73

Idah Tawhid

إيضاح التوحيد بنور التوحيد لسعيد الغيثي

Genres

فقد علمنا في البراءة منه بحكم الله الذي أوجبه الله علينا في البراءة من المصرين المحادين في حكم الظاهر، ولم نتعاط فيه الغيب، إذ ليس ذلك إلينا، وإنما هو إلى عالم السر والنجوى، فأهل الأحداث المضلة في عصر الصحابة ومن بعدهم ومن قبلهم إنما نبرأ منهم بسبب ما أحدثوا من المعاصي التي أوجب ربنا تعالى مفارقتهم عليها، والبراءة منهم بسببها؛ ولا نقطع أنهم في النار، إلا إذا كانوا قد ماتوا على ما علمناه منهم في حكم الظاهر فنحن نبرأ منهم بموجب حكم الله ، ونتأدب عن القطع في الغيب بموجب حكم الله، والبراءة حكم من أحكام الله، ولا تنافي دخول الجنة لمن تاب، فإن الحد قد يقام على الشخص وهو في علم الله من أهل الجنة، فمن قطع يده بحكم الله لا يكون مخالفا ولا مضيعا، بل قائم فيه حكم الله، ومؤد فيه فرضه الذي أوجيه الله عليه؛ ونحن لم نر عليا ولا سبطه الحسن بشيء، وإنما ذكرناهم بأحداثهم التي رموا فيها أنفسهم، واشتهر ذلك بين الموافق والمخالف، والخاص والعام، وإنما خالف المخالفون في أحكام تلك الأحداث، مع إقرارهم أنها أحداث فعذروهم مع أحداثهم للفضل المتقدم، ونحن لا ننكر ذلك الفضل، لكن نقول: إن لكل نازلة حكما فلا نضيع حكم الله الحاضر لأجل فضل متقدم؛ وابن ملجم إنما قتل نفسا واحدة وعلي قد قتل أربعة آلاف نفس مؤمنة في موقف واحد، إلا قليلا ممن نجا منهم، وهؤلاء المقتولون كل يعترف بفضلهم، وكل يقول: إنهم طلبوا الحق، لكن خصمنا يزعم زعما باطلا أنهم طلبوا الحق فأخطئوه، والصواب أنهم طلبوا الحق فأصابوه؛ وعثمان قد اجتمعت الصحابة على خلعه وعزله ومحاصرته في بيته حتى قتل، والمسلمون له قالون، وعليه ساخطون؛ وإنما سترت أحداثه دولة أقاربه من بني أمية، صارت الدولة لهم فأظهروا فضائله، وكتموا أحداثه؛ ألا تسألهم: أين دفن عثمان؟ إنما دفن في أرض اليهودي، يقال له: حنش كوكب، لم يرضوا أن يدفنوه في مقابر المسلمين، فلما صارت الدولة لمعاوية أمر الناس أن يدفنوا موتاهم بينه وبين مقبرة المسلمين، حتى اتصلت القبور بقبر عثمان، ليلبس على الناس أنه دفن في مقبرة المسلمين، وهذا أمر مشهور، ولا يحتاج إلى أن يسأل عنه.

وأما أبو حفص عمر بن عبد العزيز، وعبد الملك بن عمر فليسا داخلين في حكم بني مروان، وقد استثناهما ابن النظر في لاميته، وأثنى عليهما غيره، فأما عبد الملك بن عمر لم يختلف المسلمون في ولايته، لأنه وافقهم ومات عند الوفد من المسلمين الوافدين على أبيه، وتولوا جهازه بعد موته بإذن أبيه، وأما أبوه عمر فإن الوفد قد وقفوا عنه، لأنهم لم يوسعوا له في التقية، ولم يوافقهم في رأيهم هذا وقد وافقهم في جميع دينهم، فقالوا له: المسلمون يشتمون على المنابر، فأظهر عذرهم، فخشي المعاجلة فقالوا: نخرج عنك على أن لا نتولاك. فبلغت أبا عبيدة فقال: «ليت القوم قبلوا منه»، وذلك لأنه وافق قولا في التقية، ووقوف الوفد عنه لا ينافي ولاية غيرهم، فتولاه بعض المسلمين، ونحن نتولاه.

وأما ادعاء القوم أنهم أهل سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكذب وافتراء، وإنما هم أهل سنة معاوية، سن لهم شتم علي ولعنه على المنابر فصار ذلك سنة فيهم، فأضيفوا إليه؛ ولما جاءت دولة بني العباس كتموا سنتهم التي عرفوا بها، فطال الزمان فلم يعرف تلك السنة إلا الخواص، فظنت عامتهم أن السنة التي أضيفوا إليها هي سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فكان الاسم قبيحا واختفى سببه فظنوه مدحا.

Page 74