Ibrahim Thani
إبراهيم الثاني
Genres
ومالت عليه، فابتسم لها، وقال: «لا شىء بها.. كانت اللسعة مؤلمة فى وقتها، ولكنها لم تزد على ذلك.. صحيح».
وصنعت له الشاى، وجلست قبالته تشاربه، وتحادثه، وتسرى عنه. وكانت تعرف أنها تستطيع أن تلهيه عما يثيره أو يؤلمه، أو يخامره، إذا استطاعت أن تجره إلى حوار تستثير فيه عقله، وتغريه بالتفلسف. وقالت تستدرجه: «هذا يثبت أنكم معشر الرجال أطفال ... تزعمون أنكم أنتم المجاهدون فى الحياة. ومع ذلك لا يحسن الواحد منكم أن يصنع فنجان شاى، أو يقلى أو يسلق بيضة. وتدعون أن النساء لا يصلحن إلا لشئون البيت.. وأنهن أداة للنسل ليس إلا.. يطبخن ويحملن ويلدن، ولا خير فيهن لغير ذلك ... حسن. ولكن ماذا يحسن الرجل ولا تستطيع المرأة أن تحسن مثله؟ هل يعجزها أن تجلس إلى مكتب فى ديوان وتدخن وتشرب القهوة، وتكتب بضع رسائل قصيرة؟ أو إذا تلقت من التعليم كفاية، أن تكتب مقالات كمقالاتك، أو إذا تعلمت الطب أو الهندسة أن تحذق ذلك كحذقكم؟ وانظر إلى براعتكم فى الهندسة، جعلتم البيوت كالمقابر.. لا شمس ولا هواء! وبراعتكم فى الطب.. كل طبكم تخمين وتجارب.. كالذى يمد يده ليتحسس فى الظلام. وأى امرأة متعلمة يعييها أن تتولى أمر الحساب فى المصارف؟»
فأقبل عليها يجادلها، ونسى ما كان، وتلهى عن طيرته. ولما نهض انحنى عليها وقبلها وقال وهو يعتدل: «يا امرأة ماذا عسانى كنت أصنع لولاك؟»
فقالت وهى تضحك: «كنت تكسر كل يوم ما فى بيتك من أطباق وفناجين، وتخرج كل يوم، ولا هم لك إلا أن تشترى جديدا سليما بدلا من المكسور».
ثم دنت منه حتى لصقت به، وأرخت جفونها وسألته جادة، وأصابعها تعبث بزرار المنامة (البيجامة): «صحيح؟»
فلم يجبها بكلام، وضمها إلى صدره، وقبلها قبلة طويلة حارة.
وكان العصر موعده مع ميمى، على باب المسجد كالعادة فسألها: «أين نذهب اليوم؟» ولم يكن ينتظر رأيها، ولكن كانت عادته أن يجاملها بالسؤال، وعزمه موطن على ما يفعل، فأمالت إليه وجهها وتبسمت، وهزت كتفيها، هزة خفيفة، فقال: «حسن، إذن فإلى المعادى» كأنما كان هذا ما اقترحت.
قالت: «ما هذا الإسراف؟»
قال: «إسراف؟ أمن الإسراف أن نمشى على الأقدام إلى محطة باب اللوق ونركب القطار ذهابا وإيابا ببضعة قروش؟»
فرفعت حاجبيها وهو تبتسم له، كأنما تقول: «لا بأس، لقد خفت أن تستأجر تاكسى لهذا المشوار الطويل».
Unknown page