Ibn Taymiyya: Ḥayātuhu wa-ʿaṣruhu, ʾĀrāʾuhu wa-fiqhuhu
ابن تيمية: حياته وعصره، آراؤه وفقهه
Publisher
دار الفكر العربي
القاضي المالكي متقيد بما قرره أبو الحسن الأشعرى معتبراً ما عداه زيفاً بيناً، وضلالا مبيناً، فهو خصم بمقتضى التفكير والمنهاج لابن تيمية، فما كان من المعقول أن يحتكم إليه في أمره، وخصوصاً أن النظر في هذه الخصومة هو نظر في حجج وبراهين لا في شهادات وبينات قضائية، فكيف يقضي في براهين ابن تيمية من يضع نفسه وفكره وعقله في إطار المذهب الأشعري لا يعدوه.
وفوق ذلك فإنه قد عاجله بالاتهام، وليس من المعقول أن يتهم الشخص ويقضي، إنهما عملان متباينان، فالمتهم يسرد الأدلة الموجبة للعقاب؛ وعلى المتهم أن يقيم الأدلة النافية المسوغة للرأي والفكر، والقاضي يقضي في الدليلين وزين الدين المالكي تولى الاتهام، ومنع المتهم من أن يدلي بحجته؛ فصار بذلك خصماً لا قاضياً، وأخذها عليه تقي الدين، فرده عن القضاء؛ وكان حقاً على ذلك القاضي أن يكل الأمر إلى غيره؛ يكله إلى قاض لم يسارع بالخصومة؛ ويعاجل بالتهمة، ولكنه وقد سارع بالاتهام - سارع أيضاً إلى أمر آخر، وهو زج ذلك العالم الجليل الذي جعل لذلك القاضي المالكي ذكراً في الوجود؛ لأنه ذكر معه مخالفاً معادياً.
٦٢- نزل الشيخ في السجن في رمضان سنة ٧٠٥ وأهل الشام في ألم، بسبب ما نال الشيخ في مصر، ولقد امتد الأذى إلى الحنابلة الذين ينتمي إليهم ذلك الإمام الجليل، ولقد حكى الأذى الذي نالهم ابن كثير فقال: ((وحصل للحنابلة بالديار المصرية إهانة عظيمة كثيرة، ومن ذلك أن قاضيهم كان قليل العلم مزجى البضاعة، فلذلك قال أصحابه ما نالهم، وصارت حالهم (١))) ولسنا ندري أكان جهل قاضي الحنابلة هو السبب الأصلي فيما نالهم، أم أن السبب هو ما كان بين ابن تيمية والقضاة الثلاثة الذين كان يمثل رأيهم القاضي المالكي ولم يستطع ذلك القاضي المزجى البضاعة أن يدافع عنهم؛ ويجعل لهم شوكة كما لغيرهم من أتباع المذاهب الأخرى؟ الظاهر هو ذلك، والدليل عليه من الاقتران الزمني
(١) تاريخ ابن كثير الجزء الرابع عشر ص ٣٨
57