326

{أولو كان ءاباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون}: الهمزة للاستفهام المصحوب بالتوبيخ والإنكار والتعجب من حالهم، وأما الواو بعد الهمزة، فقال الزمخشري: الواو للحال، ومعناه: أيتبعونهم، ولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا من الدين ولا يهتدون للصواب؟ وقال ابن عطية: الواو لعطف جملة كلام على جملة، لأن غاية الفساد في الالتزام أن يقولوا: نتبع آباءنا ولو كانوا لا يعقلون، فقرروا على التزام هذا، أي هذه حال آبائهم. انتهى كلامه. وظاهر قول الزمخشري أن الواو للحال، مخالف لقول ابن عطية إنها للعطف، لأن واو الحال ليست للعطف. والجمع بينهما أن هذه الجملة المصحوبة بلو في مثل هذا السياق، هي جملة شرطية. فإذا قال: اضرب زيدا ولو أحسن إليك، المعنى: وإن أحسن، وكذلك: اعطوا السائل ولو جاء على فرس؛ ردوا السائل ولو بشق تمرة، المعنى فيها: وإن. وتجيء لو هنا تنبيها على أن ما بعدها لم يكن يناسب ما قبلها، لكنها جاءت لاستقصاء الأحوال التي يقع فيها الفعل، ولتدل على أن المراد بذلك وجود الفعل في كل حال، حتى في هذه الحال التي لا تناسب الفعل. ولذلك لا يجوز: اضرب زيدا ولو أساء إليك، ولا أعطوا السائل ولو كان محتاجا، ولا ردوا السائل ولو بمائة دينار. فإذا تقرر هذا، فالواو في ولو في المثل التي ذكرناها عاطفة على حال مقدرة، والعطف على الحال حال، فصح أن يقال: إنها للحال من حيث أنها عطفت جملة حالية على حال مقدرة. والجملة المعطوفة على الحال حال، وصح أن يقال: إنها للعطف من حيث ذلك العطف، والمعنى: والله أعلم إنكار اتباع آبائهم في كل حال، حتى في الحالة التي لا تناسب أن يتبعوا فيها، وهي تلبسهم بعدم العقل وعدم الهداية. ولذلك لا يجوز حذف هذه الواو الداخلة على لو، إذا كانت تنبيها على أن ما بعدها لم يكن يناسب ما قبلها. وإن كانت الجملة الواقعة حالا فيها ضمير يعود على ذي الحال، لأن مجيئها عارية من الواو يؤذن بتقييد الجملة السابقة بهذه الحال، فهو ينافي استغراق الأحوال حتى هذه الحال. فهما معنيان مختلفان، والفرق ظاهر بين: أكرم زيدا لو جفاك، أي إن جفاك، وبين أكرم زيدا ولو جفاك. وانتصاب شيئا على وجهين: أحدهما: على المفعول به فعم جميع المعقولات، لأنها نكرة في سياق النفي فتعم، ولا يمكن أن يكون المراد نفي الوحدة فيكون المعنى لا يعقلون شيئا بل أشياء. والثاني: أن يكون منصوبا على المصدر، أي شيئا من العقل، وإذا انتفى، انتفى سائر العقول، وقدم نفي العقل، لأنه الذي تصدر عنه جميع التصرفات، وأخر نفي الهداية، لأن ذلك مترتب على نفي العقل، لأن الهداية للصواب هي ناشئة عن العقل، وعدم العقل عدم لها.

{

ومثل الذين كفروا كمثل الذى ينعق بما لا يسمع إلا دعآء وندآء صم بكم عمى فهم لا يعقلون} فعلى القولين السابقين يكون الفاعل بيسمع ضميرا يعود على ما، وهو المنعوق به. وعلى هذا القول يكون الفاعل ضميرا عائدا على الذي ينعق، ويكون الضمير العائد على ما الرابط للصلة بالموصول محذوفا لفهم المعنى تقديره: بما لا يسمع منه، وليس فيه شروط جواز الحذف، لأن الضمير مجرور بحرف جر الموصول بغيره. واختلف ما يتعلقان به، فالحرف الأول باء تعلقت بينعق، والثاني من تعلق بيسمع. وقد جاء في كلامهم مثل هذا.

Page 360