205

قلنا: المراد مائلون إليه دون الإيمان لقوله تعالى فيهم{وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله ورسوله ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى ولا ينفقون إلا وهم كارهون}(التوبة:54) ولتصريحهم بتكذيب الله فيما حكى الله عنهم في قوله {وقالوا ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا}(الأحزاب:12) فثبت بذلك أن المنافق كافر ولكن هل تجري عليه أحكام الكفار الدنيوية التي ذكرناها (في المنع) من المناكحة والموارثة والدفن وغير ذلك، لصاحب شرح الأصول كلامان: أحدهما أنه تجري عليه وكلام الفقيه حميد يقضي بذلك وفي موضع آخر من الشرح لا تجري عليه. قال الدواري: فأما القتل وإباحة المال فإنه لا يكون حكمه حكم الكفار في ذلك إذ المعلوم من أحكام المنافقين على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حقن دمائهم وأموالهم وهم في ذلك يشبهون أهل الملة، فأما عقاب الآخرة فيقرب أن عقابهم أعظم لقوله تعالى{إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار}(النساء:145) وأما الدليل على أن الفاسق لا يكون مؤمنا كما تزعمه المرجئة، أن المؤمن وإن كان في اللغة المصدق فقد نقل إلى من أتى بالواجبات واجتنب المقبحات وهو الذي يستحق الثواب والمدح والتعظيم بدليل أنه يحسن تواسطه بين أوصاف المدح، فيقال فلان بر تقي مؤمن صالح زكي فلو لم يكن مدحا لم يحسن توسيطه بين أوصاف المدح ما ليس بمدح. وإذا تقرر ذلك فالفاسق لا يستحق المدح والتعظيم بل يستحق الذم والإهانة بلا خلاف بين المسلمين، ولهذا فإن الصحابة كانوا يقيمون الحدود على الجناة على وجه الإهانة. وقد دل الدليل السمعي على نقل اسم المؤمن إلى من يستحق الثواب ونحوه، قال تعالى{إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون، الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون أولئك هم المؤمنون حقا}(الأنفال:2،3،4) وقال تعالى في وصف المؤمن على وجه التفسير والتعريف بما يكون المؤمن مؤمنا{قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين هم عن اللغو معرضون}(الحج:1،2،3) إلى آخر الآيات، فقد أفادت أن هذه الأوصاف هي الإيمان وأن المؤمن هو الذي يستحق الثواب وهو المراد بالفلاح في هذه الآية. وقال تعالى{أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون}(السجدة:18) فنفى تعالى مساواة المؤمنين والفاسقين فدل على أن الفاسق لا يكون مؤمنا إذ لو كان كذلك لكان قد نفى مساواة الشيء لنفسه، وقال تعالى{بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان}(الحجرات:11) وهذا يقضي بأن الفاسق غير مؤمن. ومما يدل على ما قلنا قوله صلى الله عليه وآله وسلم:(لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، فإذا فعل ذلك انتزع الإيمان من قلبه وإن تاب تاب الله عليه، قيل يا رسول الله (أو كافر) هو قال لا قيل فما هو قال فاسق) وهذا نص فيما ذهبنا إليه. نعم وقولنا إن المؤمن اسم في الشرع لمن يستحق الثواب دليل على شمول ذلك للملائكة والأنبياء عموما ومن له ثواب غير محبط من الإنس والجن، وخرج من التعريف الكافر والفاسق ومن ليس له ثواب ولا عقاب إما لكونه غير مكلف أو تساوى ثوابه وعقابه على القول بجواز التساوي، فالمؤمن عندنا هو من اعتقد بقلبه وأقر بلسانه وعمل بجارحته، فإن أخل بالأول فقط كان منافقا، وإن أخل بالثاني كان كافرا،وإن أخل بالثالث كان فاسقا، وإنما قلنا إن المؤمن من جمع الثلاثة الأمور المذكورة لما قررناه من الأدلة على ذلك.فثبت بذلك التقرير أن الفاسق لا يسمى مؤمنا ولا كافرا ولا منافقا وبطل ما قاله المخالفون .

تنبيه:

قال أصحابنا الإسلام والإيمان والدين سواء في الشرع وهو فعل الطاعات واجتناب المحظورات والمكروهات وإن كانت في أصل اللغة مختلفة، فالإيمان التصديق، والإسلام هو الاستسلام والإنقياد، والدين يستعمل في اللغة بمعنى الجزاء وبمعنى العادة وبمعنى الملة وهو ما يتخذه الإنسان له دينا وبمعنى الطاعة لكنها قد صارت في الشرع بعد النقل

بمعنى واحد وهو ما ذكرنا.

Page 243