270

Ictisam

الاعتصام للشاطبى موافق للمطبوع

Investigator

سليم بن عيد الهلالي

Publisher

دار ابن عفان

Edition Number

الأولى

Publication Year

١٤١٢هـ - ١٩٩٢م

Publisher Location

السعودية

وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا: أَنَّهُ كَلَامُ مُجْتَهِدٍ يَحْتَمِلُ اجْتِهَادُهُ الْخَطَأَ وَالصَّوَابَ، إِذْ لَيْسَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ دَلِيلٌ يَقْطَعُ الْعُذْرَ، وَإِنْ سُلِّمَ؛ فَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى خِلَافِ ظَاهِرِهِ؛ لِإِجْمَاعِهِمْ عَلَى طَرْحِ الضَّعِيفِ الْإِسْنَادِ، فَيَجِبُ تَأْوِيلُهُ عَلَى أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِهِ الْحَسَنَ السَّنَدِ وَمَا دَارَ بِهِ عَلَى الْقَوْلِ بِإِعْمَالِهِ، أَوْ أَرَادَ: خَيْرٌ مِنَ الْقِيَاسِ لَوْ كَانَ مَأْخُوذًا بِهِ، فَكَأَنَّهُ يَرُدُّ الْقِيَاسَ بِذَلِكَ الْكَلَامِ مُبَالَغَةً فِي مُعَارَضَةِ مَنِ اعْتَمَدَهُ أَصْلًا حَتَّى رَدَّ بِهِ الْأَحَادِيثَ، وَقَدْ كَانَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَمِيلُ إِلَى نَفْيِ الْقِيَاسِ، وَلِذَلِكَ قَالَ: " مَا زِلْنَا نَلْعَنُ أَهْلَ الرَّأْيِ وَيَلْعَنُونَا حَتَّى جَاءَ الشَّافِعِيُّ فَخَرَجَ بَيْنَنَا "، أَوْ أَرَادَ بِالْقِيَاسِ الْقِيَاسَ الْفَاسِدَ الَّذِي لَا أَصْلَ لَهُ مِنْ كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ وَلَا إِجْمَاعٍ، فَفَضَّلَ عَلَيْهِ الْحَدِيثَ الضَّعِيفَ وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ بِهِ، وَأَيْضًا؛ فَإِذَا أَمْكَنَ أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ أَحْمَدَ عَلَى مَا يُسَوَّغُ؛ لَمْ يَصِحَّ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ فِي مُعَارَضَةِ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ.
فَإِنْ قِيلَ: هَذَا كُلُّهُ رَدٌّ عَلَى الْأَئِمَّةِ الَّذِينَ اعْتَمَدُوا عَلَى الْأَحَادِيثِ الَّتِي لَمْ تَبْلُغْ دَرَجَةَ الصَّحِيحِ؛ فَإِنَّهُمْ كَمَا نَصُّوا عَلَى اشْتِرَاطِ صِحَّةِ الْإِسْنَادِ؛ كَذَلِكَ نَصُّوا أَيْضًا عَلَى أَنَّ أَحَادِيثَ التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ لَا يُشْتَرَطُ فِي نَقْلِهَا لِلِاعْتِمَادِ صِحَّةُ الْإِسْنَادِ، بَلْ إِنَّ كَانَ ذَلِكَ؛ فَبِهَا وَنِعْمَتْ، وَإِلَّا؛ فَلَا حَرَجَ عَلَى مَنْ نَقَلَهَا وَاسْتَنَدَ إِلَيْهَا، فَقَدْ فَعَلَهُ الْأَئِمَّةُ كَـ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّأِ، وَابْنِ الْمُبَارَكِ فِي " رَقَائِقِهِ "، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِي " رَقَائِقِهِ "، وَسُفْيَانَ فِي " جَامِعِ الْخَيْرِ "، وَغَيْرِهِمْ.
فَكُلُّ مَا فِي هَذَا النَّوْعِ مِنَ الْمَنْقُولَاتِ رَاجِعٌ إِلَى التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ، وَإِذَا جَازَ اعْتِمَادُ مِثْلِهِ؛ جَازَ فِيمَا كَانَ نَحْوَهُ مِمَّا يُرْجَعُ إِلَيْهِ، كَصَلَاةِ الرَّغَائِبِ،

1 / 289