Iḥyāʾ ʿulūm al-dīn
إحياء علوم الدين
Publisher
دار المعرفة
Publisher Location
بيروت
على هذا القصد محبوب وَتَرْكُ الشَّعَثِ فِي اللِّحْيَةِ إِظْهَارًا لِلزُّهْدِ وَقِلَّةِ الْمُبَالَاةِ بِالنَّفْسِ مَحْذُورٌ وَتَرْكُهُ شَغْلًا بِمَا هُوَ أَهَمُّ مِنْهُ مَحْبُوبٌ
وَهَذِهِ أَحْوَالٌ بَاطِنَةٌ بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ اللَّهِ ﷿
وَالنَّاقِدُ بَصِيرٌ والتلبيس غير رائج عليه بحال وكم من جاهل يتعاطى هذه الأمور التفاتًا إلى الخلق وهو يلبس على نفسه وعلى غيره ويزعم أن قصده الخير فترى جماعة من العلماء يلبسون الثياب الفاخرة ويزعمون أن قصدهم إرغام المبتدعة والمجادلين والتقرب إلى الله تعالى به
وهذا أمر ينكشف يوم تبلى السرائر ويوم يبعثر ما في القبور ويحصل ما في الصدور فعند ذلك تتميز السبيكة الخالصة من البهرجة فنعوذ بالله من الخزي يوم العرض الأكبر
السَّادِسُ وَسَخُ الْبَرَاجِمِ وَهِيَ مَعَاطِفُ ظُهُورِ الْأَنَامِلِ كَانَتِ الْعَرَبُ لَا تُكْثِرُ غَسْلَ ذَلِكَ لِتَرْكِهَا غَسْلَ الْيَدِ عَقِيبَ الطَّعَامِ فَيَجْتَمِعُ فِي تِلْكَ الغضون وسخ فأمرهم رسول الله ﷺ بِغَسْلِ الْبَرَاجِمِ (١)
السَّابِعُ تَنْظِيفُ الرَّوَاجِبِ (٢) أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ العرب بتنظيفها وهي رءوس الأنامل وما تحت الأظفار مِنَ الْوَسَخِ لِأَنَّهَا كَانَتْ لَا يَحْضُرُهَا الْمِقْرَاضُ في كل وقت فتجتمع فيها أوساخ فوقت لهم رسول الله ﷺ قلم الأظفار ونتف الإبط وحلق العانة أربعين يومًا (٣) لكنه أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بتنظيف ما تحت الأظفار (٤) وجاء في الأثر أن النبي ﷺ استبطأ الوحي فلما هبط عليه جبريل ﵇ قال له كيف ننزل عليكم وأنتم لا تغسلون براجمكم ولا تنظفون رواجبكم (٥) وقلحًا لا تستاكون مر أمتك بذلك والاف وسخ الظفر والتف وسخ الأذن وقوله ﷿ ﴿فلا تقل لهما أف﴾ تعبهما أي بما تحت الظفر من الوسخ وقيل لا تتأذ بهما كما تتأذى بما تحت الظفر
الثَّامِنُ الدَّرَنُ الَّذِي يَجْتَمِعُ عَلَى جَمِيعِ الْبَدَنِ بِرَشْحِ الْعَرَقِ وَغُبَارِ الطَّرِيقِ وَذَلِكَ يُزِيلُهُ الْحَمَّامُ ولا بَأْسَ بِدُخُولِ الْحَمَّامِ دَخَلَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ حَمَّامَاتِ الشَّامِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ نِعْمَ الْبَيْتُ بَيْتُ الْحَمَّامِ يُطَهِّرُ الْبَدَنَ وَيُذَكِّرُ النَّارَ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَأَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ ﵄
وَقَالَ بَعْضُهُمْ بِئْسَ الْبَيْتُ بَيْتُ الْحَمَّامِ يُبْدِي الْعَوْرَةَ وَيُذْهِبُ الْحَيَاءَ فَهَذَا تَعَرُّضٌ لِآفَتِهِ وَذَاكَ تَعَرُّضٌ لِفَائِدَتِهِ وَلَا بِأْسَ بِطَلَبِ فَائِدَتِهِ عِنْدَ الِاحْتِرَازِ مِنْ آفَتِهِ
وَلَكِنْ عَلَى دَاخِلِ الْحَمَّامِ وَظَائِفُ مِنَ السُّنَنِ وَالْوَاجِبَاتِ فَعَلَيْهِ وَاجِبَانِ فِي عَوْرَتِهِ وَوَاجِبَانِ فِي عَوْرَةِ غَيْرِهِ
أَمَّا الْوَاجِبَانِ فِي عَوْرَتِهِ فَهُوَ أَنْ يَصُونَهَا عَنْ نَظَرِ الْغَيْرِ ويصونها عَنْ مَسِّ الْغَيْرِ فَلَا يَتَعَاطَى أَمْرَهَا وَإِزَالَةَ وَسَخِهَا إِلَّا بِيَدِهِ وَيَمْنَعُ الدَّلَّاكَ مِنْ مَسِّ الفخذ وما بين السرة إلى العانة وفي إباحة مس ما ليس بسوءة لإزالة الوسخ احتمال ولكن الأقيس التحريم إذألحق مس السوأتين في التحريم بالنظر فكذلك ينبغي أن تكون بقية العورة أعني الفخذين
وَالْوَاجِبَانِ فِي عَوْرَةِ الْغَيْرِ أَنْ يَغُضَّ بَصَرَ نَفْسِهِ عَنْهَا وَأَنْ يَنْهَى عَنْ كَشْفِهَا لِأَنَّ النهي عن المنكر وَاجِبٌ وَعَلَيْهِ ذِكْرُ ذَلِكَ وَلَيْسَ عَلَيْهِ الْقَبُولُ ولا يسقط عنه وجوب الذكر إلا لخوف ضرب أو شتم أو ما يجري عليه مما هو حرام في نفسه فليس عليه أن ينكر حرامًا يرهق المنكر عليه إلى مباشرة حرام آخر
فأما قوله أعلم أن ذلك لا يفيد ولا يعمل به فهذا
(١) حديث الأمر بغسل البراجم أخرجه الترمذي الحكيم في النوادر من حديث عبد الله ابن بسر نقوا براجمكم ولابن عدي في حديث لأنس وأن يتعاهد البراجم إذا توضأ
ولمسلم من حديث عائشة عشر من الفطرة وفيه وغسل البراجم
(٢) الأمر بتنظيف الرواجب أخرجه أحمد من حديث ابن عباس أنه قيل له يا رسول الله لقد أبطأ عنك جبريل فقيل ولم لا يبطىء وأنتم لا تستنون ولا تقلمون أظافركم ولا تقصون شواربكم ولا تنقون رواجبكم وفيه إسماعيل بن عياش
(٣) حديث التوقيت في قلم الأظافر ونتف الإبط وحلق العانة أربعين يوما أخرجه مسلم من حديث أنس
(٤) حديث الأمر بتنظيف ما تحت الأظافر أخرجه الطبراني من حديث وابصة بن سعيد سألت النبي ﷺ عن كل شيء حتى سألته عن الوسخ الذي يكون بين الأظافر فقال دع ما يريبك إلى ما لا يريبك
(٥) حديث استبطاء الوحي فلما هبط عليه جبريل قال له كيف ننزل عليكم وأنتم لا تغسلون براجمكم ولا تنظفون رواجبكم تقدم قبل هذا بحديثين
1 / 138