمر أو نهى عنه إن ذلك لحكم عظيمة ومن ذلك مشروعية الزكاة وقد ذكر أهل العلم طرفًا من ذلك١:
١- أن الزكاة قربة لله وطاعة له وخضوعًا لأمره جل وعلا فهي عبادة من العبادات، في هذه العبادة تعويدًا للنفس على العطاء والبذل والسخاء والإنفاق في وجوه الخير وفيها أيضًا إبعادًا للنفس عن البخل والشح الَّذِي نهى الله عنه.
٢- أن الزكاة قد تكون سببًا مانعًا ورادعًا وزاجرًا من إرتكاب الجريمة كالسرقات وقطع الطريق والغش في المعاملات والرشوة والنهب والاغتصاب والخداع وغيرها فهذه الجرائم وما شابهها قد يكون سببها الفقر والحاجة فإذا أعطى الأغنياء جزءًا من أموالهم إلى الفقراء فإنه يقلل من وقوع مثل هذه الجرائم في المجتمع.
٣- أن الزكاة تخفف من الطبقية في المجتمع فالمجتمعات تتكون في الغالب من الأغنياء والفقراء ومستوري الحال ففيها يظهر التكافل الاجتماعي والتعاون على البر والتقوى فإذا أعطى الأغنياء الفقراء من أموالهم قد يكون هذا تقليلًا من هذه الفروق الموجودة في المجتمعات فالله ﷿ لا ينظر إلى الأموال وإلى الأجسام وإنما ينظر إلى الأعمال والميزان عنده جل وعلا هو التقوى قَال تعالى: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ ٢.
_________
١ انْظر: زاد المعاد لابن القيم ١/ ١٨١، ومعالم السنن للخطابي ٢/ ٨، وبدائع الصنائع
٢/ ٣، وفتح الباري ٤/ ٢٦٢.
٢ سورة الحجرات آية ١٣.
1 / 258
المطلب الثالث: حكم الزكاة
الزكاة أصل من أصول الإسلام وقاعدة من قواعده دل على هذا الأصل الكتاب والسنة والإجماع والمعقول:
- النوع الأول: الأدلة من كتاب الله ﷿ كثيرة في فرض الزكاة: وقد جاءت قرينة الصلاة في أكثر من ثمانين موضعًا منها قوله تعالى: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾ ١
وقوله تعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾ ٢.
ومن الأدلّة في فرض الزكاة قوله تعالى في صفات أهل الإيمان: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ﴾ ٣.
قَال ابن كثير: “الأكثرون على أن المراد بالزكاة هنا زكاة الأموال مع أن هذه الآية مكية وإنما فرضت الزكاة بالمدينة في سنة اثنتين من الهجرة والظاهر أن التي فرضت بالمدينة إنما هي ذات النصب والمقادير الخاصة وإلا فالظاهر أن أصل الزكاة كان واجبًا بمكة قَال تعالى في سورة الأنعام وهي مكية: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ ٤ وقد يحتمل أن يكون المراد بالزكاة هاهنا زكاة النفس من الشرك والدنس كقوله تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا﴾ ٥ على أحد
_________
١ سورة البقرة آية ٤٣.
٢ سورة البينة آية ٥.
٣ سورة المؤمنون آية ٤.
٤ سورة الأنعام آية ١٤١.
٥ سورة الشمس آية ٩، ١٠.
1 / 259
القولين، وقد يحتمل أن يكون كلا الأمرين مرادًا وهو زكاة النفوس وزكاة الأموال، فإنه من جملة زكاة النفوس والمؤمن الكامل هو الَّذِي يفصل هذا وهذا والله أعلم”١.
- النوع الثاني من الأدلة: السنة:
جاءت أحاديث كثيرة في الصحيحين وغير هما على فرضية الزكاة ومنها:
١- حديث ابن عمر ﵄ أن النبي ﷺ قَال: “بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان” ٢.
٢- حديث عمر بن الخطاب ﵁ المشهور أن جبريل ﵇ جاء وقال: يا محمد أخبرني عن الإسلام فقال رسول الله ﷺ “تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان” ٣ الحديث.
٣- ومن الأحاديث المشهورة في الزكاة حديث معاذ حينما بعثه ﷺ إلى اليمن وجاء فيه “فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم، فإن هم أطاعوك لذلك، فإياك وكرائم أموالهم” ٤ الحديث.
_________
١ تفسير ابن كثير ٣/٢٣٩.
٢ رواه البخاري في كتاب الإيمان باب قوله ﷺ بني الإسلام انظر: البخاري مع الفتح ١/٤٧ ومسلم في كتاب الإيمان باب بيان أركان الإسلام ١/٤٥ رقم ١٦.
٣ رواه مسلم في كتاب الإيمان باب بيان الإسلام والإيمان والإحسان ١/٣٦ رقم ٨.
٤ رواه البخاري في كتاب الزكاة باب وجوب الزكاة وباب لا تؤخذ كرائم أموال الناس، انظر: البخاري مع فتح الباري ٣/٢٦١، ٣٢٢ ومسلم في كتاب الإيمان باب الدعاء إلى الشهادتين ١/٥٠ رقم ٢٩.
1 / 260
- النوع الثالث من الأدلة: وهو الإجماع:
فقد أجمعت الأمة على وجوب الزكاة وفرضيتها وأن من جحدها كفر.
قَال ابن قدامة: “وأجمع المسلمون في جميع الأعصار على وجوبها واتفق الصحابة ﵃ على قتال مانعيها” ١.
- النوع الرابع من الأدلة: وهو المعقول وذلك من وجوه:
١- أن أداء الزكاة من باب إعانة الضعيف وإغاثة اللهيف وإقدار العاجز وتقويته على أداء ما افترض الله ﷿ عليه من التوحيد والعبادات والوسيلة إلى أداء المفروض مفروض.
٢- أن الزكاة تطهر نفس المؤدي عن أنجاس الذنوب وتزكي أخلاقه بتخلق الجود والكرم وترك الشح والضَّن٢ إذ الأنفس مجبولة على الضَّن بالمال، فتعود السماحة وترتاض لأداء الأمانات وإيصال الحقوق إلى مستحقيها.
٣- إن الله تعالى قد أنعم على الأغنياء وفضلهم بصنوف النعمة والأموال الفاضلة عن الحوائج الأصلية وخصهم بها فيتنعمون ويستمتعون بلذيذ العيش، وشكر النعمة فرض عقلًا وشرعًا وأداء الزكاة إلى الفقير من باب شكر النعمة فكان فرضًا.٣
_________
١ انظر: المغني لابن قدامة ٤/٥ وانظر: الإجماع لابن المنذر ص١٣ والإفصاح لابن هبيرة ١/١٩٥ والمجموع للنووي ٥/٣٢٦ وبدائع الصنائع ٢/٣.
٢ الضنّة والضن والمضنّة كل ذلك من الإمساك والبخل. انظر: لسان العرب مادة: ضن ١٣/٢٦١
٣ بدائع الصنائع ٢/٣.
1 / 261
المطلب الرابع: أحوال مانع الزكاة
لا يخلو مانع الزكاة من حالين:
الحالة الأولى:
إما أن يكون منكرًا لها أصلًا غير معترف بها أنها ركن من أركان الإسلام فهذا إن كان جاهلًا وممن يقبل منه الجهل كحديث عهد بالإسلام أو ممن نشأ بعيدًا عن الأمصار فهذا معذور يعرّف بحكمها، أما إذا كان غير ذلك فهو مرتد عن الإسلام وتجري عليه أحكام المرتدين ويستتاب، فإن تاب وإلا قتل لأن الزكاة معلومة من الدين بالضرورة ولا يخفى حكمها، وأدلة وجوبها ظاهرة من الكتاب والسنة والإجماع والمعقول.١
الحالة الثانية:
المقرّ بوجوبها ومعترف بأنها ركن من أركان الإسلام ولكنه ممتنع عن أدائها لايدفعها إلى مستحقيها فهذا يأخذها منه الإمام أو نائبه بالقوة، فإن امتنع عن دفعها قاتله على ذلك٢ كما فعل الصديق ﵁ حيث قال: “والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عناقًا٣ كانوا يؤدونها إلى رسول الله ﷺ لقاتلتهم على منعها”. قَال عمر ﵁: “فوالله ما هو إلا أن قد شرح الله صدر أبي بكر ﵁ فعرفت أنه الحق” ٤
قَال ابن قدامة: واتفق الصحابة ﵃ على قتال مانعيها.٥
_________
١ انْظر: المجموع ٥/ ٣٣٤ والمغني ٤/ ٦، وفتح الباري ٣/ ٢٦٢.
٢ انظر: الحاوي ٣/٧٣ والمغني لابن قدامة ٤/٨.
٣ هي الأنثى من أولاد المعز ما لم يتم له سنة. انظر: النهاية ٣/ ٣١١.
٤ رواه البخاري في كتاب الزكاة باب وجوب الزكاة، انظر: البخاري مع فتح الباري ٣/٢٦٢.
٥ المغني ٤/٥، والكافي ١/ ٢٧٧.
1 / 262
وقال ابن عبد البر: مقاتلهم على ذلك في جهود الصحابة واراق دمائهم لمنع الزكاة.١
وقال الماوردي: فأجمعت الصحابة معه على وجوبها بعد مخالفتهم له وأطاعوه على قتال مانعيها بعد إنكارهم عليه.٢
_________
١ التمهيد ٤/ ٢٣١.
٢ الحاوي ٣/ ٧٣.
1 / 263
باب: الفصل الثاني
المطلب الأول: وهو الشرط الأول: الإسلام
...
الفصل الثاني: شروط أداء الزكاة
لأداء الزكاة شروط هي في الجملة:
الإسلام، التكليف، الحرية، تمام الملك، النصاب، الحول، النية.
المطلب الأول وهو الشرط الأول: الإسلام
لا زكاة على الكافر الأصلي سواء كان حربيًا أو ذميًا مستأمنًا لأن الزكاة عبادة والكافر ليس من أهل العبادة لعدم شرط الأهلية وهو الإسلام فلا يكون من أهل وجوبها حتى لا يطالب بالأداء بعد الإسلام كالصوم والصلاة والحج وغيرها من فروع الإسلام ١.
وهذا ليس مخالفة لقول جماهير أهل العلم أن الكفار يخاطبون بفروع الشريعة فهذه مسألة أصولية ٢.
قَال الإمام النووي: لأن المراد هنا غير المراد هناك فهم لا يطالبون بها في الدنيا مع كفرهم وإذا أسلم أحدهم لم يلزمه قضاء الماضي ٣.
أما المرتد فقد وقع فيه خلاف هل تجب الزكاة في ماله أم لا؟ جمهور أهل العلم لا زكاة في مال المرتد خلافًا للشافعية إن وجبت عليه زكاة قبل ردته لم تسقط عنه بالردة كما وجبت عليه في حال الإسلام فهذا مال اكتسبه حال كونه مسلمًا فوجبت فيه الزكاة أما المال الَّذِي اكتسبه حال كونه مرتدًا فهذا على وجهين:
_________
١ انظر: حاشية رد المحتار ٢/٢٥٩، وبداية المجتهد ١/٢٤٥، والمجموع ٥/٣٢٦ والمغني ٤/٦٩.
٢ انظر: روضة الناظر لابن قدامة ص٥٠، ٥١ والمستصفى للغزالي ١/٩١ وفواتح الرحموت ١/١٢٨.
٣ المجموع ٣/ ٤، وانظر: بدائع الصنائع ٢/ ٤.
1 / 264
الأول: القطع بوجوب الزكاة وبه قَال ابن سريج١.
الثاني: وهو قول جمهور الشافعية أن الأمر في ذلك مبني على بقاء ملكه لهذا المال وزواله.
والصحيح عندهم أنه موقوف فإن رجع إلى الإسلام تبينا بقاءه فتجب وإلا فلا ٢.
_________
١ هو أحمد بن عمر أبو العباس يقال له الباز الأشهب شيخ الشافعية في زمانه مات سنة ٣٠٦ هـ انظر: في ترجمته تاريخ بغداد ٤/٢٨٧ وطبقات الشافعية للسبكي ٣/٢١.
٢ انظر: بدائع الصنائع ٢/ ٤، وحاشية رد المحتار ٢/٢٥٩، والمهذب ١/١٤٧ والمجموع ٥/٣٢٨، والكافي لابن قدامة ١/٢٧٨.
1 / 265
المطلب الثاني وهو الشرط الثاني: التكليف
هل يشترط البلوغ والعقل لأداء الزكاة، وهل تجب الزكاة في مال الصغير والمجنون وما شابههما؟
اختلف الفقهاء في ذلك:
القول الأول: أكثر أهل العلم يجب الزكاة في مالهما ويخرج عنهما وليهما روي ذلك عن جمع من الصحابة كعمر وعائشة وجابر وابن عمر ﵃ ومن الأئمة: الثلاثة مالك والشافعي وأحمد.
القول الثاني: تجب الزكاة ويخرجها الصبي إذا بلغ والمجنون إذا أفاق قَال به من الصحابة ابن مسعود وهو قول الأوزاعي والثوري.
القول الثالث: لا تجب الزكاة في أموالهما أصلًا قَال به الحسن وسعيد بن جبير والنخعي وغيرهم.
القول الرابع: ذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى أنه لا زكاة عليهما إلا في الخارج من الأرض من الزروع والثمار وما عدا ذلك فلا زكاة عليهما في النقدين وعروض التجارة وبهيمة الأنعام ١.
هذه أربعة أقوال في حكم زكاة مال الصبي والمجنون ويمكن اختصارها إلى قولين قول بالوجوب وقول بعدم الوجوب.
أدلة الوجوب: استدلوا بمجموعة من الأدلة:
أولًا: بعموم الأدلة الدالة على وجوب الزكاة من الآيات والأحاديث حيث لم تفرق بين الصغير والكبير وبين العاقل وغير العاقل كقوله تعالى: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ
_________
١ انظر: بدائع الصنائع ٢/٤، المنتقى للباجي ٢/١١٠ والحاوي ٣/١٥٢ والمغني لابن قدامة ٤/٦٩.
1 / 266
وَآتُوا الزَّكَاةَ﴾ ١ وغيرها وحديث معاذ السابق٢ قَال البغوي عنه:
دليل على أن الطفل الغني تلزمه الزكاة لقوله: (من أغنيائهم) ٣.
ثانيًا: حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي ﷺ خطب الناس فقال: “ألا من ولي يتيمًا له مال فليتجر فيه ولا يتركه حتى تأكله الصدقة”.
رواه الترمذي وغيره ٤.
ثالثًا: بقول الصحابة ﵃ ومن ذلك:
قَال عمر بن الخطاب: اتجروا بأموال اليتامى وأعطوا صدقتها.
وفي رواية قَال: ابتغوا في أموال اليتامى قبل أن تأكلها الزكاة.
وفي رواية: أن عمر كان يزكي مال اليتيم. وفي رواية قَال: ابتغوا لليتامى في أموالهم.
ما جاء عن القاسم بن محمد قَال: كنا يتامى في حجر عائشة فكانت تزكي أموالنا. وفي رواية قال: كان مالنا عند عائشة فكانت تزكيه ونحن يتامى.
وقال جابر بن عبد الله في الرجل يلي مال اليتيم “يعطي زكاته” ٥.
فهؤلاء جمع من الصحابة كانوا يزكون أموال اليتامى وقول الصحابي حجة عند الجمهور.
رابعًا: قياس الزكاة باعتبارها حقًا ماليًا على سائر الحقوق المالية الأخرى كالنفقات وقيم المتلفات وأرش الجنايات فهذه الحقوق واجبة على الصبي
_________
١ سورة البقرة آية ٤٣.
٢ سبق تخريج حديث معاذ (ص ٢٦٠) من هذا البحث.
٣ شرح السنة ٥/٤٧٣.
٤ انظر: سنن الترمذي في أبواب الزكاة باب الزكاة ما جاء في زكاة اليتيم ٢/٧٦ رقم ٦٣٦.
٥ انظر في هذه الآثار: مصنف عبد الرزاق كتاب الزكاة باب صدقة مال اليتيم ٤/٦٦ رقم ٦٩٨١، ٦٩٨٤، ٦٩٨٥، ٦٩٨٩، ٦٩٩٣ والسنن الكبرى ٤/١٠٨.
1 / 267
والمجنون فكذلك الزكاة.
أدلة أصحاب القول الثاني:
أولًا: بقوله تعالى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا﴾ ١ الآية.
ووجه الدلالة من الآية: أن المراد من الزكاة تطهير النفس من الذنوب والصبي والمجنون لا ذنوب عليهما لأنهما ليسا من أهل التطهير فهما غير مكلفين والزكاة لا تجب إلا على المكلف.
ثانيًا: حديث علي بن أبي طالب ﵁ قوله ﷺ: “رفع القلم عن ثلاثة عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يشب، وعن المعتوه حتى يعقل”، قَال الترمذي: وفي الباب عن عائشة.
حديث علي حديث حسن غريب من هذا الوجه، وقد روي من غير وجه عن علي وذكر بعضهم (وعن الغلام حتى يحتلم)، ولا نعرف للحسن سماعًا من علي بن أبي طالب ﵁.٢.
ووجه الدلالة:
دل الحديث على رفع القلم عن المذكورين كناية عن عدم التكليف والصبي والمجنون ليسا من أهل التكليف والزكاة لا تجب إلا على المكلفين كغيرها من العبادات كالصلاة والصيام والحج وهذه العبادات تحتاج إلى نية وهما لا نية لهما.٣.
والقول الأول هو الراجح إن شاء الله لأنه يتفق مع مقصود الشارع
_________
١ سورة التوبة آية (١٠٣) .
٢ انظر: سنن الترمذي أبواب الحدود الباب الأول رقم الحديث ١٤٤٦ ورواه أحمد في المسند ٦/١٠٠ وأبو داود في كتاب الحدود ٤/١٣٩ - ١٤١ رقم ٤٣٩٨ -٤٤٠٣.
٣ انظر: بدائع الصنائع ٢/٨١٥.
1 / 268
الحكيم وهو سد حاجة الفقراء والمحتاجين وهذه العلة يشترك فيها البالغ وغير البالغ والعاقل وغير العاقل فلا فرق بين الأموال من حيث وجوب الزكاة.
وقد أجاب الجمهور عن أدلة أصحاب القول الثاني بما يلي:
أولًا: أجابوا عن وجه الدلالة من الآية بجوابين:
١- ليست العلة من الزكاة التطهير فقط، وإنما هناك علل وحكم أخرى من أجلها: سد حاجة الفقراء وهذه لا فرق فيها بين مال الصغير والكبير فهما على حد سواء.
٢- ليس التطهير خاص بإزالة الذنوب وإنما يشتمل على أمور أخرى كتربية النفس على الفضائل والخلق الحسن وتعويدها على البذل والسخاء والإنفاق وغير ذلك.
ثانيا: وأما قوله ﷺ في الحديث “رفع القلم عن ثلاثة “ المراد رفع الإثم والوجوب ونحن نقول لا إثم عليهما ولا تجب الزكاة عليهما بل تجب في مالهما ويطالب بإخراجها وليهما كما يجب في مالهما قيمة ما أتلفاه ويجب على الولي دفعها١.
ثالثا: وقياس الزكاة على العبادات الأخرى قياس مع الفارق فتلك عبادات بدنية تحتاج إلى جهد ومشقة والزكاة من العبادات المالية التي لا تحتاج إلى جهد ومشقة فلا فرق فيها بين الصغير والكبير.
رابعا: أن نية الصبي والمجنون لا تتحقق في الزكاة فنيتهما ضعيفة والزكاة من الحقوق المالية فأشبه نفقة الأقارب والزوجات وأرش الجنايات وقيم المتلفات والولي يقوم مقامهما في ذلك٢.
_________
١ انظر: المجموع للنووي ٥/٣٣٠.
٢ انظر: المغني لابن قدامة ٤/٧٠، ٧١ والحاوي ٣/١٥٣.
1 / 269
المطلب الثالث: وهو الشرط الثالث: الحرية
اختلف العلماء في وجوب الزكاة على الرقيق على أقوال ثلاثة:
القول الأول: لا زكاة في ماله أصلًا قَال به من الصحابة ابن عمر وجابر ﵄ وغير هما وهو قول مالك وأحمد من الفقهاء.
القول الثاني: تجب الزكاة في مال الرقيق على سيده وهو قول للشافعية والحنفية.
القول الثالث: تجب الزكاة في ماله وبه قَال عطاء وأبو ثور وأهل الظاهر.
وسبب اختلافهم في زكاة مال الرقيق هو اختلافهم في هل يملك المال أم لا؟ فمن رأى أنه لا يملك المال وأن السيد هو المالك قَال الزكاة على السيد ومن رأى أنه يملك المال لأنه آدمي يملك النكاح فيملك المال كالحر قَال الزكاة في ماله.
ومن رأى أن ملكه ناقص قَال لا زكاة عليه أصلًا لأن الزكاة إنما تجب في تمام الملك.
أما المكاتب فهل تجب الزكاة في ماله؟
جمهور العلماء من السلف والخلف لا زكاة في مال المكاتب حتى يعتق وقال أبو ثور: تجب في ماله كالحر وحكي ذلك عن داود وقال أبو حنيفة يجب العشر في زرعه ولا تجب الزكاة في باقي أمواله.
واستدل الجمهور بحديث “لا زكاة في مال المكاتب” أخرجه البيهقي.١.
ولأن ملكه ضعيف بخلاف الحر، ولأن الزكاة تجب على طريق المواساة وليس هو من أهلها.
_________
١ انظر: السنن الكبرى كتاب الزكاة ٤/١٠٩ وسنن الدارقطني كتاب الزكاة باب ليس في مال المكاتب زكاة ٢/١٠٨.
1 / 270
واحتج أبو ثور بقوله تعالى: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ﴾ ١
والمكاتب والرقيق يدخلان في الخطاب على الصحيح عند الأصوليين كما احتج أيضًا بأن الحجر من السيد لا يمنع وجوب الزكاة كالحجر على الصبي والمجنون.
واحتج أبو حنيفة بحديث ابن عمر أن النبي ﷺ قَال: “فيما سقت السماء والعيون أو كان عثريًا العشر” الحديث.٢.
والصحيح والله أعلم هو قول جمهور العلماء لأن الآية والحديث محمولان على الأحرار أما القياس على الصبي والمجنون فهو قياس مع الفارق فالمنع فيهما لنقص تصرفهما لا لنقص ملكهما٣.
_________
١ سورة البقرة آية (٤٣) .
٢ رواه البخاري في كتاب الزكاة باب العشر فيما يسقى من ماء السماء، انظر: البخاري مع فتح الباري ٣/٣٤٧
٣ انظر: بداية المجتهد ١/٢٤٥ والحاوي ٣/١٥٤ وحلية العلماء ٣/٧، ٨ والمغني لابن قدامة ٤/٧٢ والمجموع ٥/٣٣٠ وبدائع الصنائع ٢/٦ والافصاح ١/٢١١.
1 / 271
المطلب الرابع وهو الشرط الرابع: اشتراط الحول
أموال الزكاة تنقسم إلى قسمين:
قسم يشترط له الحول وهو ما أعد للنماء وهذا كالماشية فهي مرصدة للدر والنسل، وعروض التجارة والأثمان فهي مظنة النماء فهذه الثلاثة:
١- السائمة من بهيمة الإنعام.
٢- الأثمان وهي الذهب والفضة.
٣- قيم عروض التجارة.
يعتبر حولان الحول وهو مرور سنة كاملة على هذا المال لأن الزكاة تتكرر في هذه الأموال الثلاثة فلا بد لها من ضابط كيلا يفضي إلى تعاقب الوجوب في الزمن الواحد وهذا محل اتفاق بين الفقهاء، قَال ابن رشد: وهذا مجمع عليه عند فقهاء الأمصار.١.
القسم الآخر:
لا يشترط له الحول وهذا هو الزروع والثمار فهي نماء في نفسها تتكامل عند إخراج الزكاة منها، فلا تجب فيها الزكاة مرة ثانية لعدم إرصادها للنماء ويتكامل نماؤها قبل الحول فسقط اعتبار الحول فيها.٢.
وكذا الركاز وهو دفين الجاهلية في جميع الأشياء اتفقوا على أنه لا يعتبر فيه الحول.٣.
_________
١ انظر: بداية المجتهد ١/ ٢٧٠.
٢ انظر: المجموع ٥/٣٦١ والمغني لابن قدامة ٤/٧٣.
٣ انظر: الإفصاح ١/٢١٧ باب ما جاء في الركاز، وزاد المعاد ١/ ١٨١.
1 / 272