* إحقاق الحق للتستري *
Page 192
قال المصنف رفع الله درجته البحث الخامس في ذكر بعض الفضايل التي يقتضي وجوب إمامة أمير المؤمنين (ع) هذا باب واسع لا تحصى كثرة روى أخطب خوارزم من الجمهور بإسناده إلى ابن عباس قال قال رسول الله (ص) لو أن الرياض أقلام والبحر مداد والجن والإنس كتاب ما أحصوا فضايل علي بن أبي طالب (ع) فمن يقول عنه رسول الله (ص) مثل هذا كيف يمكن ذكر فضايله لكن لا بد من ذكر بعضها لما رواه أخطب خوارزم أيضا قال قال رسول الله (ص) إن الله جعل لأخي علي فضايل لا تحصى كثرة فمن ذكر فضيلة من فضايله مقرا بها غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ومن كتب فضيلة من فضايله لم يزل الملائكة يستغفر له ما بقي لتلك الكتابة رسم ومن استمع فضيلة من فضايله غفر الله له الذنوب التي اكتسبها بالاستماع ومن نظر إلى كتاب من فضايله غفر الله له الذنوب التي اكتسبها بالنظر ثم قال النظر إلى علي عبادة وذكره عبادة ولا يقبل الله إيمان عبد إلا بولايته والبراءة من أعدائه وقد ذكرت في كتاب كشف اليقين في فضايل أمير المؤمنين (ع) أن الفضايل أما قبل ولادته مثل ما روى أخطب خوارزم من علماء الجمهور عن ابن مسعود قال قال رسول الله (ص) لما أن خلق الله تعالى آدم ونفخ فيه من روحه عطس آدم فقال الحمد لله فأوحى الله تعالى حمدني عبدي وعزتي وجلالي لولا عبدان أريد أن أخلقهما في دار الدنيا ما خلقتك قال إلهي فيكونان مني قال نعم يا آدم إرفع رأسك وانظر فرفع رأسه فإذا مكتوب على العرش لا إله إلا الله محمد نبي الرحمة وعلي مقيم الحجة من عرف حق علي زكى وطاب ومن أنكر حقه لعن وخاب أقسمت بعزتي وجلالي أن أدخل الجنة من أطاعه وإن عصاني وأقسمت بعزتي أن أدخل النار من عصاه وإن أطاعني والأخبار في ذلك كثيرة انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول لا يشك مؤمن في فضايل علي بن أبي طالب (ع) ولا في فضايل أكابر الصحابة كالخلفاء فإن النبي (ص) قد خص كل واحد منهم بالفضايل التي كانت فيه وهي مذكورة في كتب الصحاح وكما أن هذا الرجل يذكر فضايل أمير المؤمنين (ع) من كتب صحاحنا كذلك كل على حسب مرادهم يذكرون فضايل من يريدون من الخلفاء الراشدين ولكن يشترط في ذكر الفضايل أن يروى من الصحاح المعتبرة ومن العلماء الذين اعتمدهم الناس ويكونوا صاحب قول مقبول ويعرفون سقيم الأخبار من صحيحها وجيدها من رديها ومقبولها من مردودها فإن الممارس لفن الحديث المبالغ في التتبع والاقتفاء لا يخفى عليه صحة الحديث وضعفه ووضعه فإن المنكر والشاذ معلومان موسومان بوسم النكر والشذوذ لأنها غير المألوفة مثل هذه الأحاديث والأخبار التي يرويها عن أخطب خوارزم أثر النكر والوضع ظاهر عليها بحيث لا يخفى على المتدرب في فن الحديث فإن هذه المبالغة التي نسبها إلى النبي (ص) في فضايل علي (ع) بقوله لو أن الرياض أقلام والبحر مداد أو الجن حساب والإنس كتاب ما أحصوا فضايل علي بن أبي طالب (ع) لا يخفى على الماهر في فن الحديث إن هذا لبس من كلام رسول الله (ص)
Page 193
ولينصفنا المنصف المتدرب في معرفة الأخبار أن من شأن الرسول (ص) أن يبالغ مثل هذه المبالغة في مدح أحد من المخلوقين وهذا من أوصاف الخالق قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ثم أن لفظ الفضايل لا يوجد أصلا في كلام النبي (ص) ومحال أن يحكم المحدث أن النبي (ص) تكلم بلفظ الفضايل فإن هذا من ألفاظ المحدثين المولدين وليس من كلام العرب والمحدث لا يخفى عليه أن هذا موضوعا وأكثر ما ذكر من مناقب الخوارزمي موضوعات وأما الحديث الذي رواه عن الخوارزمي عن ابن مسعود وهو أن الله خلق آدم لأجل محمد وعلي وأن العاصي بالله إن أطاع عليا فهو من أهل النجاة والمطيع بعد أن عصى عليا فهو من أهل النار فقد تحتم الحكم بأنه من الموضوعات لأنه مخالف لحكم الشرع فإن عليا عبد من عباد الله تعالى وهو ليس بأكرم على الله من محمد ومن اعتقد أن عليا أكرم على الله من محمد فهو كافر بالله العظيم ولا يرتاب في هذا أحد من المؤمنين محمد (ص) لا يمكن أن يدعى فيه أن من أطاعه وعصى الله فهو من أهل النجاة لأن طاعة الله وطاعة رسوله واحد فكيف يمكن الدعوى أن من أطاع عليا وإن عصى الله فهو من أهل النجاة وهذا من موضوعات غلات الرفضة ذكره هذا الرجل الرافضي ولا اعتداد بهذا النقل ولا اعتبار ثم أن كل ما يذكره من هذه الفضايل وإن صح فإنه لا يدل على وجوب إمامته كما لا يخفى انتهى وأقول لا يخفى على من ترعرع قليلا عن درجة العوام ما في كلام الناصب من الجهل والخبط وعدم الانتظام أما أولا فلأن قوله كذلك كل على حسب مرادهم يذكرون فضايل من يريدون من الخلفاء الراشدين مردود بأن ورود الأحاديث المشتملة على الفضايل الموجبة لاستحقاق الخلافة في شأن الأصحاب الذي وقع النزاع فيهم بين الفريقين غير ما عند الإمامية والمذكور في كتب أهل السنة لا يقوم حجة عليهم فلا فائدة في ذكرها مع أنها معارضة بما ذكر فيها من نقايصهم ومطاعنهم كما مر وسيجئ وإذا تعارضا تساقطا وأما ثانيا فلأن قوله ولكن يشترط في ذكر الفضايل أن يروي من الصحاح المعتبرة أيضا مدفوع بأن الصحاح المعتبرة لا ينحصر فيما زعمه ويشعر به كلامه من صحيحي البخاري ومسلم غاية الأمر أن الكتابين عند المتأخرين من أصحابه أصح عما عداها وكيف يمكن الحكم بنفي اعتبار غيرهما مع أن الفقهاء الأربعة لتقدم زمانهم على البخاري ومسلم وكتابيهما لم يشترطوا على أنفسهم استنباط الأحكام الشرعية عما أورداه في كتابيهما ومن أين علموا أن الأحاديث الذي يجمعا هذان الرجلان في كتابيهما بعد مائة سنة ماذا هل استنبطوا أكثر الأحكام الفقهية من الأحاديث المرسلة وغيرها التي لا يوجد أثر عنها في صحاحهم الست المشهورة كما لا يخفى على من تتبع كتبهم الفقهية سيما كتاب المحلى لابن حزم الأندلسي وأيضا إنما كان من يصح اشترط ذلك لو كان الكتابان المذكوران جامعين لجميع ما في الصحاح الأخر بل لجميع الصحاح المتفرقة في ساير كتب الحديث وليس كذلك لأن كتاب البخاري مشتمل على أربعة آلاف حديث بعد إسقاط المكررات وقد نقل عنه أنه كان يحفظ مائة ألف حديث وقس على هذا مسلم وغيره جمعا وحفظا مع تداخل أحاديث جوامعهم في الأكثر وقال النووي في مقدمة شرحه لصحيح مسلم أن البخاري ومسلما لم يلتزما استيعاب الصحيح بل صح عنهما تصريحهما بأنهما لم يستوعباه وأنهما قصدا جمع جمل من الصحيح كما يقصد المصنف في الفقه جمع جملة من مسايله لا أنه يحضر جميع مسائله انتهى وهل يجوز المسلم الذي آمن بما جاء به الرسول (ص) من السنة خصوصا العلماء المجتهدون أن يتركوا تتبع مائة ألف حديث من صحاح أحاديث النبي (ص) بل أضعاف ذلك ويقتصروا في تحقيق العقايد والأحكام والآثار الشرعية على نحو أربعة آلاف حديثا وضعفها مع ظهور عدم وفائها بعشر عشير من أحكام المكلفين ويحكموا بعدم اعتبار غيرها مما ذكر في جامع آخر من كتب أهل السنة ويعدلوا عن ذلك إلى التمسك بالقياس والاستحسان الذين هما من حجج الشيطان على أن النووي قال أنه قد استدرك جماعة على البخاري ومسلم أحاديث أخلا بشرطهما فمنها كتاب الحاكم أبو عبد الله الضبي ومنها كتاب الدارقطني وكتاب أبي علي الغساني وأبي مسعود الدمشقي وابن حزم الأندلسي بل رد ابن حزم في كتابه على كثير من روايات البخاري ونسبه في بحث القسامة من كتاب المحلى إلى الرواية عمن يضع الحديث فيرتفع الاعتماد على اعتبار من قصدهم الناصب من علماء أصحابه ويتعذر؟؟؟
الأحاديث بعد خراب البصرة وتعارضا الخذلان والنصرة وأيضا أن ما نقله الكرماني في فواتح شرحه للبخاري عن كتاب التعديل و الجرح لرجال البخاري تأليف الحافظ أبي الوليد سليمان الباجي المعزلي يدل على أن كتاب البخاري لم يتم في حياته بل كانت مسودة عند موته فزاد فيه الفريري وغيره من أهل ما وراء النهر ونقصوا حيثما اقتضاه آرائهم حيث قال الحافظ المذكور أخبرنا أبو ذر عبد بن محمد بن أحمد الهروي حدثنا أبو إسحاق المسمى إبراهيم بن أحمد قال انتسخت كتاب البخاري من أصله كان عند محمد بن يوسف الفريزي فرأيته لم يتم بعد وقد بقيت عليه مواضع مبيضة كثيرة منها تراجيم لم يثبت بعدها شيئا ومنها أحاديث لم يترجم عليها فأضفنا بعض ذلك إلى بعض قال ومما يدل على صحة هذا القول إن رواية أبي إسحاق ورواية أبي محمد ورواية أبي الهشم ورواية أبي زيد وقد نسخوا من أصل واحد فيها التقديم والتأخير وإنما ذلك بحسب ما قدر كل واحد منهم فيما كان في طرة ورقعة مضافة إنه من موضع ما فأضافه ويبين ذلك أنك تجد ترجمتين وأكثر من ذلك متصلة ليس بينهما أحاديث انتهى على أن الرجلان كما كانا أحفظ أهل زمانهما كذلك كانا أحمقهم فإن الحماقة قلما ينفك عن صاحب الحفظ الكثير لندرة اجتماع الحفظ مع الفهم والذكاء كما برهن عليه الحكأ ودل عليه الاستقراء أما البخاري فقد علم حماقته مجملا من المعاتبة الجارية بين الفاضل التفتازاني وبين أبي مسعود البخاري حيث كتب البخاري إلى ذلك الفاضل شيئان لا يجتمعان الإنسانية والخراسانية فكتب في جوابه شيئان لا يفترقان الحمارية والبخارية وكذا يعلم ذلك مجملا من الشعر الذي نسبه مؤلف كتاب روح الروح إلى أبي بكر الكاتب في ذم بخارا وهو قوله شعر لو الفرس العتيق أتى بخارا لصار فيها بطيعها حمارا فلم تر مثلها عيني كنيفا تبوأها أمير الشرق دارا ومن أن الله تعالى مسخ من مسخ من
Page 194
الأمم بصورة القردة والخنازير ومسخ من أهل بخارا بصورة الحمار فقد سمعت عن كثير من فضلا حنفية الهند أن صاحب تفسير المدارك وكشف المنار في أصول فقه الحنفية والكافي وكنز الدقايق وشرح العقيدة الحافظية من علماء بخارا قد مسخ وجهه إلى وجه الحمار وكان يتنقبه لأجل ذلك وكانوا ينقلون في سبب ذلك قصة طويلة لا يحضرني الآن وتفصيلا من فتواه في مسألة الرضاع كما ذكره صاحب الكفاية في شرح الهداية فقه الخفيفة حيث قال وإذا شرب صبيان من لبن شاة فلا رضاع بينهما لأنه لا حرمة بين الآدمي والبهايم لأن الحرمة لا يكون إلا بعد الآدمية والبهيمة لا يتصور أن يكون أما للآدمي ولادا فكذا رضاعا وكان محمد بن إسماعيل صاحب الحديث يقول يثبت به حرمة الرضاع وأنه دخل في بخارى في زمن الشيخ أبي حفص الكبير وجعل يفتي فقال له الشيخ لا تفعل فقست هنالك فأبى أن يقبل نصيحته حتى استفتى عن هذه المسألة إذا رضع صبيان بلبن شاة فأفتى بثبوت الحرمة فاجتمعوا وأخرجوه من بخارا بسبب هذه الفتوى انتهى ومن أغلاط البخاري ما ذكر في باب الأنساب من الغاية للسخاوي الشافعي في شرح الهداية المنظومة للشيخ محمد بن الجزري الشافعي أن أبا مسعود عقبة بن عمرو البدري لم ينسب كذلك لشهوده بدرا في قول الجمهور وإن عده البخاري في صحيحه فيمن شهدها وإنما كان نازلا يعني ساكنا بها فقد وقع لكبار أهل الحديث من ذلك أوهام انتهى ولا يخفى أن مثل هذا الغلط مع أنه باطل في نفسه يقود إلى غيره من الباطل العظم فإن البخاري إذا توهم أن أبا مسعود شهد بدرا وقد تقرر عند القوم أن أهل بدر كلهم عادلين فيعد جميع رواياته من الصحيح وهذا بلا عظيم كما ترى ولقد ظهر مما نقلناه أن رياسة البخاري وتصدره على السامع والقارئ إنما كان تصدرا بلا استحقاق وترؤسا بشؤم الاتفاق من أهل النفاق وأما مسلم بن الحجاج القشيري فيعلم حماقته أولا من تحقيق حال طائفته فإنهم من قشور العرب وأرذلهم كما ينبئ عنه اسمهم ولهذا قد انحرفوا عن علي بن أبي طالب (ع) وانضموا إلى معاوية وكانوا ناصبية مبغضين لعلي (ع) وشيعته لا يطيقون لذكره (ع) فيما بينهم حتى أنهم جادلوا في ذلك أبا الأسود الديلي (ره) حين ما ابتلى بالنزول في جوارهم بالبصرة وقالوا له حتى متى تقول من علي فأجابهم بقوله شعر يقول الأرذلون بنو قشير طوال الدهر لا تنسى عليا أحب محمدا حبا شديدا وعباسا وحمزة والوصيا هوى أعطيته منذ استدارت رحى الإسلام لم يعدل هويا أحبهم كحب الله حتى أجئ إذا بعثت على هويا فإن يك حبهم رشدا أصبته ولم أك مخطيا إن كان غيا قالوا له شككت قال فقد شك الله تعالى حيث قال إنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين أي أن الترديد والتشكيك قد يكون للإبهام على المخاطب لا للشك الحاصل للمتكلم وأيضا روى أنه قال لهم ذات يوم أنه ليس في العرب طائفة تكون طول بقائهم أحب إلي من طول بقائكم قالوا لم ذلك قال لأجل أن كل أمر أنتم ارتكبتموه علمت أنه محض ضلال وخطأ فاجتنبته وكل أمر أنتم اجتنبتم عنه علمت أنه عين الرشد والصواب فارتكبته وأيضا قد اشتمل هذان الكتابان وأمثالهما على روايات أبي هريرة وابن عمر وأنس وأمثالهم من الصحابة المتهمين بالكذب والفسق اللذين رد أبو حنيفة أخبارهم ولم يعمل بها قط كما صرح به أمام الحرمين أبو المعالي الجويني الشافعي في رسالته المؤلفة في تفضيل مذهب الشافعي أما أبو هريرة فقد ذكر فخر الدين الرازي في مسألة النصرية رسالته المعمولة مذهب الشافعي أيضا أن الحنفية طعنوا في أبي هريرة وقالوا إنه كان مساهلا في الرواية وروى الحميدي في الجمع بين الصحيحين في الحديث السادس والستين بعد المائة في المتفق عليه في مسند أبي هريرة عن أبي رزين قال خرج إلينا أبو هريرة فضرب بيده على جبهته وقال ألا إنكم تحدثون على أني أكذب على رسول الله (ص) الخبر وروى في مسند عبد الله بن عمر في الحديث الرابع والعشرين بعد المائة من المتفق عليه أن رسول الله (ص) أمر بقتل الكلاب إلا كلب صيد أو كلب غنم أو ماشية فقيل لابن عمر أن أبا هريرة يقول أو كلب زرع فقال ابن عمر إن لأبي هريرة زرعا وروى في الحديث الستين بعد المائة من المتفق عليه في مسند أبي هريرة يروي عن النبي (ص) من تبع جنازة فله قيراط من الأجر فقال ابن عمر لقد أكثر علينا أبو هريرة وأما عبد الله بن عمر فهو الذي لم يحسن أن يطلق امرأته والذي قعد عن بيعة أمير المؤمنين (ع) ثم جاء بعد ذلك إلى الحجاج فطرته ليلا وقال هات يدك أبايعك لأمير المؤمنين عبد الملك فإني سمعت رسول الله يقول من مات وليس عليه بيعة إمام فموتته جاهلية فأنكر عليه الحجاج مع كفره وعتوه وقال له بالأمس تقعد عن بيعة علي بن أبي طالب (ع) وأنت اليوم تأتيني تسئلني البيعة من عبد الملك بن مروان يدي عنك مشغولة لكن هذه رجلي وقد روى الحميدي في الجمع بين الصحيحين من تلزمه بيعة يزيد بن معاوية ما يتعجب منه العاقل فما كان علي بن أبي طالب وولده (ع) أو أحد من بني هاشم يجرون مجرى يزيد في أن يبايعه أن هذا من الطرايف وأما أنس بن مالك فهو الذي استشهده علي بن أبي طالب (ع) في كل شئ كان قد سمعه من النبي (ص) في فضايل علي (ع) فلم يشهد فدعا عليه فأصابه برص وقس على ذلك ما ذكر فيهما من رواية المغيرة بن شعبة الذي شهد عليه بالزنا عند عمر بن الخطاب ولقن الرابع حتى تلجلج في الشهادة فدفع عنه الحد وكذا رواية أبي موسى الأشعري مقيم الفتنة مضل الأمة الذي أخبر النبي (ص) أنه إمام الفرقة المرتدة وكذا أخبار كعب الأحبار الذي قام إليه أبو ذر فضربه بين يدي عثمان على رأسه بمحجنه وقال له يا بن اليهودية مثلك يتكلم في الدين فوالله ما خرجت اليهودية من قلبك وكذا عبد الله بن عمرو العاصي الباغي الداعي إلى النار وهو الذي كان في حرب صفين مع معاوية جعله على ميسرته وكان لشدة عناده يقاتل بسيفين ويضرب بهما عليا (ع) وأصحابه كما ذكره سبط الجوزي وغيره ومع هذا هو زاهد القوم وراوي شطر من أحاديثهم وكان من حجته في البغي أنه قال أمرني رسول الله (ص) أن أطيع أبي فلينظر العاقل إلى هذا الثقة الذي يروي البخاري ومسلم وأبو داود عنه وعن أبيه في صحاحهم فليتأمل فيما أخرجه أبو داود عن أبيه في سننه ومسلم في صحيحه قال أبو داود وقال عمر وبن العاص أن النبي (ص) قال
Page 195
من بايع إماما فأعطى صفقه يده وثمرة قلبه فليطعه ما استطاع فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا رقبة الآخر قال فلان قلت أنت سمعت هذا الحديث من رسول الله (ص) قال سمعته أذناي ووعاه قلبي قلت ابن عمك معاوية يأمرنا أن نفعل ونفعل قال أطعه في طاعة الله واعصه في معصية الله و أخرجه مسلم وزاد أن يأكل أموالنا بيننا بالباطل ويقتل أنفسنا والله تعالى يقول ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ولا تقتلوا أنفسكم فقال عمرو أطعه في طاعة الله واعصه في معصية الله هذه رواية أبيه وروى مثل ذلك صاحب جامع الأصول في باب الفتن عن عبد الله نفسه أيضا فقال قال عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة دخلت المسجد فإذا عبد الله بن عمرو بن العاص جالس في ظل الكعبة والناس مجتمعون إليه فأتيتهم فجلست إليه فقال كنا في سفر مع رسول الله (ص) وساق الحديث إلى أن قال قال رسول الله (ص) من بايع إماما وأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه ما استطاع فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر قال عبد الرحمن فدنوت منه فقلت أنشدك الله أنت سمعت هذا من رسول الله (ص) فأهوى إلى أذنيه وقلبه بيديه وقال سمعته أذناي ووعاه قلبي فقلت له إن ابن عمك معاوية يأمرنا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل ونقتل أنفسنا والله يقول يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما قال فسكت عني ثم قال أطعه في طاعة الله واعصه في معصية الله انتهى فهل كان حرب علي (ع) طاعة حتى أطاع أباه وإمامه معاوية في ذلك أم معصية فيجب عليه فيها عصيان أبيه وإمامه وكذا سمرة بن جندب الذي نقل في شأنه الشيخ عبد الحميد بن أبي الحديد المدايني في شرح نهج البلاغة عن أبي جعفر الإسكافي في المشهور أن معاوية بذل لسمرة مائة ألف درهم حتى يروي أن هذه الآية نزلت في علي (ع) ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحدث والنسل والله لا يحب الفساد وأن الآية الثانية نزلت في ابن ملجم وهي قوله تعالى ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رؤوف بالعباد فلم يقبل فبذل له ثلاثمائة فلم يقبل فبذل له أربعمائة فقبل إلى غير ذلك وبالجملة إنما اعتبر المتأخرون من أهل السنة هذين الأحمقين المقصرين على حفظ ألفاظ الحديث وفضلوا كتابيهما على ساير جوامع الحديث للنسائي والترمذي وأبي داود وابن حيان وغيرهم لما علموا فيهم الغلو في النصب والانحراف عن أهل البيت (ع) والتقليل في نقل مناقبهم وفي مطاعن تيم وعدي بالنسبة إلى غيرهما من المحدثين فالإنصاف اشتراط شرط آخر وهو أن يعتبر في مقام النزاع ما اتفق الفريقان على نقله من الأحاديث المذكورة في كتب الحديث مطلقا وترك تكلف تسمية بعضها صحيحا معتبرا دون غيره والعدول عن هذا الشرط خروج عن الإنصاف كما لا يخفى وأما ثالثا فلأن ما ذكره من أن الأخبار الذي نقلها المصنف عن أخطب خوارزم أثر النكر والوضع ظاهر عليها فكلام منكر لا يروج على من له اطلاع على شان الراوي وعلو منزلته في علم الحديث عن أن يذكر الموضوعات في مناقب مثل علي (ع) بل لو لم يمنعه التقوى لأخفى فضايله المتواترة كما أخفاها غيره من المتعصبين فكيف يظن بمثله من مشاهير أئمة أهل السنة أنه يضع الحديث في فضايل علي (ع) وقد أكثر القدماء من فضلا الشعراء في نظم مضمون هذا الحديث بحيث يشهد على شهرته ويرفع توهم نكارته فقال العوني (ره) شعر ولو كانت الآجام كل بأسرها تقطع أقلام وتبرى وتحصر وكانت سماء الله والأرض كاغذ وكانت بأمر الله تطوى وتنشر وكان جميع الإنس والجن يكتبوا وكان مداد القوم سبعة أبحر لكلت أياديهم وحار مدادهم ولم يؤت عشر العشر من فضل حيدر وعوتب المتنبي في ترك ذكر المناقب فقال شعر وتركت مدحي للوصي تعمدا إذ كان نورا مستطيلا شاملا وإذا استطال الشئ قام مقامه وكذا صفات الشمس تذهب باطلا ثم قال شعر فلو كانت سماء الله صحفا ونبت الأرض أقلام لباري فأبحره المداد يفضن مدا وأيدي الخلق تكتب باقتداري لما كتبوا الفضايل في علي بحد يعلموه ولا اقتصاري ومنشأ إنكار الناصب لذلك الحديث المعروف والحكم بكونه منكرا جهله بحال أخطب خوارزم وهو موفق بن أحمد المكي ثم الخوارزمي من أكابر حفاظ الحديث مشاهيرهم وقصره النظر على ما في كتاب البخاري ومسلم وإهمال تتبع كتب المتقدمين كموطأ مالك ومسند أحمد بن حنبل والمناقب لابن مردويه والخوارزمي وابن المغازلي مع أن كتب المتأخرين من أهل السنة كالصواعق لابن حجر وغيره مشتمل على النقل منها في مناقب الخلفاء ولا ريب في أن من نبذ كتب المتقدمين وراء ظهره إذا ورد عليه شئ من أحاديثها استحدثه واستغربه واستنكره وحكم بوضعه وبطلانه وغلطه كما وقع نظيره في زماننا عن بعض الفقراء والمبتدعين في التحصيل وذلك إنا حين كنا مشتغلا في المشهد المقدس الرضوي على مشرفه الصلاة والسلام بقراءة المطول مع جماعة من فضلا الطلبة على شيخنا المحقق النحرير العلامة عبد الواحد بن علي الشوشتري روح الله روحه إذ قد دخل مجلس الدرس ذات يوم شاب من فقرأ العرب كان مشتغلا بقراءة الرسالة الألفية في الفقه على بعض المدرسين ولما كان في ظنه أن الكتاب منحصر في الألفية وإن كل مجلس درس إنما يقرؤن ذلك بل إنما يقرؤن كل يوم القدر الذي هو يقرأ منها عند أستاذه افتتح كتابه قاصدا لاستفادة درسه في ذلك اليوم مرة أخرى في هذا المجلس فلما أصغى إلى قراءة قاري المطول وتقرير الشيخ النحرير مرارا ولم ير لهما ارتباطا وموافقة مع عبارات الرسالة الألفية خصوصا بالقدر الذي قرأ منها صباح ذلك اليوم عند أستاذه حصل له الملال وساء الظن بما كان في أيدي طلبة ذلك المجلس من نسخ كتاب المطول فقام متعرضا مخاطبا لجماعة الطلبة بأن كل كتبكم غلط فليضحك قليلا وليبك كثيرا وأما رابعا فلأن ما جعله أمارة على وضع الحديث من المبالغة الواقعة فيه فعارض بالمبالغة الواقعة فيما ذكره ابن حجر في صواعقه في الفصل الثالث في فضايل أبي بكر حيث قال أخرج أبو يعلى عن عمار بن ياسر قال قال رسول الله (ص) أتاني جبرئيل
Page 196