Ibrahim Thani
إبراهيم الثاني
Genres
قال: «تركت لك البيعة».
وفى هذه اللحظة، وقبل أن يتم ما كان ينوى أن يقول، وقعت الحادثة! ولا يدرى أحد كيف وقعت، أو كيف تعذر اتقاؤها. وكان صادق فى هذه اللحظة يقطع شارع فؤاد وهو مقبل من شارع سليمان باشا، ويحاول أن ينثنى متجها إلى اليسار فرأى على ما يقول، موتوسيكلا مقبلا بسرعة من اليمين فخشى أن يصطدما فمال ميلا شديدا إلى اليسار ليفسح له، فاصطدم بالترام الواقف فى محطته، ولم يصب أحد بسوء يستحق الذكر، ولكن السيارة تحطم مصباحها الأيسر، وانطبق جناحها على العجلة، فوجب رفعه عنها ليتسنى لها أن تدور، أما الترام فلم ينله أذى.
وأقبل الخلق من كل صوب وتزاحم الرجال والغلمان وعلت الأصوات واختلطت الصيحات وعظمت الضجة، وأقبل شرطى يسأل عن الخبر، وينحى أهل الفضول عن طريقه. وكان صادق قد نزل، وألقى على السيارة نظرة، والترام أخرى ، فلما جاء الشرطى تقدم إليه وقال: «اسمع، لا أستطيع أن أجيئك بالمسئول الحقيقى، ولكنك ترى أن سيارتى هى التى تحطمت، وأن الترام ليس به شىء، ومن حسن الحظ أننا نجونا ولم يحق بنا مكروه، فهل لك أن تتفضل وتصرف هؤلاء الناس وتدعنى أمضى فى سبيلى؟»
قال الشرطى: «لا بد من المعاينة وكتابة المحضر».
قال: «معاينة لماذا؟ ومحضر لأى شىء؟ سيارتى هى التى تلفت، وبفعلى أنا، والترام بخير، وأنا أعلن هذا على مسمع من ألف واحد يستطيعون أن يكونوا شهودا لك وللترام، وعلى، فاصنع معروفا ودعنى، فما بأحد أية حاجة إلى معاينة أو محضر».
وبدا على الشرطى التردد، وانقسم الجمهور فريقين، واحدا يريد التطويل لتطول متعته، وآخر يحمد من صادق أنه لا يكابر، ويعجبه منه إقراره بالحق وأنه يشهد على نفسه. ونظر الشرطى إلى سائق الترام فقال هذا: «إذا كان الأفندى يريد أن يصرف الحكاية، فلا مانع عندى ولكن خذ رقمه واسمه ودون اعترافه، حتى لا يعود فيدعى علينا زورا أننا كسرنا سيارته».
فقال صادق: «هذا عدل». وأخرج بطاقة كتب عليها إقراره، ودون الساعة والدقيقة ورقم السيارة، ومد يده بها إلى الشرطى، فقدمها هذا إلى السائق.
ولم يستغرق هذا كله سوى دقائق عشر، وكانت هذه أعجوبة، ثم عادت السيارة فانطلقت فى طريقها، وإبراهيم معجب بحزم صادق، وما أظهر من رجولة وقدرة على الحسم السريع، وحمد له تعجيله بإخراجهم من هذه «الزفة»، وحدث نفسه أنه لم يخطئ حين قال لميمى إن صادقا ذو مواهب قد تكون معطلة ولكنها موجودة، وإن كانت كامنة، ولو أتيح لها مجال أو فرصة لظهرت.
وخطر له وهو مضطجع أنه لا يستغرب أن يحدث هذا فى اليوم الثالث عشر، وحمد الله على اللطف فى قضائه.
ولاحظ إبراهيم أن صادقا مالك لأعصابه على الرغم من رجة الحادث، وأن عقله حاضر غير غائب، ولم يفته أنه ذهب بفتحية إلى بيتها، قبل غيرها، فنزلت أول من نزل، ثم عاد فعرج على بيت ميمى، وهنا ألح إبراهيم فى الاستئذان إشفاقا على صادق ، وإيثارا لراحته - هكذا زعم - ولكن صادقا ظل على إصراره، ووقف الرجلان أمام البيت يتجادلان، فقالت لهما ميمى: «الأولى أن تدخلا إذن».
Unknown page