الإعلان بالتوبيخ لمن ذم أهل التوريخ
تصنيف
الحافظ المؤرخ شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي
(ت: ٩٠٢ هـ)
تحقيق
سالم بن غتر بن سالم الظفيري
1 / 1
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
1 / 2
(ح) دار الصميعي للنشر والتوزيع، ١٤٣٨ هـ
فهرسة مكتبة الملك فهد الوطنية أثناء النشر
الظفيري، سالم غتر سالم
الإعلان بالتوبيخ لمن ذم أهل التوريخ/ سالم غتر سالم- الرياض، ١٤٣٨ هـ
ص: ٨٠٥، سم: ١٧ × ٢٤
ردمك: ٣ - ٨٠ - ٨١٧٢ - ٦٠٣ - ٩٧٨
١ - تاريخ
٢ - التاريخ - مصادر
٣ - التاريخ - فلسفة … أ. العنوان
ديوي: ٩٠٧.٢ … ٢٨٧٢/ ١٤٣٨
رقم الإيداع: ٢٨٧٢/ ١٤٣٨
ردمك: ٣ - ٨٠ - ٨١٧٢ - ٦٠٣ - ٩٧٨
جميع الحقوق محفوظة
الطَّبْعَة الأولى
١٤٣٨ هـ - ٢٠١٧ م
دار الصميعي للنشر والتوزيع، المركز الرئيسي السويدي، شارع السويدي العام- الرياض
ص. ب: ٤٩٦٧/ الرمز البريدي: ١١٤١٢، هاتف: ٤٢٦٢٩٤٥، ٤٢٥١٤٥٩، فاكس: ٤٢٤٥٣٤١
فرع القصيم: عنيزة، بجوار مؤسسة الشيخ ابن عثيمين الخيرية
هاتف: ٣٦٢٤٤٢٨، فاكس: ٣٦٢١٧٢٨ مدير التسويق: ٠٥٥٥١٦٩٠٥١
موزع المنطقة الجنوبية والغربية: ٠٥٣٠٢٦٩٠٧٠
المملكة العربية السعودية
البريد الإلكتروني: [email protected]
دار الصميعي للنشر والتوزيع
1 / 3
إهداء
أُهْدِي ثمرة جهدي هذا إلى والدَيَّ حَفِظَهما الله ووَعاهُما
1 / 4
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
[مُقَدِّمة المُحَقِّق]
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فهذا تحقيقٌ لكتاب "الإعلان بالتوبيخ لمن ذم أهل التوريخ" لمصنِّفه الحافظ السَّخَاويِّ، وتحتوي مقدمة التحقيق على مبحثين:
* المبحث الأول: ترجمة مختصرة للمصنِّف.
١ - اسمه ولقبه وكنيته وولادته.
٢ - أصله ونسبته.
٣ - مذهبه الفقهي والعقدي.
٤ - نشأته وطلبه للعلم.
٥ - رحلاته ومجاوراته.
٦ - أعماله: التدريس، الإفتاء، الإملاء، القضاء، التصنيف.
٧ - شيوخه.
٨ - تلامذته.
٩ - خلافه مع السيوطي.
١٠ - ثناء أهل العلم عليه.
١١ - وفاته.
1 / 5
* المبحث الثاني: دراسة مختصرة عن الكتاب المُحَقَّق.
١ - توثيق نسبة الكتاب إلى مصنِّفه.
٢ - تحقيق اسم الكتاب.
٣ - سبب تأليف الكتاب.
٤ - تاريخ تأليف الكتاب.
٥ - منهجه العام في الكتاب.
٦ - مصادره في كتابه.
٧ - مزايا الكتاب.
٨ - الملاحظات على الكتاب.
٩ - ثناء أهل العلم على الكتاب.
١٠ - النسخ المطبوعة والمآخذ عليها.
١١ - المخطوطات المعتمدة في التحقيق.
١٢ - المنهج في تحقيق الكتاب.
١٣ - الخاتمة.
* * *
1 / 6
المبحث الأول [ترجمة مختصرة للمصنِّف (¬١)]
* (١) اسمه ولقبه وكنيته وولادته:
هو: محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أبي بكر بن عثمان بن محمد. ويلقَّب بـ "شمس الدين"، ولقَّبه بعضهم بـ "ابن البارد" وهو لقب لجده (^٢) بين أناس مخصوصين، ولذا لم يشتهر به أبوه بين الجمهور، وكان السخاوي يكره ذلك، ولا يذكره به إلا من قصد التنقص منه. يكنى بـ "أبي الخير" وبـ "أبي عبد الله" (^٣).
ولد في ربيع الأول (٨٣١ هـ) (^٤) بـ "حارة بهاء الدين" (^٥) في القاهرة.
_________
(^١) انظر مصادر ترجمته: السخاوي -نفسه- الضوء اللامع، ٨/ ٢ - ٣٢؛ السيوطي، نظم العقيان، ص ١٥٢ - ١٥٣؛ الغزي، الكواكب السائرة، ١/ ٥٣ - ٥٤؛ ابن العماد، شذرات، ١٠/ ٢٣ - ٢٥؛ الزبيدي، تاج العروس، ١٩/ ٥١٢ (مادة: سخى) الشوكاني، البدر الطالع، ٢/ ١٨٤ - ١٨٧. كذلك تناولت دراسات موسّعة حياة السخاوي الشخصية وجهوده العلمية. انظر: عبد الله ناصر الشقاري، السخاوي مؤرخًا، وهي رسالة دكتوراه مطبوعة على الآلة الكاتبة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية -الرياض؛ بدر العماش، الحافظ السخاوي وجهوده في الحديث وعلومه؛ عبد الكريم الخضير وزميله في مقدمة تحقيق: السخاوي، فتح المغيث بشرح ألفية الحديث، ١/ ٦٩ - ١٢٣؛ مشهور حسن وزميله، مؤلفات السخاوي.
(^٢) انظر: السخاوي، الضوء، ٧/ ١٧٦، ٨/ ٢.
(^٣) انظر: الضوء، ٨/ ٢.
(^٤) انظر: الضوء، ٨/ ٢؛ السيوطي، نظم العقيان، ص ١٥٢؛ الغزي، الكواكب السائرة، ١/ ٥٣.
(^٥) هي: إحدى حارات القاهرة، وهي نسبة إلى الأمير بهاء الدين قراقوش (ت ٥٩٧ هـ) وتعرف أيضًا بـ "حارة الريحانية" و"الوزيرية" وهما من طوائف العسكر. انظر: المقريزي، الخطط، ٣/ ٣؛ ابن تغري بردي، النجوم الزاهرة، ٤/ ٤.
1 / 7
* (٢) أصله ونسبته:
أما أصله فمن بغداد، حيث أشار إلى ذلك أثناء ترجمة جده لأبيه: محمد بن أبي بكر (ت بعد ٧١٨ هـ) فقال (^١): "البغدادي الأصل".
وأما نسبته فهو منسوب إلى "سَخًى" وهي كما قال الحموي (^٢): "كورة بمصر، وقصبتها بأسفل مصر".
وأضاف الزبيدي (^٣) أنها: "من أعمال الغربية، تتبعها قرًى وكفور".
والنسبة إليها على القياس "سَخَويٌّ" ولكن السماع أطبق على "سخاوي" (^٤).
ومن المرجَّح أن الحافظ السخاوي لم يَرَ "سَخًى" ولم يدخلها (^٥).
هذا وقد اشْتَهَر جماعة من العلماء بهذه النسبة (^٦).
* (٣) مذهبه الفقهي والعقدي:
كان السخاوي من الناحية الفقهية على المذهب الشافعي، كما صرّح بنفسه (^٧) وذكر ذلك كل من ترجمه (^٨).
_________
(^١) انظر: الضوء، ٧/ ١٧٥.
(^٢) انظر: معجم البلدان، ٣/ ١٩٦.
(^٣) انظر: تاج العروس، ١٩/ ٥١١ (مادة: سخى). وهي الآن قرية من قرى كفر الشيخ بالغربية. انظر: بدر العماش، الحافظ السخاوي وجهوده، ١/ ٣٢.
(^٤) انظر: تاج العروس، ١٩/ ٥١١ (مادة: سخى).
(^٥) انظر: بدر العماش، الحافظ السخاوي، ١/ ٣٢.
(^٦) انظر: على سبيل المثال: الضوء، ١/ ٢١٣، ٢٩٤، ٣٦٣، ٢/ ٩١، ١٢٠، ٢٥٤، ٣/ ١٣٣.
(^٧) انظر: الضوء، ٨/ ٢.
(^٨) انظر: الغزي، الكواكب السائرة، ١/ ٥٣؛ ابن العماد، الشذرات، ١٠/ ٢٣؛ الشوكاني، البدر الطالع، ٢/ ١٨٤.
1 / 8
أما من الناحية الاعتقادية فهو على المذهب الأشعري، وهو المنتشر خصوصًا في مصر ذلك الوقت، والدليل هو تأويله صفة الرحمة لله تعالى بقوله (^١): " … ومن الرحيم: إرادة الخير بعبيده".
كذلك دخله شيءٌ من التصوف، ولا أدل على ذلك من قوله (^٢): "نعم، دخلت في إجازة خَلْق من المعتبرين هي إلى الخصوص أقرب، وهي الاستجازة لأبناء صوفية الخانقاه (^٣) البيبرسية (^٤) وكنت إذ ذاك منهم".
ويذهب عبد الكريم الخضير وزميله (^٥) إلى أنه من المحتمل أنه رجع عن مذهب التصوف بدلالة أمرين:
الأول: بقوله الآنف الذكر: "وكنت إذ ذاك منهم".
الثاني: ردُّه على الصوفي المنحرف ابن عربي في كتابه الذي سمَّاه "القول المُنْبِي في ترجمة ابن عربي" (^٦).
ومهما يكن من أمر كان فيه بعض التصوف، لكنه لم يكن تصوفًا غاليًا مثل أرباب الطرق المنحرفة ونحوها، فالسخاوي لا يرى السماع والرقص ولا المنكرات التي
_________
(^١) انظر: السخاوي، فتح المغيث، ١/ ١٣، مع تعليق المحقق على هذه المسألة؛ بدر العماش، الحافظ السخاوي، ١/ ١٤١ - ١٤٣.
(^٢) انظر: فتح المغيث، ٢/ ٤٢١.
(^٣) الخانقاه: مكان مُعَدٌّ لأتباع الطرق الصوفية. انظر: مصطفى الخطيب، معجم المصطلحات والألقاب التاريخية، ص ١٥٨.
(^٤) هي: خانقاه بالقاهرة بناها الظاهر بيبرس قبل تولي السلطنة. انظر: المقريزي، الخطط، ٤/ ٢٨٥.
(^٥) انظر: مقدمة تحقيق: فتح المغيث، ١/ ٧٤.
(^٦) انظر: نسخه ومخطوطاته وتفصيل محتواه: مشهور حسن، مؤلفات السخاوي، ص ١٣٧ - ١٣٨؛ بدر العماش، الحافظ السخاوي، ١/ ٣٠٦ - ٣٠٨.
1 / 9
تقع من الصوفية وغيرها من بدعهم المحدثة (^١).
* (٤) نشأته وطلبه العلم:
نشأ الحافظ في أسرة يغلب عليها الصلاح والعلم، ولا أدل على ذلك من اهتمام جده لأبيه محمد بن أبي بكر بمجالس العلم، حيث أخذ التردد عليها، وأكثر من سماع "السيرة النبوية" وغيرها من كتب الحديث، حتى صار يستحضر من المتون والمغازي وسورًا من القرآن، مع التحري في العبادة، والمداومة على التهجد والأوراد والأذكار (^٢).
وكذلك والده عبد الرحمن بن محمد (ت ٨٧٤ هـ) حيث حفظ القرآن ودرس الفقه وسمع بعض كتب الحديث مثل "صحيح مسلم" (^٣).
وأيضًا عمه المَكْنِيُّ بـ أبي بكر بن محمد (ت ٨٢٢ هـ) حيث حفظ القرآن و"العمدة" و"ألفية النحو" واعتنى بـ "جامع المختصرات" وأتقن الفرائض والحساب (^٤).
وفي هذا الجو الأسري العلمي والإيماني أدخله والده، وهو لم يتجاوز الرابعة من عمره، عند مؤدِّب الأطفال الشرف عيسى بن أحمد القاهري (ت ٨٦٥ هـ) (^٥) فأقام عنده يسيرًا، ثم نقله والده إلى الصالح البدر حسين بن أحمد الأزهري
_________
(^١) انظر بدر العماش، الحافظ السخاوي، ١/ ١٤٦.
(^٢) انظر: الضوء، ٧/ ١٧٦.
(^٣) المصدر نفسه، ٤/ ١٢٤ - ١٢٥.
(^٤) المصدر نفسه، ١١/ ٧٣. ولمزيد من التفاصيل عن أسرته واهتمامها بالعلم انظر: بدر العماش، الحافظ السخاوي، ١/ ٣٤ - ٣٨؛ عبد الكريم الخضير، مقدمة تحقيق: فتح المغيث، ١/ ٧٥ - ٧٦.
(^٥) انظر: الضوء، ٦/ ١٥٠.
1 / 10
(ت ٨٧٨ هـ) (^١) فقرأ عليه القرآن وختمه، وغيرهم (^٢).
وهكذا ظل الحافظ ينتقل من شيخ إلى آخر، حتى التقى بشيخه الحافظ ابن حجر العسقلاني (ت ٨٥٢ هـ) وكان قريب المسكن من الحافظ السخاوي (^٣) فيذكر السخاوي (^٤) أنه أقبل عليه بكليته، فلازمه وقرأ عليه في المصطلح وعلم الرجال، بل حتى السيوطي يذكر (^٥) أن السخاوي كتب بخطه كثيرًا من مصنفات ابن حجر.
لذا فالسخاوي يُعَدُّ بحقٍّ وارثَ علم شيخه ابن حجر، ولعله لم يبالغ حيث يقول (^٦): "وقد قرأت عليه الكثير جدًّا من تصانيفه ومروياته، بحيث لا أعلم من شاركني في مجموعها".
* (٥) رحلاته ومجاوراته:
يُعد السخاوي من أوسع العلماء رحلةً وتجوالًا، حيث شملت رحلاته الديار المصرية، والشامية، والحجازية.
ولذلك وصفه الكافِيَجِيُّ (ت ٨٧٩ هـ) بـ "الرُّحْلة" (^٧).
وقال السيوطي (^٨): "وسمع الكثير جدًّا على المُسْندِين بمصر والشام والحجاز".
_________
(^١) المصدر نفسه، ٣/ ١٣٥.
(^٢) المصدر نفسه، ٨/ ٢ - ٣.
(^٣) المصدر نفسه، ٨/ ٢.
(^٤) المصدر نفسه، ٨/ ٥ - ٦.
(^٥) انظر: السيوطي، نظم العقيان، ص ١٥٢.
(^٦) انظر: الضوء، ٢/ ٤٠.
(^٧) المصدر نفسه، ٨/ ٢٦.
(^٨) انظر: نظم العقيان، ص ١٥٢.
1 / 11
وقال ابن العماد (^١) (ت ١٠٨٩ هـ): "ورحل إلى الآفاق، وجاب البلاد … ".
وأول رحلة علمية قام بها هي بعد وفاة شيخه ابن حجر سنة (٨٥٣ هـ) حيث توجه إلى دمياط، فسمع بها من بعض المُسْندِين، وكتب عن نفر من المتأدبين (^٢). وكانت هذه الرحلة قصيرة، حيث عاد إلى القاهرة (^٣).
ثم استأنف رحلته الثانية، حيث عزم على قضاء فريضة الحج، وبصحبته والدته، فمر بالطور وينبع وجدة، وأخذ عن غير واحد من العلماء، ثم وصل مكة في أوائل شعبان (٨٥٦ هـ) فأقام بها إلى أن حَجَّ، وقرأ بها من الكتب الكبار والأجزاء القصار، وقد أخذ عن أكثر من (٣٠) شيخًا في هذه الرحلة، وفي رجوعه مَرَّ بالمدينة المنورة، فقرأ على جمع من علمائها، ثم رجع إلى القاهرة (^٤).
وقد أعانه في هذه الرحلة صاحبه النجم ابن فهد (ت ٨٨٥ هـ) (^٥) حيث ساعده في الدلالة على الشيوخ، فضلًا عما قدَّمه مِن كتبه وكتب والده للسخاوي (^٦).
ونظرًا لأهمية هذه الرحلة فقد ضمنها كتابه "الرحلة المكية" (^٧).
كذلك رحل إلى الإسكندرية، حيث أخذ عن جمع من المُسْندِين والشعراء،
_________
(^١) انظر: الشذرات، ١٠/ ٢٣.
(^٢) انظر: الضوء، ٨/ ٧.
(^٣) انظر: بدر العماش، الحافظ السخاوي، ١/ ٩١.
(^٤) انظر: الضوء، ٨/ ٧ - ٨.
(^٥) المصدر نفسه، ٦/ ١٢٦ - ١٣١.
(^٦) المصدر نفسه، ٨/ ٨.
(^٧) المصدر نفسه، ٨/ ١٦؛ البغدادي، هدية العارفين، ٦/ ٢٢٠؛ مشهور حسن، مؤلفات السخاوي، ص ٩٩؛ بدر العماش، الحافظ السخاوي، ١/ ١٧٥.
1 / 12
ففي هذه الرحلة حصل على أشياء جليلة من الكتب والأجزاء والفوائد، عن نحو (٥٠) نفسًا (^١).
ولأهمية هذه الرحلة صنّف كتابه "الرحلة السكندرية" (^٢).
ثم رحل بعد ذلك إلى البلاد الشامية؛ دمشق وحلب وبيت المقدس وغيرها، حيث التقى بأكثر من (١٠٠) من أهل العلم (^٣) من أشهرهم الحافظ برهان الدين الحلبي المعروف بـ "سبط ابن العجمي" (ت ٨٨٤ هـ) (^٤) ثم عاد من رحلته فوصل القاهرة في شعبان (٨٥٩ هـ).
أيضًا قيدها بـ "الرحلة الحلبية" (^٥).
هذا وقد أفاد بدر العماش (^٦) أن للسخاوي: "تراجم شيوخه الذين أخذ عنهم في الرحلة إلى البلاد المصرية والشامية" (^٧).
وقال العماش: "ولم أقف على من ذكره (^٨) وقد وقفت عليه مخطوطًا موضوعه
_________
(^١) انظر: الضوء، ٨/ ٨.
(^٢) المصدر نفسه، ٨/ ١٦؛ البغدادي، هدية العارفين، ٦/ ٢٢٠؛ مشهور حسن، مؤلفات السخاوي، ص ٩٩؛ بدر العماش، الحافظ السخاوي، ١/ ١٧٤.
(^٣) انظر: الضوء، ٨/ ٨ - ٩.
(^٤) المصدر نفسه، ١/ ١٩٨ - ٢٠٠.
(^٥) المصدر نفسه، ٨/ ١٦؛ البغدادي، هدية العارفين، ٦/ ٢٢٠؛ مشهور حسن، مؤلفات السخاوي، ص ٩٨ - ٩٩؛ بدر العماش، الحافظ السخاوي، ١/ ١٧٤.
(^٦) انظر: الحافظ السخاوي، ١/ ١٧٣.
(^٧) توجد قطعة صغيرة في المكتبة الأزهرية (رقم: ٤٨) وهي بخط السخاوي. انظر: بدر العماش، الحافظ السخاوي، ١/ ١٧٣.
(^٨) لعل من المرجح أن تكون هي نفسها كتب الرحلات المذكورة: الإسكندرية والحلبية.
1 / 13
تراجم الشيوخ الذين اجتمع بهم في رحلته إلى البلاد المصرية والشامية، وقد سمع منهم وأجازوا له".
أما عن مجاوراته فكانت إلى الحرمين الشريفين:
أما المجاورة الأولى في (٨٥٦ هـ) (^١).
والثانية في (٨٧٠ هـ) حيث حج وجاور هو وأهله وأولاده، وحدَّث هناك بأشياء من تصانيفه وغيرها (^٢).
والثالثة حينما حج في (٨٨٥ هـ) حيث جاور في سنة (٨٨٦ هـ) إلى (٨٨٧ هـ) وأقام منها ٣ أشهر بالمدينة (^٣) ثم عاد إلى القاهرة.
والرابعة في (٨٩٢ هـ) وجاور في مكة حتى (٨٩٤ هـ) (^٤) ثم عاد إلى القاهرة.
والخامسة في (٨٩٦ هـ) حيث جاور في مكة إلى (٨٩٨ هـ) ثم ذهب إلى المدينة فأقام بها أشهرًا، حيث صام فيها رمضان، ثم عاد في شوالها إلى مكة (^٥) ثم رجع إلى المدينة مرة أخرى، وجاور بها إلى أن توفي ﵀ (^٦).
هذا وقد استفاد الناس منه أثناء مجاوراته الشيء الكثير، حيث يقول (^٧):
_________
(^١) سبق الكلام عليها.
(^٢) انظر: ابن العماد، الشذرات، ١٠/ ٢٤؛ الشوكاني، البدر الطالع، ٢/ ١٨٤.
(^٣) انظر: الضوء، ٨/ ١٤.
(^٤) المصدر نفسه.
(^٥) المصدر نفسه؛ ابن العماد، الشذرات، ١٠/ ٢٤.
(^٦) انظر: ابن العماد؛ الشذرات، ١٠/ ٢٤.
(^٧) انظر: الضوء، ٨/ ١٤؛ ابن العماد، الشذرات، ١٠/ ٢٤. ولمزيد من التفاصيل عن الكتب التي شرحها في مجاوراته انظر: بدر العماش، الحافظ السخاوي، ١/ ١١٠ - ١١٢.
1 / 14
"وحمل الناس من أهلهما والقادمين عليهما عنه الكثير جدًّا رواية ودراية، وحصلوا من تصانيفه جملة .... ".
* (٦) أعماله:
إن مقدرة السخاوي العلمية، وتفوق موهبته، وقوة عزيمته، مكنته من تولي عدة أعمال مثل: التدريس، والإفتاء، والإملاء، والتصنيف، ولقد كان أهلًا لها، وقد وصفه ابن العماد بقوله (^١): "لازم الاشتغال … والتأليف، لم يفتر أبدًا".
* أما التدريس:
فقد أذن له شيوخه بالإقراء والإفادة، ومنهم شيخه ابن حجر (^٢).
هذا وقد درَّس السخاوي في منزله وفي المدارس والمساجد.
ففي منزله يقول (^٣): " … كل ذلك مع ملازمة الناس له في منزله للقراءة دراية ورواية … ".
أيضًا في المدارس، فمثلًا تولى التدريس في المدرسة الفاضلية (^٤) على ما يُرجَّح ما قبل (٨٧٠ هـ) بتقرير من شيخه شرف الدين المناوي (ت ٨٧١ هـ) (^٥) وتولى أيضًا
_________
(^١) انظر: الشذرات، ١٠/ ٢٣.
(^٢) انظر: الضوء، ٨/ ٦.
(^٣) المصدر نفسه، ٨/ ١٥.
(^٤) هي: إحدى مدارس القاهرة نسبة لبانيها القاضي الفاضل عبد الرحمن بن علي بن الحسن اللخمي البيساني العسقلاني ثم المصري (ت ٥٩٦ هـ) بجوار داره في (٥٨٠ هـ) وأوقفها على الشافعية والمالكية. انظر: المقريزي، الخطط، ٤/ ٢٠٤؛ النعيمي، الدارس في تاريخ المدارس، ١/ ٨٩ - ٩٠.
(^٥) انظر: الضوء، ٨/ ٣١، ١٠/ ٢٥٤؛ بدر العماش، الحافظ السخاوي، ١/ ١٠٥.
1 / 15
التدريس في المدرسة الكاملية (^١) (٨٧٤ هـ) (^٢) وغيرهما من المدارس المصرية (^٣).
* أما الإفتاء:
كان السخاوي مؤهَّلًا للفتوى، ولا أدل على ذلك من أمرين:
الأول: توجُّه كبار العلماء بالسؤال إليه فيما يعرض لهم من مسائل الحديث ومتعلقاته، وذلك مرة بالكتابة، ومرة باللفظ، ومرة بإرسال الرسائل (^٤).
الثاني: رسائله ومصنفاته التي تدل بمحتواها أنه ألفها بسبب سؤال أو طلب فتوى، فمثلًا له كتاب بعنوان: "الأجوبة المرضية فيما سئل (السخاوي) عنه من الأحاديث النبوية" (^٥) و"أجوبة أسئلة ابن الحاكمي".
حيث يقول السخاوي (^٦): "وسألني أسئلة أفردت أجوبتها في جزء".
و"الأجوبة العلية عن الأسئلة الدمياطية" (^٧) وغيرها من الرسائل والفتاوى (^٨).
_________
(^١) هي: إحدى أشهر مدارس الحديث في القاهرة نسبة لبانيها السلطان الكامل ناصر الدين محمد ابن الملك العادل (ت ٦٣٥ هـ) وقد بناها (٦٢٢ هـ). انظر: المقريزي، الخطط، ٤/ ٢١٩.
(^٢) انظر: الضوء ٨/ ٣١.
(^٣) انظر: تفاصيل تدريسه بالمدارس: الضوء، ٨/ ٣١؛ بدر العماش، الحافظ السخاوي ١/ ١٠٤ - ١٠٩؛ عبد الكريم الخضير، مقدمة تحقيق: فتح المغيث، ١/ ٩٤ - ٩٦.
(^٤) انظر: الضوء، ٨/ ١٣.
(^٥) طبع بتحقيق: محمد إسحاق، نشر: دار الراية، الرياض، ط ١، ١٤١٨ هـ.
(^٦) انظر: الضوء، ٩/ ١٣٥. وابن الحاكمي هو: محمد بن محمد المحلي القاهري، فقيه شافعي (ت ٨٨٢ هـ). انظر: المصدر نفسه.
(^٧) أورده ضمن مؤلفاته. انظر: الضوء، ٨/ ١٩. وتوجد نسخة في جامعة (ييل) في أمريكا (رقم: ٢٣٤)، انظر: مشهور حسن، مؤلفات السخاوي، ص ٣٠؛ بدر العماش، الحافظ السخاوي، ١/ ٣١٤ - ٣١٥.
(^٨) لمزيد من التفاصيل انظر: مشهور حسن، مؤلفات السخاوي، ص ٢٩، ٣٠، ٣١، ٣٣، ٤٠، ١٢١؛ بدر العماش، الحافظ السخاوي، ١/ ٣١٢ - ٣١٨.
1 / 16
ومن الملاحظ أن السخاوي في أواخر حياته امتنع عن الإفتاء؛ لأنه يرى كما يقول (^١): "إنه التزم ترك الإفتاء مع الإلحاح عليه فيه حين تزاحم الصغار على ذلك، واستوى الماء والخشبة … وقد سبقه للاعتذار بنحو ذلك شيخ شيوخه الزين العراقي، وكفى به قدوة … ".
* أما الإملاء (^٢):
فكانت له جهود في هذا المجال، حيث شرع في إملاء تكملة تخريج شيخه للأذكار، ثم أملى تخريج "الأربعين النووية" وغيرها.
وقد بلغت مجالس إملائه ما يقارب (٦٠٠) فأكثر، وقد حضرها لفيف من العلماء وأهل الفضل كـ"النجم ابن فهد" (ت ٨٨٥ هـ) وغيره (^٣).
ثم قطع مجالس الإملاء لمَّا عاد للقاهرة من مجاورته المكية (٨٩٥ هـ) والسبب يعود إلى ما ذكره هو بقوله (^٤): " … وامتنع من الإملاء لمزاحمة من لا يحسن فيها، وعدم التمييز من جل الناس أو كلهم بين العلمين … ".
* أما القضاء:
فقد عُرض عليه لكنه اعتذر (^٥).
_________
(^١) انظر: الضوء، ٨/ ١٤ - ١٥.
(^٢) أو ما يُعرف بـ "الأمالي" وهي: أن يعقد العالم مجلسًا وحوله تلامذته بالمحابر والقراطيس،
فيتكلم العالم بما فتح الله ﷾ عليه من العلم ويكتبه التلاميذ فيصير كتابًا. انظر:
حاجي، كشف الظنون، ١/ ١٦١.
(^٣) انظر: الضوء، ٨/ ١٤.
(^٤) المصدر نفسه. ولمزيد من التفاصيل عن موضوع الإملاء انظر: بدر العماش، الحافظ السخاوي،
١/ ١١٣ - ١٢٠.
(^٥) انظر: الضوء، ٨/ ٣٢.
1 / 17
ولعل السبب يعود لأمرين:
الأول: ما ورد في الأحاديث النبوية في الترهيب فيمن تولى القضاء، كقوله ﷺ: "مَنْ وَلِيَ القَضَاءَ" أَوْ "مَنْ جُعِلَ قَاضِيًا بَيْنَ النَّاسِ، فَقَدْ ذُبِحَ بِغَيْرِ سِكِّينٍ" (^١).
والثاني: هو ما رآه السخاوي عمليًّا من معاناة شيخه الحافظ ابن حجر، حيث يقول السخاوي (^٢): "وكان مصممًا على عدم دخوله في القضاء … وصرَّح بأنه جنى على نفسه بتقليد أمرهم … وزهد في القضاء زهدًا تامًّا لكثرة ما توالى عليه من الأنكاد والمحن … ".
* أما مصنفاته:
يعتبر السخاوي جديرًا بالتصنيف، خليقًا بالتأليف، وهو يُعدُّ من أبرز المكثرين من التصنيف في فنون الحديث والتراجم والتاريخ، وقد أذن له شيخه الحافظ ابن حجر بذلك (^٣) كشهادة من عالم متبحر خبير بفنون التصنيف.
شرع السخاوي في التصنيف في بداية حياته، وعمره إذ ذاك (حوالي ١٨ سنة) فقد ذكر أنه (^٤) "شرع في التصنيف والتخريج قبل الخمسين" أي قبل سنة ٨٥٠ هـ.
وكانت مؤلفاته محط أنظار وثناء العلماء.
_________
(^١) صحيح. أخرجه الترمذي في "سننه" (١٣٢٥) عن أبي هريرة مرفوعًا. قال الترمذي "حسن غريب". وقال السخاوي: "وهو صحيح أو حسن". انظر: المقاصد الحسنة، رقم: ١١٠٧.
(^٢) انظر: الضوء، ٢/ ٣٨.
(^٣) المصدر نفسه، ٨/ ٦.
(^٤) المصدر نفسه، ٨/ ١٥.
1 / 18
يقول البدر العيني (^١) (ت ٨٥٥ هـ) عن بعض مصنفاته: "إنه حوى فوائد كثيرة وزوائد غزيرة … ".
وقال ابن فهد (^٢): "ولا أعلم الآن من يعرف علوم الحديث مثله ولا أكثر تصنيفًا ولا أحسن".
وقال ابن العماد (^٣): "وألف كتبًا إليها النهاية … ".
وقال الزبيدي (^٤): "وألَّف وأجاد، وهو أحد من انتفعت بمؤلفاته".
هذا وقد قرض له بعضَ مصنفاته جمعٌ من أهل العلم كشيخه سعد الدين ابن الدِّيري (^٥) (ت ٨٦٧ هـ) وغيره.
كانت مصنفاته متنوعة فهناك: التصنيف المستقل كـ "الضوء اللامع" وغيره، أو تكملة أو تذييل لبعض المصنفات كـ "تكملة لتلخيص ابن حجر لكتاب المتفق والمفترق للخطيب" (^٦) أو شرح لبعض المؤلفات كـ"فتح المغيث بشرح ألفية الحديث" أو اختصار لبعضها كـ"تلخيص علل الدارقطني" (^٧) أو تجريد وجمع لبعض المتفرقات كـ"تجريد حواشي ابن حجر على الطبقات الوسطى للسبكي" (^٨)
_________
(^١) المصدر نفسه، ٨/ ٢٥.
(^٢) انظر الشوكاني، البدر الطالع، ٢/ ١٨٦.
(^٣) انظر: الشذرات، ١٠/ ٢٤.
(^٤) انظر: تاج العروس، ١٩/ ٥١٢ (مادة: سخى).
(^٥) انظر: الضوء، ٨/ ٢٥.
(^٦) المصدر نفسه، ٨/ ١٦؛ مشهور حسن، مؤلفات السخاوي، ص ٧٤.
(^٧) انظر: الضوء، ٨/ ١٦.
(^٨) المصدر نفسه، ٨/ ١٧، ٩/ ١١٩؛ مشهور حسن، مؤلفات السخاوي، ص ٦٢.
1 / 19
أو ترتيبها كـ"ترتيب شيوخ الطبراني" (^١) أو استدراكات وتنبيهات وردود كـ"أحسن المساعي في إيضاح حوادث البقاعي" (^٢) وغيرها.
وهذا التنوع يدل على مهارة السخاوي الفائقة في التعامل مع أنماط مختلفة من التأليف.
على أنه من الملاحظ أن بعض المؤلفات لم يكمل كـ"شرح الشمائل للترمذي" حيث كتب منه مجلدًا (^٣) أو سوَّد بعضها ولم يبيضها كـ"شرح ألفية السيرة للعراقي" (^٤) حيث قال (^٥): "في المسوَّدة ثم عدم".
هذا وقد تنوعت الموضوعات التي صنَّف فيها، فتجد له في الحديث وعلومه، وهو الأكثر بوصفه مُحدِّثًا؛ من تخريج وغيره، أو في السيرة والفضائل والمناقب ومتعلقاتها، أو في التاريخ والتراجم، أو في كتب الإجازات أو المشيخات وغيرها.
على أن هناك مصنفات نسبتها للسخاوي غير صحيحة أو فيها نظر (^٦).
ومهما يكن من أمر فهذا التنوع في التصنيف وكثرته وغزارته وعمقه يدل على أننا أمام قامة علمية رائدة.
_________
(^١) انظر: الضوء، ٨/ ١٧؛ مشهور حسن، مؤلفات السخاوي، ص ٧١.
(^٢) انظر: الضوء، ٨/ ١٧؛ مشهور حسن، مؤلفات السخاوي، ص ٣٣.
(^٣) انظر: الضوء، ٨/ ١٦.
(^٤) انظر: مشهور حسن، مؤلفات السخاوي، ص ١٠٤.
(^٥) انظر: الضوء، ٨/ ١٦.
(^٦) انظر: مشهور حسن، مؤلفات السخاوي، ص ٢٤٦؛ بدر العماش، الحافظ السخاوي، ١/ ٣٧٢ - ٣٨٢.
1 / 20