241

( أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ) أي يظهر مثل هذا العلم لمحتمليه في الوقت بعد الوقت وجعل أعداءها أهل الشجرة الملعونة الذين حاولوا إطفاء نور الله بأفواههم فأبى ( الله إلا أن يتم نوره ).

ولو علم المنافقون لعنهم الله ما عليهم من ترك هذه الآيات التي بينت لك تأويلها لأسقطوها مع ما أسقطوا منه ولكن الله تبارك اسمه ماض حكمه بإيجاب الحجة على خلقه كما قال الله تعالى : ( فلله الحجة البالغة ) أغشى أبصارهم وجعل ( على قلوبهم أكنة* ) عن تأمل ذلك فتركوه بحاله وحجبوا عن تأكيده الملتبس بإبطاله فالسعداء ينهون [ يتثبتون ] عليه والأشقياء يعمون عنه ( ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور ).

ثم إن الله جل ذكره لسعة رحمته ورأفته بخلقه وعلمه بما يحدثه المبدلون من تغيير كتابه قسم كلامه ثلاثة أقسام فجعل قسما منه يعرفه العالم والجاهل وقسما لا يعرفه إلا من صفا ذهنه ولطف حسه وصح تمييزه ممن ( شرح الله صدره للإسلام ) وقسما لا يعرفه إلا الله وأمناؤه ( والراسخون في العلم ) وإنما فعل الله ذلك لئلا يدعي أهل الباطل من المستولين على ميراث رسول الله صلى الله عليه وآله من علم الكتاب ما لم يجعل الله لهم وليقودهم الاضطرار إلى الايتمار لمن ولاه أمرهم فاستكبروا عن طاعته تعززا (1) وافتراء على الله عز وجل واغترارا بكثرة من ظاهرهم وعاونهم وعاند الله عز وجل ورسوله.

فأما ما علمه الجاهل والعالم من فضل رسول الله في كتاب الله فهو قول الله عز وجل : ( من يطع الرسول فقد أطاع الله ) وقوله ( إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ) ولهذه الآية ظاهر وباطن فالظاهر قوله ( صلوا عليه ) والباطن قوله ( وسلموا تسليما ) أي سلموا لمن وصاه واستخلفه وفضله عليكم وما عهد به إليه تسليما وهذا مما أخبرتك أنه لا يعلم تأويله إلا من لطف حسه وصفا ذهنه وصح تمييزه وكذلك قوله سلام على آل ياسين لأن الله سمى به النبي صلى الله عليه وآله حيث قال : ( يس والقرآن الحكيم. إنك لمن المرسلين ) لعلمه بأنهم يسقطون قول الله سلام على آل محمد كما أسقطوا غيره وما زال رسول الله صلى الله عليه وآله يتألفهم ويقربهم ويجلسهم عن يمينه وشماله حتى أذن الله عز وجل في إبعادهم بقوله : ( واهجرهم هجرا جميلا ) وبقوله ( فما للذين كفروا قبلك مهطعين. عن اليمين وعن الشمال عزين. أيطمع كل امرئ منهم أن يدخل جنة نعيم. كلا إنا خلقناهم مما يعلمون ) وكذلك قول الله عز وجل : ( يوم ندعوا كل أناس بإمامهم ) ولم يسم بأسمائهم وأسماء آبائهم وأمهاتهم.

وأما قوله ( كل شيء هالك إلا وجهه ) فإنما أنزلت كل شيء هالك إلا دينه لأن من المحال أن يهلك منه كل شيء ويبقى الوجه هو أجل وأكرم وأعظم من ذلك إنما يهلك من ليس منه ألا ترى أنه قال ( كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ) ففصل بين خلقه ووجهه.

Page 253