Idara Islamiyya Fi Cizz Carab
الإدارة الإسلامية في عز العرب
Genres
فلا يرضى أبو مسلم أن يقرأ الكتاب ويجعله طعاما للنار. ومن الحزم أن لا يسمع وعدا ولا وعيدا ما دام قد دبر أمره تدبير من طب لمن حب،
7
وكان الإمام يوصي جماعته أن لا يتجاوزوا الفرات. ومن حسن طالع الجيش الفاتح أنه اجتاز الفرات في مده، فهلك القائد وانتصر جيشه. فلما بلغ مروان الجعدي ذلك قال: هذا والله الإدبار، وإلا فمن سمع بميت يهزم حيا!
داول أبو العباس السفاح بين الكوفة والأنبار والحيرة والهاشمية من المدن، فكان يتنقل فيها، ولم يجعل له عاصمة مستقرة. واتخذ له وزيرا أبا سلمة الخلال حفص بن سليمان وسلمه الدواوين، وكان يسمى وزير آل محمد. وأصبحت الوزارة في الدولة العباسية مقررة القواعد والقوانين، وما كانت تعهد في الدولة الأموية، وكان من يستشيرهم الأمويون يسمون كتابا ومشيرين على الأغلب، ويسمى وزيرا من باب التجوز لا على مثال بني العباس . استوزر السفاح خالد بن برمك بعد أن قتل أبا سلمة الخلال، فجعل خالد له دفاتر في الدواوين من الجلود وكتب فيها وترك الدروج. وكانت كتابة الدواوين في صدر الإسلام أن يجعل ما يكتب فيه صحفا مدرجة. دام ذلك مدة بني أمية، ولما تصرف جعفر بن يحيى بن خالد بن برمك في الأمور أيام الرشيد اتخذ الكاغد وتداوله الناس من بعد.
8
عهد السفاح بإدارة البلاد إلى رجال من آل بيته يستأصلون قواد الأمويين وجماعاتهم، لا تأخذهم بهم رأفة ولا هوادة، ويقتلون حتى من استأمنوا، ويبحثون عنهم حتى في أقصى حدود المملكة؛ ليجتثوا أصولهم، فانتقموا لمن قتله الأمويون على نسبة عظيمة جدا، أخذوا ثأرهم من أحيائهم بالقتل، ومن أمواتهم بإحراق جثثهم وتعفية آثارهم، وما ارتكبوه في دمشق من نسف قبور خلفاء الأمويين والقضاء على كل أثر لهم كان سيئة وأي سيئة.
ولم يتفرغ أبو العباس السفاح لوضع أساس ثابت للإدارة لانصرافه جملة واحدة إلى توطيد دعائم الفتح وقتال الخوارج عليه، وسار في الجملة على نظام الأمويين، وكان أخوه أبو جعفر يتولى لأخيه كل أمر عظيم، وكانت العراق على حظ وافر من ترتيب دواوينها وانتظام شئون إدارتها على العهد الأموي بفضل من وليها من أكبر رجال الإدارة والسياسة من بني أمية. وكذلك الحال في معظم الأقطار تبدلت دولة بدولة وخليفة بخليفة، ونسج الآخر على منوال الأول اضطرارا واختيارا، وقل أن خالفه في ترتيبه ونظمه. وخطب السفاح قائما، وكانت بنو أمية تخطب قعودا، فضج الناس وقالوا: أحييت السنة يا ابن عم رسول الله. وكان السفاح جميل العشرة جوادا بالمال، ويحب مسامرة الرجال، وكان كثيرا ما يقول: العجب ممن يترك أن يزداد علما ويختار أن يزداد جهلا! فقال له أبو بكر الهذلي: ما تأويل هذا الكلام يا أمير المؤمنين؟ قال: يترك مجالسة مثلك ومثل أصحابك ويدخل إلى امرأة وجارية، فلا يزال يسمع سخفا ويرى نقصا. فقال له الهذلي: لذلك فضلكم الله على العالمين، وجعل منكم خاتم النبيين. ومن أثمن ما وصل إلى أبي العباس من ميراث بني أمية بردة الرسول وقضيبه. وكان مروان
9
بن محمد حين أحيط به في مصر دفعهما إلى خادم له وأمره أن يدفنهما في بعض تلك الرمال. فلما أخذ الخادم في الأسرى قال: إن قتلتموني ضاع ميراث النبي. فأمنوه على أن يسلم لهم ذلك، وكان للبردة والقضيب شأن وأي شأن عند جميع الخلفاء من بعده.
ولي المنصور الخلافة، وكان أسن من أخيه أبي العباس السفاح، ودبر المملكة في أيامه تدبيرا حسنا. أفضى إليه الملك وهو حنيك
Unknown page