Al-Iʿtibār fī al-nāsikh waʾl-mansūkh min al-āthār
الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار
Publisher
دائرة المعارف العثمانية - حيدر آباد
Edition Number
الثانية
Publication Year
١٣٥٩ هـ
Publisher Location
الدكن
Genres
Ḥadīth
وَيُرْوَى أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ الْمَدَنِيِّينَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ، وَحَدِيثُ جَابِرٍ أَبْلَغُ فِي الْمَقْصُودِ فِي بَابِ النَّسْخِ، غَيْرَ أَنَّ الْحَدِيثَ فِيهِ اخْتِلَافُ أَلْفَاظٍ، فَلَا بُدَّ مِنْ تَنْقِيحِ مَنَاطِهِ لِيُفْهَمَ مِنْهُ الْمَقْصُودَ، فَنَقُولُ: اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْمَنْسُوخَ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ حُكْمًا شَرْعِيًّا، وَهَذَا أَمْرٌ مُقَرَّرٌ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ يُعْرَفُ فِيهِ، نَعَمِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي مَسْأَلَةٍ؛ وَهِيَ أَنَّ عِنْدَنَا مَا مِنْ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ إِلَّا وَهُوَ قَابِلٌ لِلنَّسْخِ، وَخَالَفَنَا فِي ذَلِكَ جَمَاهِيرُ الْمُعْتَزِلَةِ، وَقَالُوا: هُنَاكَ أَفْعَالٌ لَا يُمْكِنُ نَسْخُهَا، مِثْلَ الْكُفْرِ وَالْكَذِبِ وَالظُّلْمِ، وَمَا شَاكَلَ ذَلِكَ، وَتَسْتَنِدُ دَعْوَاهُمْ هَذِهِ إِلَى مَسْأَلَةٍ أُخْرَى؛ وَهِيَ أَنَّ التَّحْسِينَ وَالتَّقْبِيحَ عِنْدَهُمْ يُتَلَقَّيَانِ مِنَ الْعَقْلِ، وَتَفَاصِيلُ ذَلِكَ مَذْكُورَةٌ فِي كُتُبِ أُصُولِ الْفِقْهِ.
وَالْآنَ بَعْدَ تَمْهِيدِ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ؛ بِنَا حَاجَةٌ إِلَى الْكَشْفِ عَنْ مَكْمُونِ الْحَدِيثِ وَالْبَحْثِ عَنْ مَقْصُودِهِ، فَنَقُولُ: ذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّ قَوْلَهُ: لَا لِقَاحَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ صِيغَةٌ تَدُلُّ عَلَى النَّهْيِ، نَحْوَ قَوْلِهِ ﷺ لَا صِيَامَ لِمَنْ لَا يُبَيِّتِ الصِّيَامَ مِنَ اللَّيْلِ، وَلَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إِلَّا فِي الْمَسْجِدِ قَالُوا: وَلَا يُقَالُ: إِنَّ هَذَا مِنْ قَبِيلِ الْمَصَالِحِ الدُّنْيَوِيَّةِ، وَلَا مَدْخَلَ لَهُ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ؛ لِأَنَّ لِلشَّارِعِ أَنْ يَتَحَكَّمَ فِي أَفْعَالِ الْعِبَادِ كَيْفَ أَرَادَ، فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: (فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا) قَالُوا: وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى شَرْعِيَّتِهِ انْتِهَاءُ الْقَوْمِ عَنِ التَّلْقِيحِ حَتَّى أَذِنَ لَهُمْ، وَلِهَذَا قَالُوا لِلنَّبِيِّ ﷺ: كُنْتُ نَهَيْتُ عَنِ اللِّقَاحِ! وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ فَهْمَ النَّهْيِ؛ بَلْ أَذِنَ لَهُمْ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْإِذْنَ يَسْتَدْعِي سَابِقَةَ مَنْعٍ، يُقَالُ عَلَى قَوْلِهِمْ: الْقَدْرُ الَّذِي تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَا يَفِي بِالْمَقْصُودِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ اتَّفَقُوا عَلَى اسْتِحَالَةِ وُقُوعِ مَا يُنَاقِضُ مَدْلُولُ الْمُعْجِزَةِ فِي حَقِّ الْأَنْبِيَاءِ ﵈ بِدَلِيلِ الْعَقْلِ، وَذَلِكَ نَحْوُ الْكُفْرِ وَالْجَهْلِ بِاللَّهِ تَعَالَى، وَالْكَذِبِ وَالْخَطَأِ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ، وَالْغَلَطِ، غَيْرَ أَنَّ طَائِفَةً ذَهَبَتْ إِلَى جَوَازِ الْغَلَطِ عَلَيْهِمْ فِيمَا يُثْبِتُونَهُ بِالِاجْتِهَادِ، لَكِنَّهُمْ قَالُوا: لَا يُقِرُّونَ عَلَيْهِ، وَهَذَا
1 / 168