60

Ibn Taymiyya: Ḥayātuhu wa-ʿaṣruhu, ʾĀrāʾuhu wa-fiqhuhu

ابن تيمية: حياته وعصره، آراؤه وفقهه

Publisher

دار الفكر العربي

يرسل إلى بعض قرابته كتاباً من السجن، فيبلغ الأمير أمر ذلك الكتاب، فيرسل نائب السلطنة في طلبه، فيقرؤه على الناس، ويثني على الشيخ، ويذكر علمه وفضله، وزهده وديانته وشجاعته، يقول ما رأيت مثله. ولا أشجع منه، وقد جاء في ذلك الكتاب ما نصه: ((إنه لم يقبل شيئاً من الكسوة السلطانية ولا الإدرار السلطاني ولا تدنس بشيء من ذلك))، فزاد ذلك قدره.

ففي الشام سيرة عطرة وشكر وثناء، وفي مصر سجن وأذى، ذلك لأن الشام رأت فضله وغايته، ورأت علمه وأدركته، أما مصر، فما كانت تعلم مكانته، ولا شجاعته، وإن علمه الخاصة، فإنهم يخفونه عن العامة، لأن الخاصة من الفقهاء والمحدثين ما كانوا يشاركونه في الرأي والمنهاج، وقد ضاقت صدورهم حرجاً بما يدعو إليه، والأمراء، وإن علموا بعض فضله كانوا يرضون العامة بمشاركة العلماء في إيذائه، أو بالأحرى في إغضائهم عن إيذائه وعدم العمل على نصرته.

٦٥- ولعل أنباء الشام وآلام أهله هي التي كانت تجعل أمراء مصر يفكرون في أمره الفينة بعد الأخرى، حتى إذا ما حاولوا دفع الأذى عنه حال العلماء بما يشترطون عليه وعدم قبول الشيخ ما يشترطون دون ذلك.

وقد حاول نائب السلطان في القاهرة، وهو سلار أيضاً أن يوفق بين الشيخ والعلماء، فأحضر أخوي الشيخ اللذين صحباه في السجن للمناقشة بعد أن امتنع الشيخ، فأخذ القاضي المالكي ابن مخلوف يناقش أحدهما وهو شرف الدين، وامتد الجدل بينهما ويقول ابن كثير: ((ظهر شرف الدين بالحجة على القاضي المالكي بالنقل والدليل والمعرفة، وخطأه في مواضع ادعى فيها دعاوى باطلة، وكان الكلام في مسألة العرش، ومسألة الكلام، ومسألة النزول(١))).

وبعد المناقشة أعيدا إلى السجن مع أخيهما، ولا عجب في أن يتغلبا على القاضي المالكي، لأنهما من تلك الدوحة العظيمة آل تيمية التي توارثت العلم فرعاً عن أصل، وخلفاً عن سلف، وهما صنوا تقي الدين، وأعلم الناس بطريقته ومنهاجه. وأوثق

(١) ابن كثير الجزء الرابع عشر ص ٤٣.

59