Ibrahim Thani
إبراهيم الثاني
Genres
ولما بلغوا المعادى، وقف الرجل على الرصيف يعتذر ويطلب الصفح. ثم انتقل إلى الرصيف الآخر ليعود من حيث جاء.
ولم ينقض عجب إبراهيم من جرأة هذا الرجل على مطاردة ميمى، ولا عجب ميمى من هدوء إبراهيم، وأخذه بتلابيب الرجل على هذا النحو.
وكانت وقدة الحر شديدة فمالا إلى روضة مقهى على النيل، وانحدرا إلى شاطئه واتخذا مكانهما فى ظل شجرة وارفة. ونضا إبراهيم سترته، وحل رباط رقبته، وألقاهما على كرسى، واضطجع وهو يقول: «أكثر ما نلبس، للزينة. ولا تكاد تحتمل الزينة، مهما خفت، فى هذا الحر. وأحسب أن لو كان هذا أول لقاء لنا، لكان الأرجح أن أتشدد وأتكلف الصبر على ما أعانى من الضيق والاختناق، رغبة فى حسن رأيك. ولكنك قدمت يا فتاتى، وعرفتنى معرفتى، فلا حاجة بى معك إلى معونة الثياب الأنيقة والهندام الجميل».
فضحكت وقالت: «ليتنى أستطيع أن أصنع كما تصنع، ولكن ما على بدنى هو أقل ما ينبغى للستر فلا حيلة لى إلا الصبر».
قال: «مهلا. مهلا. لو علمت امرأة أن التجرد أفتن، لما عبأت شيئا بالستر والحشمة، والحياء والخفر. لا يا فتاتى، لا تغالطى نفسك فى الحقائق. فليس مطلب المرأة الستر، بل الفتنة والإغراء. ولا تحسبى أن للتقاليد والعادات والآداب أثرا فى هذا. فإنها نتيجة لا سبب. وأنت تتخذين الثياب، وتبدين بها شيئا وتخفين أشياء، لا لأن الآداب والعادات والتقاليد تقضى بذلك، بل لأن المرأة أدركت بفطرتها الذكية أن الثياب زينة، فوق أنها نافعة، وأنها تضاعف جمالها، وتزيد سحرها، وتقوى عوامل الأغراء، ولو أن الأية انقلبت، والقضية انعكست، وكان العرى أجمل، لكانت الآداب والتقاليد والعادات تستنكر الثياب، وتستهجن لبسها، وتقضى بنبذها. أى نعم. المرأة هى التى تقرر لنا آدابنا وعاداتنا لا الرجل».
قالت: «ما أقوى هذه المرأة.. وهى مع ذلك مغلوبة على أمرها. ومازال الرجل هو القوام عليها».
قال : «نعم هو كذلك. وإنها لضعيفة إذا قيست إلى الرجل، ولكن لها قوتين لا يستخف بهما إلا أبله؟ قوة الحيلة التى أنماها ضعفها البدنى. وقوة الجمال الذى ضمنته «الحياة» واختزلت فيه كل قوتها. فأين وجه العجب إذا كانت المرأة تصوغ للرجل دنياه؟»
وكانا قد طلبا شايا له وعصير ليمون مثلوجا لها، فأقبل الخادم بصينية واسعة فضية اللمعان، وأقبلا عليها يتناولان مما فوقها. وأدنت ميمى قدح الليمون من شفتيها، ثم ردته والتفتت إليه وقالت: «فى نفسى سؤال».
قال: «هاتيه».
قالت: «هل يثقل عليك أن أحشر نفسى فيما لا يعنينى؟»
Unknown page