Īḍāḥ al-tawḥīd bi-nūr al-tawḥīd li-Saʿīd al-Ghaythī
إيضاح التوحيد بنور التوحيد لسعيد الغيثي
Genres
اعلم أن المعتزلة ذهبت خلافا للأمة إلى أن العقل هو الحاكم في الأشياء كلها، وأن الشرع إما مؤكد لحكم العقل، وإما مبين لما خفي على العقل بيانه، وجعلوا الشرع كالطبيب الذي يصف طبائع العقاقير، فإن طبائع العقاقير موجودة فيها، ولو لم يبينها الطبيب، لكنها تخفى على أكثر الناس، فكذلك الشرع في بيان ما خفي على العقل حكمه، قالوا: فما يدرك جهة حسنه أو قبحه بالعقل من الأفعال التي ليست اضطرارية ينقسم إلى الأقسام الخمسة، لأنه إن اشتمل تركه على مفسدة فواجب، أو فعله فحرام، وإلا فإن اشتمل فعله على مصلحة فمندوب، أو تركه فمكروه، وإلا فإن لم يشتمل من طرفيه على مفسدة ولا مصلحة فمباح، قالوا: وما لا يدرك جهته بالعقل لا في حسنه ولا قبحه فلا يحكم فيه قبل الشرع بحكم خاص تفصيلي في فعل، إذا لم يعرف فيه جهة تفصيله. وهذا كله باطل، لأنا لو نظرنا قبل مجيء الشرع في شكره تعالى على إنعامه علينا لكان العقل يقتضي عندهم أن شكره تعالى واجب من غير أن (¬1) يتوقف في ذلك على مجيء الشرع، لأن معرفته تعالى ومعرفة كونه منعما يدركهما العقل بدون الشرع، وكذا يدرك بدونه حسن شكر المنعم وقبح كفرانه، فيدرك إذا وجوب الكفر وتحريم الكفران بدون الشرع، فيقال لهم: هذا الشكر لو وجب قبل الشرع لكان له فائدة، فلا تخلو إما أن تكون عائدة إلى الرب المشكور وهو غني سبحانه وتعالى فالقول بعودها إليه باطل، وإما أن تكون عائدة إلىالعبد الشاكر، وعودها إليه عاجلا أو آجلا، والكل باطل، أما عودها إليه عاجلا فغير ثابت لأنه عبث، وأما عودها إليه آجلا فأمر لا يدرك بالعقل، وإنما أدرك من جهة الشرع خاصة، فبطل ما زعموه من ثبوت الحكم الشرعي بالعقل، واتضح أن الحاكم بذلك هو الشرع، وأن العقل حجة فيما جعله الشرع حجة فيه، لا زيادة والله أعلم.
¬__________
(¬1) - ... في الأصل: «+أن».
Page 286