236

وقطع الله عذر عباده بتبيين آياته وإرسال رسله ( لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ) ولم يخل أرضه من عالم بما يحتاج إليه الخليقة ومتعلم على سبيل النجاة أولئك هم الأقلون عددا وقد بين الله ذلك في أمم الأنبياء وجعلهم مثلا لمن تأخر مثل قوله في قوم نوح ( وما آمن معه إلا قليل ) وقوله فيمن آمن من أمة موسى : ( ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون ) وقوله في حواري عيسى حيث قال لسائر بني إسرائيل : ( من أنصاري إلى الله؟ قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون ) يعني بأنهم مسلمون لأهل الفضل فضلهم ولا يستكبرون عن أمر ربهم فما أجابه منهم إلا الحواريون وقد جعل الله للعلم أهلا وفرض على العباد طاعتهم بقوله : ( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) وبقوله ( ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ) وبقوله ( اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ) وبقوله ( وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم ) ( وأتوا البيوت من أبوابها ) والبيوت هي بيوت العلم الذي استودعته الأنبياء وأبوابها أوصياؤهم فكل من عمل من أعمال الخير فجرى على غير أيدي أهل الاصطفاء وعهودهم وشرائعهم وسننهم ومعالم دينهم مردود وغير مقبول وأهله بمحل كفر وإن شملتهم صفة الإيمان ألم تسمع إلى قوله تعالى : ( وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى ولا ينفقون إلا وهم كارهون )؟

فمن لم يهتد من أهل الإيمان إلى سبيل النجاة لم يغن عنه إيمانه بالله مع دفع حق أوليائه و ( حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين ) وكذلك قال الله سبحانه ( فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا ) وهذا كثير في كتاب الله عز وجل والهداية هي الولاية كما قال الله عز وجل : ( ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون ) والذين آمنوا في هذا الموضع هم المؤتمنون على الخلائق من الحجج والأوصياء في عصر بعد عصر.

وليس كل من أقر أيضا من أهل القبلة بالشهادتين كان مؤمنا إن المنافقين كانوا يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويدفعون عهد رسول الله بما عهد به من دين الله وعزائمه وبراهين نبوته إلى وصيه ويضمرون من الكراهة لذلك والنقض لما أبرمه منه عند إمكان الأمر لهم فيما قد بينه الله لنبيه بقوله : ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ) وبقوله ( وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ) ومثل قوله ( لتركبن طبقا عن طبق ) أي لتسلكن سبيل من كان قبلكم من الأمم في الغدر بالأوصياء بعد الأنبياء وهذا كثير في كتاب الله عز وجل وقد شق على النبي ما يئول إليه عاقبة أمرهم وإطلاع الله إياه على بوارهم فأوحى الله عز وجل إليه : ( فلا تذهب نفسك عليهم حسرات ) و ( فلا تأس على القوم الكافرين ).

وأما قوله ( وسئل من أرسلنا من قبلك من رسلنا ) فهذا من براهين نبينا التي آتاه إياها وأوجب به الحجة على سائر خلقه لأنه لما ختم به الأنبياء وجعله الله رسولا إلى جميع الأمم وسائر الملل خصه

Page 248